2020-05-10 18:22:21

شفق نيوز/ تتطرق دراسة لمعهد واشنطن نشرها بينر عزيز، وهو باحث زائر في مركز "ويلسون سنتر" في عام 2007 ومسؤول ثقافي في حكومة إقليم كوردستان عام 2008؛ الى الإقليم وصعوباته الاقتصادية المتواصلة، التي يرى انها تترك أثرًا متزايدا على قدرته على الاستجابة المستمرة لأزمة كورونا، وبخاصة مع تراجع أسعار النفط.

يضع عزيز الدراسة تحت عنوان "المخاطر والإصلاحات الناشئة: تحديات حكومة إقليم كوردستان في بناء اقتصادها بعد فيروس كورونا".

يفتتح عزيز الدراسة بالقول انه، في وقت يتخبط العالم في حالة من الشلل الاقتصادي، تكافح دول الشرق الأوسط لمواجهة التداعيات المختلفة للتباطؤ العالمي بما في ذلك التراجع الشديد في أسعار النفط. وكمنطقة تعوّل إلى حدّ كبير على إنتاج النفط للصمود اقتصاديًا، يُعد إقليم كوردستان العراق ضعيفًا بشكل خاص من حيث قدرته على التعافي من الدمار الاقتصادي الذي لحق به بسبب كوفيد-19.

ويشير الى انه، في حين سجل الإقليم عددا منخفضا نسبيًا من الإصابات بفيروس كورونا وفرض تدابير التباعد الاجتماعي في وقت مكبر، إلا أنه ما يزال يواجه احتمال تفشي المرض بشكل مفاجئ بما أنه خفف من تدابير الإغلاق وأعاد الحياة إلى طبيعتها؛ لكن المشكلات السياسية التي يواجهها إقليم كوردستان العراق حاليًا، إلى جانب صعوباته الاقتصادية المتواصلة، ستترك أثرًا ملحوظًا بشكل متزايد على قدرته على الاستجابة المستمرة للأزمة.

ويضيف انه، من أجل فهم أثر سعر النفط الحالي على إقليم كوردستان، لا بدّ من النظر إلى وضع مماثل حصل سابقًا عندما هوت أسعار النفط. ففي العام 2014، تراجعت أسعار النفط بواقع النصف بعدما تجاوزت الإمدادات العالمية الطلب بأشواط. وكان الأثر الاقتصادي المدمر والخطير الذي أحدثه الهبوط العالمي في أسعار النفط كبيرًا على الإقليم الذي وجد نفسه مرغمًا على تنفيذ استقطاع جزئي من رواتب موظفي قطاعه العام لمدة أربع سنوات مقبلة في منطقة حيث يتلقى ثلاثة من كل أربعة موظفين أجورهم من الدولة.

لكن قبل ظهور أول إصابة بفيروس كورونا في إقليم كوردستان مطلع آذار الماضي، كان اقتصاد حكومة الإقليم يتعافى ويسجل نموًا. وبعد سنوات من الضبابية حيال صادرات الإقليم النفطية، كانت الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة إقليم كوردستان قد توصلا إلى اتفاق ينقل بموجبه الاقليم حصة بحجم 250 ألف برميل من النفط يوميًا إلى شركة تسويق حكومية لقاء حصة في موازنة العراق الوطنية.

والآن ـ يتابع عزيز ـ بعدما تراجعت مجددًا أسعار النفط بواقع النصف، فإن إقليم كوردستان في وضع أسوأ حتى من العام 2014؛ اذ أن الظروف الاقتصادية الرديئة حاليًا صعّبت عليه للغاية تلبية طلبات الاستجابة لفيروس كورونا وموجبات اتفاقه مع الحكومة العراقية في بغداد على السواء. وفي 16 نيسان الماضي، جمّد رئيس الوزراء العراقي في حكومة تصريف الأعمال المستقيل عادل عبد المهدي تحويلات الموازنة إلى حكومة إقليم كوردستان ردًا على عجزها عن التقيد بمتطلبات اتفاقية النفط - الموازنة – في خطوة نتجت على الأرجح أيضًا من الاضطرابات الداخلية في بغداد إلى جانب حقائق التباطؤ الاقتصادي في أنحاء العالم. لكن يمكن النظر إلى هذا الأمر كورقة ضغط سياسية تستعملها بغداد للي ذراع الإقليم كي يوافق على المساومة السياسية لقاء الحصة في الموازنة.

ويلفت، الى ان التهديد الاقتصادي يُعد عالميًا وقد استجابت له كثير من الحكومات من خلال اتخاذ تدابير تحفيز لحالات الطوارئ بغية التخفيف من الأثر الاقتصادي لتفشي فيروس كورونا، غير أن حكومة إقليم كوردستان، لا تملك في الوقت نفسه احتياطات بل ترزح تحت وطأة ديون تقدّر قيمتها بالمليارات وعجزًا في الموازنة بالملايين، بما في ذلك درجة من انعدام التنظيم ضمن الحكومة منعها من وضع استجابة اقتصادية فعالة.

ويستدرك، التحديات التي اعترضت مقاربة حكومة إقليم كوردستان، إزاء الاقتصاد قد توفر، لو جرى تجاوزها، مسارًا أوضح بكثير خلال الأزمة الاقتصادية الحالية. ولضمان انفراج اقتصادي، على الحكومة أن تقر أولًا بالرابط بين انعدام كفاءتها لجهة تطبيق إصلاحات اقتصادية ومستوى الفساد في قطاعها العام الذي يفوق حجمه المعتاد؛ وفي حين أن المعلومات المتوافرة محدودة ومن الصعب تقويم مستوى الفساد في الإقليم، سجل هذا الأخير درجة أعلى بقليل فقط من دولة العراق ككل في مؤشر الفساد الصادر عن "وحدة الاستخبارات الاقتصادية"، اذ جاء في منتصف الثلاثينات من أصل مئة في حين بالكاد احتل العراق المرتبة العاشرة علمًا بأن درجة صفر تشير إلى الدولة الأكثر فسادًا على الأرجح.

ويواصل عزيز: كانت الحكومات المتعاقبة اقترحت مشاريع سياسية مختلفة تهدف إلى إضفاء الطابع المهني وتيسير العمل في القطاع العام. وفي حين أن إصلاحات مكافحة الفساد، على غرار مدونة السلوك للعام 2011 وعملية التسجيل البيومتري للعام 2017 لموظفي القطاع العام، حققت خطوة في الاتجاه الصحيح – لم تنجح هذه الجهود قط في معالجة التحديات الهيكلية الأعمق بالكامل. ويرى كثيرون أن العجز عن القيام بذلك هو ارتباط مباشر بمقاربة القادة السابقين المتكاسلة إزاء الإصلاح.

ويتابع، انه وبرغم الأزمة السياسية والاقتصادية الواسعة النطاق، تنظر الأحزاب السياسية – بما فيها مجموعات المعارضة – إلى الحكومة الحالية بتفاؤل، مظهرةً إيمانها بقدرة رئيس الوزراء مسرور بارزاني المحتملة على تولي المهمة الصعبة المتمثلة بإحداث تغيير دائم. وكان بارزاني قد تبوأ السلطة بعد حملة جريئة لمكافحة الفساد. وكخطوة أولى، سعت حكومته إلى إقرار قانون إصلاح مثير للجدل منتصف كانون الثاني 2020، رمى إلى اجتثاث الفساد في جدول رواتب موظفي الدولة وتوحيد أنظمة التقاعد وتقليص معاشات تقاعد المسؤولين ذوي الرتب العالية. ويُعد الحفاظ على هذا الزخم حتى في وجه الأزمة مهمًا بالنسبة لإقليم كوردستان العراق.    

وبالتزامن مع الفساد، يتعين على الحكومة اللجوء إلى أكثر الأفراد كفاءةً من أجل قيادة الإقليم خلال هذه الأزمة. وبغية تجنب ارتكاب الأخطاء السابقة، على الحكومة اعتماد التوظيف القائم على الجدارة وفرض في الوقت نفسه عقوبة صارمة بحق المخالفين.

ويرى عزيز، انه يجب أن يدرك القادة في إقليم كوردستان أنه سيكون لاستراتيجية المكاسب الصغيرة أثر أكبر على حياة الشعب الكوردي اليومية. وعليه، لا يجب أن يكون التركيز الأكبر في التشريعات الاقتصادية والخاصة بمكافحة الفساد على الإصلاحات الشاملة للمجالات الأساسية بل أيضًا على إصلاحات أصغر حجمًا مدرة للإيرادات ترمي إلى تطوير القطاع الخاص، فضلًا عن ذلك، يُعد إدخال إصلاحات على القانون من دون المتابعة المناسبة بمنزلة حلّ ترقيعي لمشكلة خطيرة. وفي غياب أي إصلاحات جادة ومستدامة، ستجد حكومة إقليم كوردستان نفسها في مواجهة المشكلات نفسها في المستقبل وغير قادرة على إخراج نفسها بنجاح من مستقبل اقتصادي غير مستقر، بحيث ستحارب بشكل دائم حلقة واسعة الانتشار من الفساد تقوّض مؤسساتها. 

ويشير الى انه في ظل النظام الاتحادي السائد في العراق، فإن قدرة حكومة إقليم كوردستان على إقرار الإصلاحات هي ببساطة مسألة تخصّ الإقليم. كما أن قدرتها على تنفيذ سياسة خارجية فعالة وبخاصةٍ فيما يتعلق بمعالجة علاقتها المضطربة مع بغداد، أساسية كما أظهرت المفاوضات الأخيرة حول النفط. ويظهر أن حكومة إقليم كوردستان، أدركت أخيرًا أن منطقة بحجم صغير لا يمكنها تحمّل تبعات صنع أعداء.

وينوه عزيز على ان الإقليم نجح ببراعة في الحفاظ على علاقات محددة، وهي مسألة وصفها رئيس الوزراء بارزاني بأنها "بداية جديدة" جزئية في مقال صدر عن "واشنطن بوست" العام الفائت. ووصف بارزاني المسألة كالآتي "ستكون السنوات الأربع المقبلة مرحلة حاسمة بالنسبة لنا وللدول المجاورة ولحلفائنا، سنتغاضى نحن حكومة إقليم كوردستان ابانها عن الصدمات السابقة ونعزّز موقعنا في المنطقة ونضمن حضورنا على الساحة الدولية. باختصار، نحن نرغب ببداية جديدة؛ لقد حان الوقت لشراكة بناءة ومستقرة على نحو أكبر مع بغداد". وسيكون الحفاظ على هذه العلاقة، حتى في ظل مواجهة الحكومتين تحديًا كبيرًا، أساسيًا.

ويلفت الى ان حكومة إقليم كوردستان قالت في عام 2007 أنها ستحوّل الإقليم إلى "دبي ثانية"؛ وفي حين من المستبعد أن يكون هذا الهدف الطموح واقعيًا بعد الآن، قد يكون اقتصاد الإقليم قادرًا على العودة إلى المستويات المسجلة ما قبل فيروس كورونا، على افتراض أن يكون مزودًا بالدعم والمساندة الدوليين.

وفي حين تمثل دور الولايات المتحدة تاريخيًا بمساعدة اربيل عسكريًا، أصبح الأهم اليوم إنقاذ الإقليم من الانهيار الاقتصادي.

ويواصل عزيز القول: من جهتها، الحكومة الاتحادية في العراق في وضع خطير بشكل خاص في ظل معاناتها من تداعيات تشكيل الحكومة الجديدة بعد استقالة عادل عبد المهدي إلى جانب اعتمادها الخاص على الإيرادات النفطية.  وتنازعت جميع الأحزاب حتى اللحظة الأخيرة، ولكن في ليلة السادس من أيار، حصل المرشح مصطفى الكاظمي على تصويت بالثقة في حكومته، وبذلك أصبح رئيس الوزراء العراقي الجديد. ويمثل الكاظمي خيارا مؤاتيا للولايات المتحدة، اذ يُنظر إليه على أنه منفتح نسبيًا على الولايات المتحدة مقارنة بالمرشحين المحتملين الآخرين.

وعلى الحكومة الأمريكية الضغط على بغداد من أجل إرسال حصة اربيل الشهرية من الموازنة الوطنية العراقية وضمان عدم خضوع الكورد لعقوبات جراء انحدار أسعار النفط عالميًا. ومن شأن هذه المساندة أن تساعد على تعزيز الآفاق الاقتصادية والسياسية لاقليم كوردستان العراق في مرحلة ما بعد كورونا. وسيكون تدخل الولايات المتحدة لمساعدة الإقليم من عدمه أساسيًا لتحديد ما إذا كانت أحدث الإصلاحات التي اعتمدتها الحكومة ستدوم وما إذا كان الاقتصاد سيتمكن من التعافي.

ويختم بينر عزيز دراسته بالقول، انه برغم تواجد كثير من التحديات العالمية في الوقت الحاضر، يجب على الولايات المتحدة أن تعترف بأهمية إقليم كوردستان العراق في استراتيجيتها الخاصة بالعراق وتتصرف وفقًا لذلك. وفي حال فشل الاقليم، فسيؤثر ذلك سلبًا على بقية أجزاء الدولة ومن شأن مثل عدم الاستقرار السياسي هذا أن يؤجج صراعًا بين الكورد تكون له تداعيات أشمل على الأمن الإقليمي والدولي؛ واستندت الولايات المتحدة في استراتيجيتها للانسحاب على افتراض أن مناطق مثل إقليم كوردستان العراق ستكون قادرة على الصمود ضد التهديدات المتطرفة المستقبلية. وعلى هذا النحو، ترتبط الجدوى الاقتصادية للمنطقة ارتباطا وثيقا بتلك القضايا الأمنية.