شفق نيوز/ وسط ركام الموصل وجدت مجموعة من طلبة وطالبات الجامعات العراقية قضية تستحق الاهتمام.
فهم يعملون على إنقاذ ما تبقى من تراثها الغني وذلك برفع الركام وتوزيع المساعدات في مدينة تئن بالشكوى طلبا للعون بعد الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية.
بدأ المشروع عندما قررت رغد حمادي ومجموعة من الطلبة بدء حملة للمساعدة في إعادة بناء المكتبة المركزية بجامعة الموصل والتي تعرضت للحرق والقصف خلال الحرب وكادت محتوياتها الهائلة أن تختفي.
غير أن المجموعة عثرت تحت طبقات الرماد على حوالي 30 ألف كتاب لم يمسها سوء تقريبا. وعلى مدار 40 يوما في عز الحر والحرب لا تزال تستعر في الشطر الآخر من المدينة نقل الطلبة الكتب كتابا كتابا مستغلين الفتحات التي أحدثتها الصواريخ لأخذها إلى الأمان.
وقالت رغد حمادي طالبة التمريض البالغة من العمر 25 عاما ”أنا اعتبر شغلي بالمكتبة هو من أعظم شي عملتو في حياتي. يعني أقلك مدينة كاملة عريقة قديمة خسرت آثار وحضارة: جامع النبي يونس ومنارة الحدباء اللي أقدم من أي شيء موجود بال.. يعني أقدم من الحكومة العراقية بنفسها“.
وأضافت ”هذا تاريخ وهذا حضارة يعني شي عظيم إنو نحافظ علينو“.
وقد تعرضت منارة الحدباء المائلة وهي جزء من جامع النوري الكبير للتدمير في الحملة العسكرية لاستعادة المدينة.
وكان أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم الدولة الإسلامية قد أعلن من الجامع النوري قيام دولة الخلافة ومن المعتقد أن المقبرة القديمة تضم رفات النبي يونس.
وتقول رغد بعض الكتب التي تم إنقاذها مخطوطات بخط اليد لعلماء الموصل.
ومن الكتب ما كُتب باللهجة المصلاوية (الموصلية) التي تتميز بها تلك المنطقة التي كانت مركزا لعلماء الإسلام ومفخرة بمساجدها وكنائسها القديمة وبعمارة مدينتها القديمة.
* ثورة في الداخل
في مواقع أخرى عمل المتطوعون على رفع الركام والنفايات وفتح الطرق وحفر آبار المياه وتوزيع المساعدات.
وقالت رغد ”احنا الحمد لله. هستا الموصل أحسن من قبل بكثير وهذا يعود إنو للثورة اللي صارت داخل الموصل ياللي هي ثورة أبنائها وشبابها يعني كثير شغلات تغيرت بالمدينة من خلالهم“.
وبعد الحياة تحت الحكم الصارم الذي فرضه تنظيم الدولة الإسلامية ثم حرب استعادة المدينة تشعر الشابات وكأنهن تحررن.
كان الفريق الذي انطلق لإنقاذ الكتب مختلطا من الفتيات والفتية وهو أمر نادر في مجتمع الموصل الذي يعد فيه اختلاط الجنسين خارج إطار الأسرة أو الجامعة أمرا محدودا حتى قبل مجيء التنظيم.
وقالت رغد ”هاد الشي كان شي إيجابي اعتبرو من خلال هاي الأزمة إنو البنت والولد يشتغلون بموضوع معين باتجاه معين هدف واحد حاجز ما طبيعي انكسر أنا أعتبرو. هوي صغير بالنسبة لبقية العالم يعني بس يعتبر للموصل هوا كلش كبير“.
بعد شهور من إعلان العراق السيطرة الكاملة على المدينة عادت الحياة إلى بعض مناطقها. غير أن جانبا كبيرا من المدينة القديمة التي شهدت آخر المعارك وأكثرها دموية لا يزال مدمرا بالكامل.
وقال ضياء الطاهر الذي يساعد في إصلاح المنازل إن أغلب الناس عادوا رغم فقرهم إلى أحيائهم التي تم رفع الركام منها.
ورغم ذلك توجد مناطق بأكملها مهجورة بالكامل. وتنتشر فيها الجثث تحت الأنقاض.
وقال الطاهر (30 عاما) ”محتمل إنو الفقر يؤذي أكثر من داعش بعد. إذا أصبحت المدينة كدا الفقير ممكن إنو ما يلاقي أي شيء. كل شيء يعمل“.
ويضيف الطاهر أن هدفه هو إصلاح ألف بيت وإنه أتم حتى الآن إصلاح 75 منزلا بالاعتماد على تبرعات السكان المحليين وحدهم.
وكثيرا ما يستوقف السكان المحليون الطاهر لطلب العون. ويشير الطاهر إلى بيت منهار حيث قُتل أفراد أسرة بالكامل.
وقال وهو يخطو فوق سيل متدفق من مياه الصرف الصحي شطر الطريق نصفين ”الأغراض الباقية بالمنطقة أعطوها لشخص رح يبيعها ويوزعها في سبيل الله“.
* نجاة بأعجوبة
كانت مروة الجبوري المطلقة ذات الخمسة والعشرين عاما من أوائل المتطوعات بمجرد نجاتها هي وأسرتها من القتال.
وقالت مروة ”ما كنا متخيلين إنو نحن أصلا حننجو بحياتنا. بعد ما الحمد لله بساعات الفجر الأولى وصلنا للجيش ووصلنا إلى أهاليتنا لكن الكثير من عندنا فقد، اللي فقد ابنا واللي فقد بنتا واللي انبترت رجل ابنا من جراء الضرب.
”هاد الشيء جزء بسيط أصلا والحمد لله هوا هاذ اللي صار ضدتنا. طبعا احنا يعني من العوائل اللي صار بيها الشي اللي خلاني إنوا ما أقعد بالبيت بعد ومستحيل إنو أسكت وما قعدت بالبيت“.
وتقول مروة إنه كان عليها أن تتغلب على نظرة المجتمع لها كامرأة ومطلقة من أجل تنفيذ هذا العمل.
وهي تدير أنشطة للأطفال وتساعد في تنسيق الحصول على الرعاية الصحية والمعدات المطلوبة لاستخدامات الأسر. ونظم فريقها فتح حديقة كانت تستخدم من قبل ساحة للتدريبات العسكرية للمقاتلين الذين حكموا المدينة ثلاث سنوات.
وتقول مروة التي لا تزال صور ليلة هروب الأسرة تطاردها إن الناس تحتاج للمساعدة للتغلب على الأثر النفسي حتى إذا أعيد بناء الموصل.
وتضيف ”الفكرة إنو بس الإعمار. يعني نهاية رح تعمر المدينة. ولو بعد ألف سنة. لكن الفكر إذا انهدم وإذا تحطم الفكر احنا مركزين أكبر شيء على الفكر، يعني الفكر إذا تدمر، تدمرت المدينة وما بالإمكان إنو تنهض أصلا“.
رويترز