بدر اسماعيل شيروكي/ الكورد كغيرهم من شعوب العالم اختاروا السير على الطريق الرئيس لعصر مليء بالمعلومات، واحدى صفات هذا العصر هو الوصول السريع للاخبار والمعلومات بشتى انواعها، والتي يمكن لكل فرد ضمن المجتمع الانساني، الحصول عليها بكل يسر من كل زوايا ومجاهل هذا العالم.
واهمية هذه العملية في هذه المرحلة الزمنية، لاتكمن في تيسر المعلومة للجميع؛ بل من الجانب الستراتيجي يعود الى مقدار مايستطيع القادة السياسيون، عن طريق الوصول السهل لتلك المعلومات، لفت انظار وتركيز العالم لخدمة مصلحة البلاد والشعب والامة، وهذا يحسب كقوة ناعمة وجوهر للدبلوماسية ومهارة قادة اي بلد.
ومع بداية القرن الواحد والعشرين، فان السياسة الدبلوماسية، بدلا من الدبلوماسية السياسية كاجراء سياسي يقرها المجتمع الدولي، ليس فقط من اجل تنظيم العلاقات والسياسة الدولية، بل كعلاج للخلاص ومسألة التحرر للشعوب المقهورة، اصبحت موضع اهتمام الرأي العام والسياسة الدولية بدلا من الحركة الثورية المسلحة، وبرز ميل يرحب بالمفاوضات والحوار كبديل عن النضال الثوري.
وفي كوردستان ايضا فان صدى هذا الطرح والتغيير السياسي والدبلوماسي والثقافي العالمي، تم سماعه بوضوح شديد وكان له تأثيره، ولكن بنوع من الابداع الخاص والمختلف. وهو ان نيجيرفان بارزاني بعد ان توليه منصب رئيس الوزراء، اعتبارا من التشكيلة الاولى لحكومة اقليم كوردستان، كان مختلفا في اداء مهامه ودوره الرسمي رئيسا للوزراء، في دولة ذات سيادة سياسية، واجهت تحديات مرحلة المنصب الثوري وهدف الخلاص القومي ايضا، مع المحافظة على التوازن الاداري والسياسي لكيان الاقليم الدستوري والدفاع عن حقوقه الدستورية، في اطار الدولة العراقية، وكيف ان الشعب الكوردي في هذا الجزء من كوردستان يبقى سائرا على خط التحرر والاستقلال، لكي لاتتقاطع المهام الدستورية مع الاهداف القومية ولا يصطدما.
في ادارة كوردستان في اوضاع كهذه، لا النظريات السائدة ولا الثوريات العادية ولا القوانين الدولية ولا الدستور الاساسي العراقي يمتلك حلا عمليا، لكي يفتح طريقا للخطوات بشكل طبيعي، لذلك يحتاج هذا الوضع المتأزم الى ابداع سياسي جديد وفن ادارة الازمات غير المسبوقة، لايجاد نافذة لاجتياز المصاعب الدستورية والامنية المحلية والاقليمية.
انها حقيقة غير قابلة للانكار، انه منذ بداية تشكيل حكومة اقليم كوردستان، كانت معرقلات السياسة والقانون في الدولة العراقية، ضيقت بشكل كبيرعلى دائرة السلطة والحركة الدبلوماسية والسياسية الكوردية، لذلك بنى نيجيرفان بارزاني سياسة الدبلوماسية الكوردية بشكل عام في اربعة محاور، بشكل يثير اقل قدر ممكن من الحساسية بحيث لم يلامس امن الدولة العراقية ولم يكن ملغوما بشكل كامل.
كيف تم حل المسائل؟
هل ساعده ارث الفكر والبيولوجيا البارزانية؟
ان طرق الوصول الى الله في الفلسفة العرفانية واللاهوتية البارزانية، طرق متعددة، فهل ان نيجيرفان بارزاني حقق ابداعا سياسيا من ذلك المنطلق الذي يعده (نيجيرفان بارزاني) محسوبا على هذا النهج من الناحيتين الاخلاقية والنظرة الى العالم، وفقا لذلك الفكر والفلسفة العرفانية البارزانية، وقام بتحويل هذا الاعتقاد الى نظرية، بحيث مادام الطريق الى الله متعددا، فهل من الممكن ان تكون طرق استقلال امة ما متنوعة ايضا؟ وهل كما نرى من ذلك المنطلق، طبق نيجيرفان بارزاني صيغة جديدة لموائمة الاهداف؟
المحور الأول: الدبلوماسية السياسية
عندما ننظر الى التطورات المتنوعة، خلال فترة التشكيلات الوزارية او بشكل ادق التي حصلت خلال فترة حكم نيجيرفان بارزاني، في مجال الدبلوماسية الكوردية حري بنا القول انه للمرة الاولى في التاريخ المعاصر للكورد، يتمكن سياسي كوردي ان يقود ادارة كوردية وسط الاحداث المتداخلة في عصر العولمة والانفاق المتعرجة للقانون الدولي والمطالب المتعددة لمجتمع مابعد الحداثة ويحفظ توازن التسامح السياسي للشارع المتعدد الاحزاب في كوردستان ويجتاز الاليات الخانقة والحساسة لسايكس بيكو، والمرحلة التاريخية للرؤية المنفردة والايديولوجيا والحصار العالمي ويقود المصالح الكوردستانية في خضمها.
ان الدبلوماسية السياسية لنيجيرفان بارزاني، كانت انفتاحا براجماتيكيا (عمليا) و متوازنا على جميع بلدان المنطقة والعالم، وكانت ملاحظته وشرطه الوحيد للعلاقات والانفتاح هي المصالح المشتركة والاحترام المتبادل، مثلما ادار الامور بالابتعاد النأي بالنفس ، عن الدخول في الصراعات في المنطقة بتصرف ذي رؤية بعيدة، والالتزام والعودة الى اولويات تاريخ ما قبل مرحلة وجود ادارة حكومية خاصة للكورد.
في هذا المجال ادى مهامه رئيسا للوزراء وظهر بمستوى ومكانة رجل دولة مثلما تمكن ان يرفع من هيبة ومكانة حكومة اقليم كوردستان لمكانة وقوة تفوق مستوى المنطقة وارفع من حدود العراق العربي وتستحق الاهتمام والالتفات اليها لحد رفعها لمستوى لاعب دولي.
المحور الثاني: الدبلوماسية الثقافية
ان اكثر خطوات تعريف الاقليم بساطة، هي عن طريق دعوة الوفود الثقافية لدول العالم، وخصوصا البدء مع دول الجوار، واشترك في تلك الوفود عدد كبير من الفنانين والكتاب والصحفيين و..، حيث كان رئيس الوزراء يقوم باستقبالهم بنفسه، ويتم تقديم التسهيلات لهم جميعا، بحيث يقومون بتفقد جميع المؤسسات والدور الثقافية والسياحية والتاريخية في الاقليم ويرون بشكل ميداني كل التقدم والتغييرات وملامح التسامح الديني والسياسي والاجتماعي الذي جاءت به الديمقراطية جديدة البنيان في كوردستان. وهذا ما حقق انعكاسا للسياسة والدبلوماسية الثقافية والانفتاح الثقافي في المنطقة وتم نشره في بلدان الجوار عبر عشرات المقالات والافلام والوثائقيات والكتابات المتنوعة، وهذا ما اصبح سببا للفت انظار التجار واصحاب الاعمال واصحاب رؤوس الاموال في الدول المحيطة بكوردستان.
المحور الثالث: دبلوماسية الاعلام
بملاحظة تأثيرات الاعلام في عالم اليوم، اولى رئيس الوزراء نيجيرفان بارزاني اهمية لتأسيس ودعم المراكز والمؤسسات الاعلامية الصوتية والصورية والمطبوعة والمنشورة الاهتمام كاولى الاولويات، وكانت النتيجة ان سارت كوردستان على خط الثقافة والتقدم الفكري بشكل ملحوظ. ومن نتائج هذا الاهتمام السماح بصدور القنوات التلفازية والاذاعية والمجلات والصحف والمؤسسات الثقافية والمراكزالطباعية والبث الكبير جدا، وفي فترة قياسية اصبحت كوردستان من ناحية الكم تسبق الكثير من دول المنطقة.
وهذه السياسة الستراتيجية في ميدان الاعلام اوصل صوت وصورة الكورد الى العالم مباشرة عن طريق امواج الهواء، وفي هذا الميدان لم يسبق العراق فحسب، بل اصبح مصدرا للاخبار لجميع انحاء العالم، وهذا سبب رئيس لعدم تمكن العراق من لجم القضية الكوردية وفقا للسياسات والاجراءات الامنية التي يتبعها، ولا ان يفلترها كعهده ويطوعها في اطار الرقابة السياسية والامنية العسكرية للحكومة المركزية ويقوم بتوجيهها وربطها وسجنها حسبما يريد.
سياسة دبلوماسية الاعلام التي اتبعها نيجيرفان بارزاني وتلك الاوساط الاعلامية القوية التي تم بناءها، وخصوصا بعد الاستفتاء على استقلال كوردستان، ومن بعده ماجرت من احداث السادس عشر من تشرين الاول، كان لها دور حاسم في تهشيم وتفكيك الحصار الاخباري والهجمة الجماعية لاعلام محتلي كوردستان وايصال حقيقة الاحداث ورسالة السلام الكوردية، للرأي العام العالمي والعالم الحر، مثلما ابقى طريق الدبلوماسية الكوردية مشرعا بكل مهارة.
المحور الرابع: الدبلوماسية الاقتصادية
الدبلوماسية الاقتصادية التي تمثل التجارة والطاقة واحدة من ركائزها القوية، من اكثر المكتسبات قيمة والتي يتوجب الاشارة الى انه نقل الكورد الى داخل السياسة وتوازن الطاقة ووضع خطواته على سكة الاقتصاد العالمي والاقليمي.
لم تقترب مصالح الدول الكبرى على مستوى المنطقة والعالم من مصالح الكورد بهذا المستوى في اي عهد من العهود، ولم تصبح كوردستان كاقتصاد يوما من الايام جزءا من الاخبار اليومية ومطلب الدول والشركات متعددة الجنسيات. ويجدر الاشارة الى النقطة التي تؤكد ان عاملا اخر من العوامل التي منعت من ان تكبل كوردستان بحلقات سلسلة الحصار الاقتصادي بعد السادس عشر من تشرين الاول، هي السياسة الستراتيجية البناءة للمصالح المشتركة نفسها التي تمت صياغة اسسها على يدي نيجيرفان بارزاني عن طريق قطاع الطاقة.
اضافة الى هذا كله، كانت الملامسة والاصلاح في مجموعة من الاعراف التقاليد القبلية في المجتمع الكوردستاني، وخصوصا في مسألة حقوق المرأة وحريات "الجيندر"، التي كانت لغاية هذه الفترة التاريخية من الامور التي كانت مترسخة ولايمكن المساس بها، وكانت هذه قفزة قياسية ساهمت في ازدهار شهرة واسعة لكوردستان في عالم الانسانية والديمقراطية.
وكان ايلاء الاهتمام بحرية الرأي والبيئة وحرية الفرد وحرية الفكر وخلق فرص التساوي في العمل والتجارة و.. كلها عناوين اخرى مليئة بالتقدير من قبل المجتمع الدولي، في عهد رئاسة نيجيرفان بارزاني لحكومة اقليم كوردستان الذي وان لم يتمكن من جعله جمهورية كوردستان؛ الا انه استطاع ان يضم مصطلح "العراق الاخر" الى القاموس السياسي العالمي.