شفق نيوز/ تقول إميلي هاوثورن المحللة في قضايا الشرق الأوسط وشمال افريقيا في معهد "ستراتفور" وهو مركز دراسات إستراتيجي وأمني أميركي، يعد أحد أهمّ المؤسسات الخاصة التي تعنى بقطاع الاستخبارات في تحليل لها على موقع المعهد، إن العراق بات مسرحاً ساخنًا للتوترات بين إيران والولايات المتحدة، مع استمرار المجموعات المسلحة المدعومة من طهران في مهاجمة القوات الأمريكية المتمركزة في البلاد. لترد الولايات المتحدة بإعادة تمركز قواتها بدلاً من سحبها، مؤكدة على أولويتها المستمرة بضمان الاستقرار في العراق. ولكن على خلفية أزمة جائحة كورونا العالمية، فإن حملة الضغط المكثفة التي تشنها واشنطن على إيران ووكلائها، قد تأتي بنتائج عكسية بإلقاء العراق في عمق الفوضى.
وتوضح هاوثورن أنه عن طريق تشديد الخناق على وكلاء إيران الإقليميين وصادراتها النفطية، تخاطر الولايات المتحدة بإتلاف علاقاتها المتبقية مع الحكومة العراقية. تظهر وثائق البنتاجون التي تسربت في أواخر أذار الماضي نقاشًا داخل الجيش الأمريكي حول ما إذا كان يجب تصعيد الحملة ضد المجموعات المسلحة العراقية المدعومة من إيران، التي كثفت مؤخرًا هجماتها على أهداف للولايات المتحدة والتحالف الدولي في البلاد.
وفي 26 آذار الماضي منحت الولايات المتحدة العراق أقصر تنازل عن العقوبات حتى الآن، حينما سمحت لبغداد بالاستمرار في شراء صادرات الغاز الطبيعي الإيرانية الحاسمة، دون مواجهة غضب واشنطن المالي. تهدف هذه الجهود إلى القضاء على النفوذ الاقتصادي والعسكري لإيران في العراق، الذي تعده واشنطن مفتاحًا لضمان الاستقرار العراقي في ظل حكومة صديقة للولايات المتحدة. مع أن القيام بذلك في وقت يهدد فيه الانهيار الاقتصادي، بسبب فيروس كورونا وانخفاض أسعار النفط بتدمير الحكومة العراقية قد يقوض هذا الهدف في نهاية المطاف، وبالتالي، ستفشل الحرب التي تقودها الولايات المتحدة ضد الإرهاب العالمي.
تنظر الولايات المتحدة إلى احتواء المجموعات المسلحة العراقية الموالية لطهران على أنها حرب على النفوذ الإيراني المتمدد في المنطقة – تشير هاوثورن – لكن القضاء على نفوذ المسلحين يمثل تحديًا استثنائيًا. فعلى الرغم من تفاوت دعم الدولة لها، إلا أن هذه المجموعات المسلحة متجذرة بشدة في السياسة والمجتمع العراقي، وأصبحت مكونًا أساسيًا لقوات الأمن والحكومة في بغداد على مر السنين. وهذا يعني أن الحكومة تتحمل تكلفة سياسية في كل مرة تهاجم فيها الولايات المتحدة هذه المجموعات المسلحة.
وبرغم الضغوط الأمريكية، ليس هناك الكثير مما يمكن للحكومة العراقية فعله للسيطرة على تصرفات هذه المجموعات المسلحة، التي ستواصل القتال من أجل بقائها وأهدافها الإقليمية بعيدًا عن طهران، ناهيك عن بغداد. يمكن أن تؤدي محاولات كبح جماح المجموعات المسلحة القوية في العراق إلى زيادة تعقيد قدرة عدنان الزرفي، رئيس الوزراء المعين، على تشكيل حكومة عن طريق تأجيج الأحزاب الموالية لإيران لمزيد من الجدل ضد تنصيبه الرسمي (اعتذر الزرفي عن تشكيل لحكومة قبل أيام وكلف الرئيس العراقي رئيس جهاز المخابرات مصطفى الكاظمي بتشكيل حكومة جديدة).
وبالنتيجة، قد لا يكون من المستغرب أن تصدر الحكومة العراقية، التي كانت في وضع غير مستقر منذ استقالة رئيس الوزراء في تشرين الأول 2019، بيانات تنديد ردًّا على قصف الولايات المتحدة مباشرة للميليشيات واستمرارها في التهديد بالعقوبات. في غضون ذلك، تعيد واشنطن تغيير مواقع قواتها العسكرية في البلاد بهدف طويل الأمد يتمثل في خفض القوات في نهاية المطاف، مما أثار ردود فعل متباينة في الحكومة العراقية. يحتفل المقربون من إيران به، في حين يخشى المقربون من واشنطن من الفرص التي يمكن أن يوفرها انسحاب الوجود الأمريكي لتنظيم (داعش) والجماعات الإرهابية الأخرى.
وقد يسبب التهديد المستمر بالعقوبات الأمريكية مزيدًا من زعزعة استقرار الاقتصاد العراقي الهش بالفعل – تنوه هاوثورن – الذي يعاني أصلًا بسبب جائحة كورونا وتراجع أسعار النفط. تضغط الولايات المتحدة على العراق منذ سنوات لفطم نفسه عن إمدادات الطاقة الإيرانية. لكن واشنطن زادت هذا الضغط مؤخرًا بتقصير مدة الإعفاء من العقوبات الأخيرة إلى 30 يومًا فقط قبل أن تفرض عقوبات على واردات العراق من الغاز الطبيعي الإيراني.
من المحتمل أن يكون هذا محاولة لإجبار العراق على إظهار أنه حقق تقدمًا بشأن هدفه المعلن المتمثل في استبدال جميع صادراته الإيرانية على مدى السنوات الثلاث المقبلة، خاصة بالنظر إلى أن استهلاك العراق من واردات الغاز الإيرانية زاد بالفعل من 24 إلى 31% بين 2018 و2019.
ومع ذلك، فإن خفض استهلاك العراق الغاز الإيراني سيتطلب استثمارات دولية ضخمة، بالإضافة إلى زيادة استحواذ العراق على الغاز المشتعل لتحسين الاقتصاد والاستفادة من إنتاجه المحلي. والآن، فإن الصدمات الاقتصادية المزدوجة لوباء كورونا وانخفاض أسعار النفط، اللتين حفزا الانهيار الأخير لمفاوضات منظمة أوبك بلس، ستجعل استكمال الإصلاح الاقتصادي وفقًا لهذا الجدول الزمني القصير شبه مستحيل بالنسبة لبغداد.
على الرغم من تصدير الكمية نفسها من النفط تقريبًا، فقد حقق العراق عائدات أقل بنحو ملياري دولار في آذار الماضي عن شهر شباط، مما يؤكد كيف أن انهيار الطلب العالمي على النفط بسبب أزمة كوفيد-19 يزيد من الضغط على احتياطيات العراق المالية. ومع عدم وجود نهاية فورية محتملة للوباء والآثار الاقتصادية ذات الصلة، تهدد الأزمة الصحية والاقتصادية العالمية المستمرة قدرة الحكومة العراقية على الحفاظ على توازن ميزانيتها وتوفير الخدمات الأساسية، ناهيك عن قدرتها على إجراء تغييرات هيكلية عميقة لقطاع الطاقة والكهرباء لديها.
ومع ذلك – تقول هاوثورن – وفيما من المرجح أن يوجه وباء كوفيد-19 ضربة حادة للاقتصاد العراقي، فإن المخاوف بشأن احتواء تفشيه في البلاد منح بغداد هدنة مؤقتة من الاحتجاجات المناهضة للحكومة. ومع بقاء المزيد من الناس في منازلهم خوفًا من الإصابة أو نشر المرض، خرج عدد أقل بكثير من العراقيين إلى الشوارع في الأسابيع الأخيرة للاحتجاج ضد الحكومة.
ولكن بعد انقشاع سحابة الأزمة الصحية، ومع ظهور النقص الحاد في المياه والكهرباء في العراق مرة أخرى في الصيف، فمن المؤكد أن المظاهرات ستعود. وإذا كثفت الولايات المتحدة حملة القصف ضد المجموعات المسلحة العراقية المدعومة من إيران، فإنها قد تخاطر بمزيد من الاحتجاجات في العراق لتأجيجها الغضب بين العراقيين، الذين سئموا من الوقوع في نيران الحرب المستعرة بين الولايات المتحدة وإيران.
إن اختيار تصعيد الضغط في وقت يتصارع فيه العراق بالفعل مع هذه المخاطر الاقتصادية والسياسية الشديدة يمكن أن يؤدي إلى نتائج عكسية على الولايات المتحدة، من خلال جعل العراق ليس فقط شريكًا أقل حماسة في الحرب الأمريكية لاحتواء النفوذ الإيراني، ولكن أيضًا بشكل عام، سيصبح حليفًا أقل امتثالًا في المعركة العالمية المستمرة لمكافحة الإرهاب، التي لا يزال العراق مركزًا لها.