2018-07-05 14:07:00

شفق نيوز/ كما نما تنظيم داعش وتوسّع بسرعة البرق في سوريا والعراق، بدءاً من العام 2014، كذلك كانت حال فروعه، أو ما يُعرف بولاياته، التي توالى ظهورها في أكثر من دولة وعبر أكثر من قارة، وإن تفاوتت في القوة والتأثير.

وإذا كان ما يمكن أن يُطلق عليه "التنظيم الأم" قد أوشك حالياً على لفظ أنفاسه الأخيرة في مكان نشوئه، أي سوريا والعراق، فإن الأنظار لا بد أن تتجه الآن إلى مصير فروع داعش لتحديد مدى تأقلمها مع واقع جديد تبقى فيه حيّة بعد وفاة "التنظيم الأم".

وفي الواقع، يُذكّر هذا الوضع بما مرّ به تنظيم القاعدة من قبل. فقد بقي قادة "التنظيم الأم" مختبئين ومنقطعين عن العالم الخارجي لسنوات في مناطق الحدود الأفغانية - الباكستانية، بينما كانت فروعهم تنشط في مناطق مختلفة مثل "جزيرة العرب" و"المغرب الإسلامي" و"بلاد الرافدين"، وحتى من خلال مناصرين وأفراد يشنون هجمات، لا سيما في الدول الغربية. وكما هو معروف، أدت عزلة "التنظيم الأم" ومقتل زعيم القاعدة أسامة بن لادن (عام 2011) إلى تقليص قدرة خليفته أيمن الظواهري على فرض سلطته على بقية فروع التنظيم، وهو ما تكرّس في الشرخ الكبير الذي قاده لاحقاً أبو بكر البغدادي في صفوف المتشددين في العراق وسوريا.

فهل يتكرر الآن المشهد ذاته ويفقد البغدادي، المحاصر والمعزول، كما يبدو، سطوته على فروع داعش؟ فيما يأتي نظرة إلى بعض الفروع الأساسية لهذا التنظيم، مع تقييم موجز لقدراتها ودرجة التهديد الذي تمثّله:

سيناء

تنتشر في القارة السمراء فروع عدة لداعش، لكن أبرزها بلا شك وأكثرها نشاطاً، فرع "ولاية سيناء" في مصر. لم ينشأ هذا الفرع في نوفمبر (تشرين الثاني) من فراغ، بل قام على أنقاض جماعة أخرى كانت محسوبة على تنظيم القاعدة، وتُطلق على نفسها اسم "أنصار بيت المقدس". وفي واقع الأمر، كانت هذه الجماعة ناشطة في سيناء قبل سنوات من تحولها إلى فرع داعش، ونفّذت العديد من الهجمات الإرهابية، لكن صيتها بلغ أوجه بعدما صارت "ولاية سيناء" وبايعت أبو بكر البغدادي، زعيم داعش، بعدما خلع عن نفسه ثوب الولاء للقاعدة بعد انحياز زعيمها، الظواهري، إلى "جبهة النصرة" السورية في خلافها الشهير مع جماعة "الدولة الإسلامية في العراق".

وفي السنوات التي تلت مبايعة "بيت المقدس" لزعيم "داعش"، البغدادي، سُجّل تصاعد مخيف في حجم العمليات التي تشهدها مناطق سيناء المختلفة، وباتت الكمائن التي تُنصب لقوات الأمن تحصل في شكل متكرر، وكذلك الهجمات بسيارات مفخخة يقودها انتحاريون، ما أسفر عن سقوط مئات الضحايا. ولم تكتف "ولاية سيناء" بهجماتها على ثكنات قوات الأمن وقوافلها في المناطق الصحراوية المعزولة، بل سعت إلى محاولة انتزاع السيطرة على مدن أساسية في سيناء، مثل الشيخ زويد، وفرض نظامها على السكان عبر حملة ترهيب وإعدامات. كما نفّذت "ولاية سيناء" عملية تفجير لطائرة ركاب روسية بعيد إقلاعها من شرم الشيخ في نوفمبر 2015، ما أسفر عن مقتل 224 راكباً، موجهة ضربة شديدة لقطاع السياحة المصرية. كما نفّذ فرع داعش أيضاً مذبحة لا تقل بشاعة في نوفمبر 2017 تمثلت بهجوم دام ضد مسجد الروضة في سيناء، خلال صلاة يوم الجمعة، ما أسفر عن مقتل أكثر من 310 أشخاص، في حادثة أثارت غضباً شعبياً عارماً ضد ممارسات التنظيم.

لكن تصاعد عمليات "ولاية سيناء" لم يبق من دون رد، إذ أطلق الجيش المصري، بمساندة من قوات الأمن المختلفة، حملة واسعة لتطهير شبه الجزيرة من المتشددين، بدءاً من فبراير (شباط) الماضي. وعلى رغم أن العملية ما زالت مستمرة، إلا أن التراجع الكبير في نشاط "دواعش سيناء" في الفترة الماضية يوحي بأن التنظيم مُني فعلاً بخسائر هزّت أركانه وقد يكون يحاول حالياً إعادة تنظيم صفوفه في مناطق معزولة بعمق الصحراء. وجاء غلق الأنفاق التي تربط سيناء بغزة ليزيد إحكام الحصار على "الدواعش" الذين كانوا يتنفسون من "الرئة" الفلسطينية التي ترفدهم بعناصر جديدة كلما ازداد الضغط عليهم في سيناء، أو كلما ازداد ضغط حركة حماس على مناصري "داعش" داخل قطاع غزة.

ولا يعني بالطبع تراجع عمليات "ولاية سيناء" أن هذا الفرع لداعش قد انتهى تماماً، إذ إنه قد ينجح في أي لحظة في تنفيذ هجوم دام جديد، لكن الأكيد، في المقابل، أنه تعرض لضربة قوية، وأن مواصلة قوات الأمن حملتها الحالية قد يؤدي إلى الإجهاز عليه بعدما بات في حالة تشبه الموت السريري.

"داعش ليبيا"

وإذا كانت "ولاية سيناء" هي الفرع الأساسي لـ"داعش" في شمال أفريقيا، فإن فرعاً آخر للتنظيم، هو الفرع الليبي، كان يمكن أن ينافسها لو أتيحت له فرصة تثبيت أقدامه لفترة أطول في أماكن سيطرته. لم ينشأ فرع داعش الليبي على أنقاض جماعة موجودة أصلاً، كحال "ولاية سيناء" مع "أنصار بيت المقدس"، بل نشأ إلى حد كبير نتيجة استقطاب أفراد ليبيين شاركوا في الثورة التي أطاحت نظام العقيد معمر القذافي، عام 2011، ثم أكملوا مشوارهم في سوريا بانضمامهم إلى ثوارها. وكان الأمر طبيعياً، بالتالي، أن بعض الليبيين الذين ذهبوا للقتال في سوريا تأثروا بالانقسام الذي حصل بين النصرة والقاعدة، من جهة، وبين داعش، من جهة أخرى. وفي حين كان تنظيم البغدادي يتمدد بسرعة على حساب قوات الحكومة السورية وأيضاً على حساب النصرة وبقية فصائل المعارضة، بدءاً من العام 2014، كان بعض الليبيين الذين انحازوا إلى داعش في سوريا يعودون أدراجهم إلى بلادهم لتأسيس خلايا للتنظيم وتجنيد مزيد من العناصر. ولم يكتف داعش بذلك، بل عمد إلى إرسال قادة كبار (مثل تركي البنعلي) إلى ليبيا لتأسيس فروع هناك وأخذ مبايعات من جماعات إسلامية ليبية. وفي حين نجح داعش في إقامة موطئ قدم مهم له على الساحل الليبي بالسيطرة على مدينة سرت، المعقل السابق لمناصري القذافي المهزومين، وجعلوا منها بمثابة عاصمة أقاموا فيها محاكم ونفذوا قربها إعدامات جماعية (من بين أبشعها قطع رؤوس مجموعة من الأقباط المصريين أمام عدسات الكاميرا)، إلا أن محاولتهم تكرار التجربة ذاتها في مدينة درنة، شرق البلاد، لم تكن ناجحة. فقد اصطدموا هناك بمجموعة أخرى من الإسلاميين الذين رفض بعضهم فك ارتباطهم بالقاعدة والالتحاق بداعش. وعلى رغم الفشل في اختراق درنة، المدينة التي أمدت أبو مصعب الزرقاوي في العراق بمئات المقاتلين والانتحاريين في العقد الماضي، إلا أن داعش استطاع، في المقابل، إقامة مواقع له في أكثر من منطقة ليبية، وأعلن قيام ثلاث "ولايات" تحاكي التقسيم التاريخي للبلاد: ولاية برقة (الشرق)، ولاية فزان (الجنوب) وولاية طرابلس. وفي حين أن داعش نشط فعلاً في بعض مناطق الشرق (شارك مثلاً في معارك بنغازي ضد قوات المشير خليفة حفتر)، إلا أن نشاطه في الجنوب (فزان) كان شبه معدوم. أما في غرب ليبيا، فقد حاول داعش توسيع نطاق عمله خارج سرت، وأنشأ قاعدة كبيرة له قرب مدينة صبراتة، غرب طرابلس، حيث التحق بها عشرات التونسيين الذين كانوا يتدفقون للتدرب في ليبيا قبل العودة إلى بلادهم لشن حرب ضد حكومتهم. لكن نشاط "الدواعش التونسيين" في ليبيا، كما نشاط "الدواعش الليبيين" أنفسهم، لم يكن بعيداً عن أعين أجهزة الأمن الغربية التي كانت تنظر بقلق إلى تنامي نشاطهم واستغلالهم الفوضى في ليبيا للتدرب على السلاح والتخطيط لعمليات إرهابية، كما حصل على الأقل في هجومين دمويين داخل تونس، متحف باردو وهجوم سوسة، اللذين تبيّن أن المتورطين فيهما مرتبطون بمعسكرات "داعش" في ليبيا.

ولم يتأخر الرد على تنامي داعش في "الجماهيرية" السابقة، فقد نفذت طائرات أميركية، في فبراير 2016، ضربة تسببت في مقتل عشرات في "معسكر دواعش تونس" قرب صبراتة الليبية. وحاول هؤلاء الرد بإطلاق هجوم واسع على مدينة بن قردان بهدف السيطرة عليها وإعلان إمارة، لكن محاولتهم فشلت بعد مقاومة ضارية أبدتها قوات الأمن.

لكن القضاء على تهديد داعش في ليبيا كان يحتاج بالتأكيد إلى حل لقضية "عاصمته" هناك، وهكذا انخرطت الولايات المتحدة وبريطانيا، تحديداً، في عملية عسكرية قامت بها قوات ليبية محلية لطرد داعش من سرت. واستمرت عملية تحرير المدينة شهوراً طويلة قُتل خلالها مئات المقاتلين، وتضمنت شن غارات تركت المدينة أنقاضاً. ومع سقوط سرت، حاول "الدواعش" تجميع فلولهم في صحرائها الجنوبية، وقرب مدينة بني وليد جنوب طرابلس، لكن الطائرات الأميركية لاحقتهم وشنت أكثر من ضربة على مواقع اختبائهم. ويوحي استمرار الغارات بأن تهديد داعش لم ينته كلياً في ليبيا. لكن الأكيد أيضاً أن التنظيم لم يعد بالقوة نفسها التي كانها قبل عامين، وأنه على رغم تمكنه من شن هجمات وتفجيرات ونصب حواجز في الصحراء، إلا أنه فشل في المحافظة على قاعدة دائمة له في ليبيا، كما فشل عناصره التونسيون في تحقيق موطئ قدم ثابت لهم على الأراضي التونسية (وإن كانوا قادرين على توجيه ضربات متفرقة).

وفي الجزائر المجاورة لم يتمكن "الدواعش" المحليون من تحقيق خرق مهم في ساحة المتشددين الإسلاميين الممثلين بفرع "القاعدة" المغاربي. فعلى رغم أن هذه الجماعة الأخيرة تعاني منذ سنوات من توقف شبه كامل في نشاطها نتيجة الضربات التي توجهها قوات الأمن الجزائرية، إلا أن "داعش" حاول، كما يبدو، استثمار هذا الوضع لصالحه من خلال استقطاب مجموعات تابعة لـ"القاعدة" إلى صفوفه، كما فعل مع جماعات أخرى مالت إلى صفه بعد إعلان البغدادي قيام "دولة" مزعومة كاملة الأركان في سوريا والعراق. لكن البغدادي لم يستطع في الجزائر سوى استقطاب جماعة صغيرة من داخل "القاعدة" تُعرف بـ"جند الخلافة" التي خرجت في سبتمبر (أيلول) 2014 بإعلان مبايعة داعش مدشنة ولاءها بقطع رأس رهينة فرنسي. وسارعت قوات الأمن الجزائرية إلى إطلاق حملة نجحت خلالها في الوصول إلى مخابئ "جند الخلافة" وقتل زعيمها، منهية وجودها بالكامل. ولا يُعرف حالياً أن هناك وجوداً لداعش في الجزائر باستثناء بعض العمليات المتفرقة التي تحصل على فترات زمنية متباعدة في شرق البلاد ويعلن داعش عن تبنيه لها. لكن لا يُعتقد أن داعش، ولا القاعدة، يشكلان حالياً أي تهديد لنظام الحكم في الجزائر.

أما في المغرب، فلم يُسجّل حتى اليوم تنفيذ داعش لهجمات إرهابية، لكن أجهزة الأمن أعلنت عن توقيف عشرات بتهمة إنشاء خلايا بايعت التنظيم أو تأثرت بأفكاره.

وإذا كان هذا وضع داعش في المغرب العربي، فإن توسع التنظيم في قلب القارة الأفريقية لم يكن سلساً. ففي دول الساحل، فشل داعش في تحقيق اختراق مهم في مناطق نشاط فرع القاعدة في الصحراء، مثل مالي والنيجر وبوركينا فاسو، لكنه تمكن في المقابل من تحقيق خرق داخل نيجيريا. ففي مارس (آذار) 2015 أعلن زعيم "بوكو حرام" أبو بكر شيخو (شيكاو) مبايعة البغدادي الذي رد بقبولها، موسعاً بذلك نشاط داعش في واحدة من أهم الدول الأفريقية. لكن العلاقة بين الطرفين سرعان ما تدهورت. ففي أغسطس (آب) 2016 أعلن داعش تعيين أبو مصعب البرناوي زعيماً جديداً لفرعه في نيجيريا الذي نشأ على أنقاض "بوكو حرام" تحت مسمى "ولاية غرب أفريقيا"، وهو ما أثار حفيظة شيكاو الذي هاجم البرناوي ووصفه بأنه كافر، فرد أنصار الأخير بدورهم بهجوم مماثل على شيكاو. وينشط شيكاو حالياً بوصفه زعيم "بوكو حرام"، ما يعني أنه لا يتبع فرع داعش المحلي.

أما في الصومال، فقد سُجّل نشاط أيضاً لمناصري داعش الذين أعلنوا في أكثر من مرة شن هجمات وتنفيذ اغتيالات ضد مسؤولي الحكومة الصومالية. لكن نشاط "الدواعش" يظل نقطة في بحر ما يقوم به فرع القاعدة هناك ممثلاً بـ"حركة الشباب".

ولـ"داعش" فروع رسمية أيضاً في أكثر من دولة حول العالم، وأبرزها بلا شك فرعه في أفغانستان (ولاية خرسان) وأيضاً فرعه في الفلبين الذي سيطر لشهور على مدينة مراوي في جنوب البلاد، وأقام فيها مقراً لقيادته قبل أن يُطرد منها في معركة دامية ومدمرة.

المقاتلون الأجانب

يُضاف إلى كل فروع داعش الرسمية حول العالم عنصر قوة لا يُستهان به بتاتاً على رغم عدم وجود رابط فعلي مباشر، وهو ما يتمثل بمؤيدي التنظيم في أوروبا على وجه الخصوص. فقد التحق ما لا يقل عن خمسة آلاف أوروبي من بين قرابة 40 ألف مقاتل أجنبي بـ"داعش" أيام ذروة نفوذه في العراق وسوريا، في الأعوام 2014 و2015 و2016، لكن مع غلق الحدود المؤدية إلى مناطق سيطرة داعش، بدأ عشرات، وربما مئات، من الراغبين في الالتحاق بالتنظيم في العودة أدراجهم إلى بلدانهم الأصلية عاقدي العزم على تنفيذ هجمات إرهابية فيها. وبالإضافة إلى هؤلاء، كان هناك خليط من مناصري التنظيم المتأثرين بآيديولوجيته يحاولون تنفيذ تعليماته بخصوص شن هجمات بأي سلاح يمكن امتلاكه ولو كان سكين مطبخ. وشهدت أوروبا بالفعل عشرات الهجمات الإرهابية التي قام بها مناصرون لـ"داعش" من دون أن يكونوا أعضاء فيه، في حين حصلت عمليتان بتخطيط مباشر من قيادة داعش في الرقة، وذلك في باريس نوفمبر 2015 وفي بروكسل مارس 2016. وفي مقابل "الدواعش" المحليين الذين يرتبطون فقط ارتباطاً آيديولوجياً بأفكار التنظيم، لم تُسجل حتى اليوم عودة جماعية للمقاتلين الأوروبيين الفارين من سوريا والعراق، من دون أن يعني ذلك أن بعضهم ربما يكون قد نجح في التسلل وينتظر فرصة سانحة لشن هجمات في أوروبا.