شفق نيوز/ يجلس نياز مهدي (29 سنة) مع زملائه في العمل أثناء وقت الاستراحة في غرفة صغيرة بمقر الشركة التي يعملون فيها ويتبادلون أطراف الحديث فهو بالنسبة لهم الوقت الأمثل للابتعاد عن ضغط العمل قليلاً.
تعرض شاشة التلفاز الموجودة في الغرفة برنامجاً إخبارياً يتحدث عن آخر مستجدات المنافسة الانتخابية بين الأطراف السياسية وما هو رأي المواطن في كل ما يحدث.
نياز الكوردي الوحيد بين زملائه يجد نفسه أمام أسئلتهم حول مشاركته في الانتخابات من عدمها ولمن سيصوت في الانتخابات النيابية المقبلة المقررة في الثاني عشر من شهر أيار – مايو المقبل.
"يه كيتي". يجيب نياز على أسئلة أصدقائه، وهي كلمة كوردية تعني الاتحاد في إشارة الى حزب الاتحاد الوطني الكردستاني أحد أبرز الأحزاب الكوردية في العراق.
نياز الذي ينتمي الى حزب الاتحاد وعمل سابقاً ضمن قوات البيشمركة الكوردية ممثلاً عن حزبه فيها لم يمنعه انتقاله للعيش في بغداد من التخلي عن انتمائه السياسي والذي سيحدد خياراته في الانتخابات المقبلة.
"نحن هنا في بغداد ننتظر من الحزب أن يرسل لنا الأسماء التي سيدعمها في الانتخابات ونحن نقرر بمحض إرادتنا من هو المرشح الذي سنصوت له" يضيف نياز.
لكن نياز لا يعكس سوى رأيه ورأي بعض الكورد ممن قدموا خلال الفترة القليلة الماضية الى العاصمة بغداد ممن يرغبون في منح أصواتهم للقوائم الكوردية الرئيسية إذ ان معظم كورد بغداد لا يصوتون على أساس القومية وهو ما كشفته الدورات الانتخابية السابقة.
ففي العاصمة بغداد ورغم تناقص أعداد الكورد المقيمين فيها سواء في حقبة النظام السابق او بعد أحداث عام 2003 لكنهم مازالوا يشكلون نسبة لا يستهان بها في التصويت للمرشحين ضمن الدائرة الانتخابية المحددة بحدود العاصمة.
قبائل كوردية كثيرة اختارت منذ بدايات القرن الماضي الاستقرار في العاصمة كقبيلة الأركوازي، السورميري، الجاف، باجلان، الزهاوي وغيرها الكثير فضلا عن الكاكائية وغيرهم من عشائر كردية حتى سُميت العديد من مناطق بغداد بأسماء ذات علاقة بالكرد أو بتلك القبائل كمنطقة حي الأكراد وعكد الأكراد وغيرها.
لكن أصوات الكورد في بغداد لا تتفق فيما بينها على التصويت لتيار سياسي معين أو مرشح ما، بل إنها لا تتفق بالأساس على ضرورة اختيار مرشح ضمن قائمة كوردية.
فالكثير من كورد بغداد كما يصطلح عليهم لا يتأثرون بالعامل القومي بسبب ابتعادهم عن إقليم كوردستان الشمالي لأن العديد منهم وُلد وعاش في بغداد ولا يربطه بقوميته الكوردية سوى الاسم.
معظم الكورد سيصوتون لقائمة سياسية لحزب لا يضم حتى عضواً كردياً في قائمة مرشحيه وهم يشابهون بأفكارهم وتطلعاتهم أهالي العاصمة من غير الكورد كالعرب والمسيح والتركمان وبقية المكونات.
"لا لن انتخب قائمة كوردية ولا مرشحا كورديا، لدي قائمة معينة آمنت بتوجهاتها في الفترة السابقة وسأمنح صوتي لها".. يقول شيروان محمد وهو كوردي وُلد في بغداد ويقيم فيها.
الكورد الفيلية لهم توجهات أكثر تنظيماً من بقية كورد بغداد لكن البعض منهم قد يشذ عن القاعدة أيضاً في اختيار مرشحين لا يرتبطون بالقومية الكوردية للفيليين.
الخلاصة أن أصوات كورد بغداد سيذهب بعضها إلى قائمة أو مرشح من القومية الكوردية بينما سيذهب البعض الآخر إن لم يكن الأغلب إلى قوائم ومرشحين من السنة او الشيعة وبالتالي فإن المراهنة على ذهاب أصواتهم لجهة واحدة وإن كانت كوردية هي مراهنة على حصان خاسر.
في الأسابيع الماضية أعلن عدد من أعضاء مجلس النواب من النواب الكورد البارزين عزمهم دخول الانتخابات النيابية المقبلة في قوائم غير كوردية ما شكل مفاجأة للكثير من المتابعين للشأن السياسي العراقي.
كما أن البعض من الساسة الكورد قرر تشكيل قائمة انتخابية مفردة لخوض الانتخابات في بغداد، ويأمل هؤلاء الساسة من الكورد أن يحصلوا على أصوات أبناء قوميتهم الموجودين هنا في العاصمة لكن الأمر لا يبدو بهذه السهولة.
"لم يحصل الكورد على مقعد نيابي من العاصمة بغداد طيلة السنوات الماضية رغم ان بغداد هي عاصمة لكل العراقيين" يقول ماجد شنكالي النائب عن الحزب الديمقراطي الكوردستاني.
ويعتقد شنكالي أن قرار المرشح الكوردي خوض الانتخابات في بغداد هو أشبه بمحاولة الانتحار السياسي، مبينا أن "حظوظ الكورد في بغداد قليلة جدا باستثناء الكورد الفيلية بسبب ان أعداد الكورد تراجعت كثيرا في السنوات الماضية ولذلك لم نحصل على مقعد نيابي من بغداد".
التجارب الانتخابية السابقة أثبتت أن الكورد في بغداد لا يصوتون لقوميتهم بل ينحازون الى طائفتهم الدينية متأثرين بالأجواء السائدة بين سكان العاصمة إذ غالبا ما يصوت الكورد الفيلية لقوائم شيعية كما حدث في الانتخابات النيابية الأولى حينما صوتوا لصالح قائمة (555) التي كانت تضم التيارات الشيعية وفعلوا الأمر ذاته في السنوات اللاحقة، اما السنة منهم فيصوتون لصالح قوائم سنية او كورد من بغداد.
ولم تنفع جميع محاولات الأحزاب الكوردية الرئيسية في كسب أصوات كورد بغداد في الدورات الانتخابية السابقة رغم أنهم كانوا يعولون عليهم في الحصول على مقاعد نيابية بأصوات أبناء قوميتهم في العاصمة.
ولأن المراهنة لا تكون خاسرة دائما فإن البعض من المرشحين الكورد يبدو حظهم أوفر في الوصول الى المجلس النيابي وهؤلاء هم كورد بغداد أنفسهم والذين لم يستخدموا قوميتهم في المنافسة الانتخابية التي قرروا خوضها.
بل إن بعضهم لا يعرفه جمهوره على أنه كوردي من الأصل بسبب أن مولده في بغداد وإقامته فيها وعمله الوظيفي وحتى السياسي أبعده عن المسميات القومية بالنسبة لجمهوره، ومن بين هؤلاء رئيس اتحاد السباحة العراقي سرمد عبد الإله على سبيل المثال، والذي لا يمكن تمييز أنه كوردي أو عربي بل إن لغته العربية بلهجته البغدادية توحي بأنه عربي بامتياز.
يعتقد سرمد عبد الإله أن شعبيته التي كسبها خلال سنوات تمثيله للعراق في رياضة السباحة على صعيد المحافل الدولية وقربه من جمهوره وأغلبهم في العاصمة بغداد سيكسبانه فرصة الوصول إلى السلطة التشريعية.
علاقة الكورد ببغداد في الانتخابات المقبلة ستكون علاقة غير متوازنة فالناخب الكوردي البغدادي لن يصوت بالضرورة لمرشح كوردي والمرشح الكوردي البغدادي سيحصل على أصوات العرب في العاصمة.
وحتى لو قرر الناخب الكوردي المقيم في العاصمة ان يمنح صوته لمرشح كوردي من الإقليم قرر الترشح عن طريق بغداد فإن هذه الأصوات لن توصل هذا المرشح أو غيره الى العتبة الانتخابية لاسيما في دائرة انتخابية توصف بالخطيرة وهي العاصمة بغداد.
نقاش