شفق نيوز/ على جسر عائم يربط شرق الموصل بغربها يعبر سكان المدينة التي مزقتها معركة طرد متشددي تنظيم داعش جيئة وذهابا سعيا لبناء حياتهم من جديد.
ويعرف الهيكل المؤقت باسم جسر النصر وهو السبيل الوحيد لعبور نهر دجلة الذي يقطع الموصل. ودمرت حرب شوارع استمرت تسعة أشهر بين القوات العراقية والمتشددين الجسور الأخرى بالمدينة ومن بينها الجسر الحديدي.
وبعد أن عادت الموصل إلى سيطرة الحكومة يعبر الآلاف الجسر يوميا لتفقد المنازل في الشطر الغربي المدمر وجمع المتعلقات أو البحث عن مكان للإقامة في الشرق.
ولدى السكان جميعا حكايات عن المعاناة والصعوبات التي واجهوها خلال ثلاث سنوات من حكم داعش. وعلى الرغم من ارتياحهم لانتهائه فإنهم يشعرون بالقلق الآن بشأن المأزق الحالي والمستقبل.
ويكافح الكثيرون من سكان غرب الموصل، حيث دمرت الضربات الجوية والمدفعية للتحالف بقيادة الولايات المتحدة أحياء بالكامل، لدفع إيجار مساكن مؤقتة. ويكونون في أغلب الأحيان بلا عمل كما نفد ما لديهم من مال.
وقضى صفوان الحبار (48 عاما) الذي يملك منزلا في حي الزنجيلي النهار في طلب المساعدة لحل مشكلة تبعث على قلق كبير إذ قام متشددو داعش بتلغيم منزله.
وأضاف "هناك قنبلتان متصلتان بسلك. إذا وضعت قدمك عليه فسينفجر".
وتساءل "هل تعرف أي شخص يمكنه إزالته؟ أذهب كل يوم إلى الجيش وفي كل يوم يقولون لي: فلتأت غدا. أنا في حالة يرثى لها. أدفع إيجارا لكنني أود العودة إلى المنزل".
ويجب على المدنيين عبور الجسر، الذي شُيد لأغراض عسكرية، سيرا على الأقدام. وتتوقف سيارات الأجرة على الجانب الشرقي على بعد نحو نصف كيلومتر حتى يفحص الجنود أوراقها.
ويجب على الناس المرور من أمام أنقاض فندق نينوى، الذي كان يوما مكانا فاخرا يرتاده قادة الجيش العراقي، ثم يمرون بمنحدر وصولا إلى الجسر حيث يجلس الجنود العراقيون تحت الشمس. وتقف سيارات الأجرة في مساحة مفتوحة على الجانب الآخر.
وحمل القادمون في الاتجاه الآخر أجهزة تلفزيون ومواقد طهي وحقائب أمتعة وأغراضا أخرى جمعوها من المنازل المدمرة. وانتشل رجل بعض الدفاتر وقاموسا من الانجليزية إلى العربية وحملها في كيس بلاستيكي.
وقال رجل آخر يدعى ميرسور دانون حسن (53 عاما) إن ضربة جوية دمرت منزله.
وأضاف "لا أتقاضى راتبا. أحتاج إلى مساعدة لإعادة بنائه".
وكان يعيش في مسكن مستأجر مع زوجته وبناته الخمس وابنه في الجزء الشرقي من الموصل لكن صاحب المنزل رفع الإيجار من مئة دولار شهريا إلى 200 دولار.
وقالوا إن حياتهم كانت بائسة تحت حكم داعش الذي سيطر على الموصل في يوليو تموز 2014 لتصبح معقله الرئيسي في العراق.
وقال محمد زهير (31 عاما) "كانت الحياة جحيما... داعش حرمتك من كل شيء. لم يكن لك الحق في أن يكون لديك هاتف أو ترتدي سروالا من الجينز. اضطررت لإطلاق لحيتي".
وكان الضرب بل والإعدام جزاء المخالفين. ومع اشتداد القتال فتح المسلحون النار على الأشخاص الذين يحاولون الفرار.
وأصابت تلك التجربة أطفال زهير بالصدمة.
وقال "يقيمون في القبو منذ أسبوعين وما زالوا خائفين... إذا ساعدتني الحكومة فسأعود وإلا فسأظل هناك".
* من بوسعه مساعدتي؟
كان ياسر (27 عاما) يعمل سائق سيارة أجرة في المدينة القديمة التي كانت معقلا للمتشددين. وقبل ثلاثة أشهر أحرقوا سيارته.
وقال "كان هذا سبيلي الوحيد لكسب الرزق. لا أعرف ممن ألتمس المساعدة. هل هناك من أحد بوسعه مساعدتي؟"
وهو الآن يستأجر منزلا لأسرته نظير 80 دولارا لكن مدخراته البالغة 500 دولار نفدت تقريبا.
وأضاف "المالك قال إن لم أستطع الدفع فسيتعين علي الخروج".
أما فراس عبد الرزاق محمد (33 عاما) فكان عائدا من شرق الموصل إلى بادوش مع زوجته وبناته الأربع الصغيرات. وكان منزله لا يزال قائما وجاءت الأسرة قبل يومين من الموعد المحدد لأن زوجة فراس كانت بحاجة لزيارة الطبيب.
وقال "لا يوجد طبيب ولا صيدلية هناك".
وسار فراس إلياس عباس (31 عاما) على الجسر مع زوجته أسماء (25 عاما). وتضرر منزلهما في حي نابلس واضطرا للانتقال إلى مخيم للاجئين لكنهما أرادا العودة كي يتسنى لأسماء مواصلة الدراسة في جامعة الموصل.
وكانت تدرس الكيمياء عندما سيطر داعش على المدينة.
وقالت "لم تكن هناك جامعة.. لا شيء. فقدت ثلاث سنوات".
وذهبت أسماء إلى الجامعة في شرق الموصل لتتبين الوضع. وبات الحرم الجامعي أطلالا بعد تعرضه للقصف. وكان داعش يستخدمه مقرا له مما جعله هدفا للضربات الجوية للتحالف.
لكن أسماء قالت "أنا متفائلة".