شفق نيوز/ كان الخوف باديا على الفتى عندما أتى به الجنود العراقيون معصوب العينين أمام ضابط المخابرات في أحد المنازل على المشارف الشمالية للموصل.
سأل المقدم عامر الفتلاوي الفتى الواقف أمامه "منذ متى كنت مع داعش؟"
ورد ابن السبعة عشر عاما قائلا "20 يوما سيدي."
بدا الفتى وديعا لكن الفتلاوي مسؤول المخابرات بالفرقة السادسة عشرة بالجيش العراقي يشك في أنه قد يمثل خطرا كامنا بعد انتهاء أيام حكم التنظيم لمساحات واسعة من أراضي البلاد.
وبعد أكثر من عامين من سيطرة المتشددين على الموصل وإعلانهم "الخلافة" استعادت قوات عراقية بدعم من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة النصف الشرقي من المدينة وتستعد الآن للانقضاض على غربها.
وبرغم مقتل آلاف المتشددين منذ بدء الحملة قبل حوالي ثلاثة أشهر من المتوقع أن يستمر وجود التنظيم ويلجأ إلى العمل في الخفاء ويعود إلى استخدام أساليب المتمردين.
هذا يعني أن العدو سيصبح أقل ظهورا أمام القوات العراقية ومن ثم تصبح المعركة ضده خفية بدرجة أكبر.
قال الفتلاوي بينما كان الفتى بعيدا "زرعوه كخلية نائمة. سيكون مخبرا سريا لداعش."
وقال الفتى الذي بدا هزيلا وكان يرتدي الجينز إنه كان ضمن مجموعة من 150 رجلا تجمعوا في مسجد محلي قبل نحو عام ونقلوا إلى معسكر تدريب قريب.
وشملت الأعمال اليومية المعتادة الاستيقاظ فجرا للصلاة ثم تناول الفطور وإجراء تمرينات بدنية وتلقي دروس شرعية والتدرب على استخدام البنادق الكلاشنيكوف.
بعد ثلاثة أسابيع سمح للمجندين بالذهاب إلى بيوتهم في إجازة. وقال الصبي "طلبوا منا العودة لكني لم أفعل. كنت خائفا."
لكن الفتلاوي لم يقتنع. وقال بتشكك "كلهم يقولون إنهم غادروا. "
وأضاف "سوف نستجوبه ونحصل على معلومات. إذا كنت تعرف عدوك فسيسهل عليك اكتشافه."
ومع طرد القوات العراقية للدولة الإسلامية من شرق الموصل فهي تدرك المزيد عن أساليب التنظيم الذي ترك وراءه كما هائلا من الوثائق.
وكان على مكتب الفتلاوي كومة من الوثائق التي جرى العثور عليها بقواعد للتنظيم في شمال الموصل ومنها رسوم توضح كيفية صنع طائرة دون طيار وجوازا سفر روسيان تم تمزيق صفحاتها التي تضم بيانات شخصية. وبدا أن الجوازين لم يستخدما باستثناء ختم واحد وضع عند الدخول إلى تركيا في 2013.
كانت هناك أيضا اتصالات داخلية بين أعضاء كبار في التنظيم وقادة متوسطي الرتبة تشمل تعليمات بعدم استخدام السماعات أثناء الخدمة والابتسام والحديث بلطف مع الرعية من أجل زيادة التعاطف بين الجميع.
"الموت من الخوف"
عولت القوات العراقية على المحليين في الإبلاغ عمن تعاونوا مع تنظيم الدولة الإسلامية عند دخول القوات كل حي جديد لكن الأجهزة الأمنية بدأت في إجراء مزيد من الفحوص المنهجية.
وفي واحد من آخر الأحياء التي تم تطهيرها على الجانب الشرقي من النهر لا تزال اللافتات ترحب بزائري الدولة الإسلامية وهناك جثث ملقاة على الطريق لمتشددين بدا أنهم قتلوا حديثا.
وقال ضابط يدعى عراس "هذا يدعى أبو الحارث" معرفا هوية متشدد لفظ أنفاسه الأخيرة قرب مكب للنفايات على أنه يمني قبل أن يولي وجه بعيدا ويتقيأ.
وفي شارع قريب كان الأطفال يلهون كما لو أن شيئا لم يحدث بينما خرج الرجال من بيوتهم في محاولة للتأقلم مع الواقع الجديد حيث تحرس القوات العراقية الشوارع وليس الدولة الإسلامية.
ولا يزال أحد السكان بلحية طويلة ووضع أطراف سرواله في جوربه انسجاما مع النظام الذي فرضه التنظيم بشأن ما يعتبره الزي الشرعي.
وسأل عراس الرجل غاضبا "لماذا لم تحلق لحيتك؟" وتجاهل قول الرجل إنه مسلم متدين. وقال الضابط "احلقها كلها!" وانحنى جندي آخر وأخرج سروال الرجل من الجورب.
وتوضح فوارغ طلقات الرصاص معالم الطريق الذي طردت القوات العراقية المتشددين عبره وصولا إلى زقاق ضيق صوب نهر دجلة.
ومع تقدم الجيش أجبر المتشددون بعض السكان على مغادرة بيوتهم واستخدموها لنصب دفاعات لم تصمد طويلا وقاموا بإحراقها مع انسحابهم.
وقال أبو مالك "كانوا يموتون من الخوف" واصفا كيف هددته مجموعة صغيرة من المقاتلين بالسلاح للخروج من منزله. وأضاف "كانوا جميعا شبانا صغارا."
وعند مدخل منزل أبو عمر الذي احتله المتشددون أيضا قبل أن يحرقوه لم يجف بعد دم أحد المقاتلين الذي أصيب إصابة قاتلة وتم سحب جثمانه إلى الشارع.
وقال سكان إنهم شاهدوا المتشددين يضعون الجثمان في كيس بلاستيكي أبيض وينقلونه عبر النهر بالقارب.
لقد كانت نهاية يائسة.
وربت الفتلاوي على ظهر الفتى ذي السبعة عشر عاما ليطمئنه وقال "لا تخف". ولم يطرف له جفن.
ولا يزال مصير السجين الشاب مجهولا.