شفق نيوز/ عند مدخل مدينة القامشلي في شمال شرق سوريا، ترتفع الى جانب الطريق لوحة كبيرة كتب عليها "قامشلو ترحب بكم" باللغة الكوردية في مشهد لم تألفه اي منطقة سورية قبل بدء النزاع في البلاد في آذار/مارس 2011.
وتنتشر على الطريق الواصل بين القامشلي وعامودا اللتين تبعدان عن بعضهما اقل من ثلاثين كيلومترا في محافظة الحسكة، عشرات اللوحات الزرقاء الجديدة التي تعرِّف على المناطق والاتجاهات بالكوردية، بينما ترفرف على جانبي الطريق عشرات الصور للزعيم الكوردي عبد الله أوجلان، ورايات وأعلام كوردية.
"حلم يتحقق"، كلمتان اختصر بهما فيان خوزي مشاعره وهو يشير الى الاحرف الكوردية التي بالكاد يعرف قراءتها، بحسب ما نقلت عنه فرانس برس في تقرير اطلعت عليه شفق نيوز.
وقال "ان رؤية اي إشارة أو رمز للأكراد قبل 2011 كانت امرا مستحيلا".
واضاف فيان (33 عاما) الذي يعمل سائق اجرة داخل مناطق الادارة الذاتية الكوردية "أن تكون كورديا كانت تهمة كافية لتعتقل أو تسجن من جانب النظام" قبل الحرب.
وشهدت القامشلي في 2004 احتجاجات واسعة ضد النظام تم قمعها بالقوة، ما تسبب بسقوط قتلى وجرحى واعتقال العشرات. ويشكل الكورد اكثر من عشرة في المئة من سكان سوريا، وعانوا من التهميش على مدى عقود، اذ ان فئة كبيرة منهم محرومة من الجنسية السورية، كما كان يمنع عليهم تعلم لغتهم أو احياء تقاليدهم مثل احتفالات عيد النوروز.
وانسحبت قوات النظام تدريجيا من المناطق ذات الغالبية الكوردية في شمال البلاد مع اتساع رقعة النزاع في 2012، محتفظة بمقار حكومية وادارية وبعض القوات. وتصاعد على الاثر نفوذ الكورد.
وفي 2013، أعلن حزب الاتحاد الديمقراطي ابرز ممثل للكورد في سوريا، اقامة الادارة الذاتية الموقتة في ثلاث مقاطعات: الجزيرة (الحسكة)، وعفرين وكوباني (ريف حلب)، تحت مسمى "روج آفا"، أي غرب كوردستان بالكوردية.
وعن استمرار وجود كلمات بالعربية في الساحات والاماكن العامة، قال فيان "الجميع قادر على التحدّث بالكوردية، لكن قلة قليلة جدا يمكنها كتابة أو قراءة الاحرف الكوردية، لأننا منعنا سابقا من تعلّم اللغة بشكل أكاديمي".
وتابع باسما "لذا لا يمكننا الاستغناء عن اللغة العربية التي نتقنها، ونحن نحبّها أيضا".
وفي شارع رئيسي في وسط مدينة عامودا، يقع مركز "الشهيدة جانيار سرحد" المتخصص بتعليم اللغة الكوردية، وهو اول مركز من نوعه في سوريا، بحسب سردار، أحد العاملين فيه، وقد تلاه فتح حوالى خمسين مركزا مشابها في "مقاطعة الجزيرة".
وقال سردار "أنشأنا المركز بإمكانات قليلة. أردنا الانطلاق بأي ثمن. كان افتتاحه في تموز/يوليو 2011 مخاطرة كبيرة، إذ لم تكن هناك حينها سيطرة لوحدات حماية الشعب"، في اشارة الى القوات المسلحة التي تتولى الدفاع عن مناطق الادارة الذاتية.
واضاف "يضم المركز اربع شُعب، وكل شعبة تستقبل حوالى عشرة طلاب، وهناك دوامان مسائي وصباحي بسبب كثرة الطلب".
وروى مظهر شيخو (45 عاما) الخارج من امتحان في مادة القواعد، انه بدأ قبل ستة اشهر تعلّم اللغة الكوردية رغم ابتعاده عن مقاعد الدراسة منذ أكثر من 25 سنة، مضيفا "أنا متفائل بتعلّم لغتي الأم بطريقة أكاديمية وإكمال جميع الدورات حتى التخرّج. حلم طفولتي صار حقيقة".
أغلب مرتادي الدوام المسائي هم في سنّ أكبر من أولئك الذين يحضرون صباحا، كما بالنسبة للسيدة الخمسينية دلشا حاج يونس التي أنهت واجباتها المنزلية قبل موعد الدرس.
وقالت دلشا "كنّا نتعلّم بعض قواعد اللغة الكوردية بشكل سرّي. أنا هنا اليوم لاتعلّمها بشكل صحيح، ولأعلّمها لأولادي وأحفادي".
ولم يكن المنهج التعليمي الرسمي السوري يضم أي مادة باللغة الكوردية.
وبعد بدء النزاع وبروز حجم المعارضة الضخم في مواجهة النظام السوري، حاولت السلطات استرضاء الكورد، فاعلن الرئيس بشار الاسد منح الجنسية السورية لعشرات الاف الكورد المسجلين في محافظة الحسكة. وفي كانون الثاني/يناير 2014، تم فتح فرع لتعلم الكوردية داخل معهد اللغات التابع لجامعة دمشق.
في سوق عامودا الشعبي، امتلأت واجهات المحال بالملابس الكوردية التقليدية والأعلام الكوردية ورايات وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة.
وقال احمد بوظو (ثلاثيني) ضاحكا، وهو جالس عند باب محله، "في الماضي، كان بيع العلم الكوردي أصعب من بيع المخدرات".
واضاف "لمسنا طلبا كبيرا على الملابس الكوردية في أوائل العام 2012 بعد تراجع سيطرة النظام في المدينة. الآن يمكننا البيع من دون اي قيود والسلع تلقى رواجا كبيرا".
وتعتبر مدينة عامودا ذات الغالبية الكوردية مع اقلية عربية والحدودية مع تركيا، مركز الثقل السياسي والإداري في مقاطعة الجزيرة، إذ تضم المباني "الرسمية" للإدارة الذاتية.
وأنشأ الكورد في عامودا في اواخر العام 2012 "محطة روناهي"، وهي القناة التلفزيونية الفضائية الوحيدة الناطقة بالكوردية في سوريا.
وقالت مديرة التلفزيون زلال بينيسي "يعمل في الفضائية حوالى خمسين موظفا بينهم عرب. ونقدّم على مدى 24 ساعة أكثر من 25 برنامجا سياسيا وثقافيا واجتماعيا باللغتين الكوردية والعربية، ونحاول إيصال صوت الكورد الى العالم".
وقال رودي محمد أمين الذي ارتدى ملابس شعبية كوردية استعدادا لتسجيل برنامجه الأسبوعي حول المشاكل الاجتماعية في مناطق الادارة الذاتية "لا يمكن وصف سعادتي وأنا أتوجه الى العالم بلغتي الأم".
واضاف "تم تهميشنا لوقت طويل. آن الآوان كي نصرخ من دون خوف".