شفق نيوز/ يعاني العراق من "عسكرة" المجتمع وهي ظاهرة ليست حديثة عليه، وعمرها عشرات السنين، وتتداخل فيها عوامل عديدة، لكنها وصلت الان الى مرحلة مخيفة بسبب تفلت السلاح واصطدام العشائر ببعضها، مثلما يحصل مثلا في البصرة، وذلك على حساب حياة الآمنين وعلى حساب هيبة الدولة ومصداقيتها.
ولا توجد إحصاءات رسمية حول ظاهرة انتشار السلاح في العراق، ما بين الفردي والمتوسط والثقيل، لكن التقديرات غير الرسمية تتحدث عن نحو 30 قطعة سلاح لكل مائة مواطن. والعراق من بين الدول الأكثر انتشارا فيه لظاهرة السلاح بين مواطنيه الى جانب دول اخرى مثل اليمن وسوريا وليبيا والصومال. وعلى سبيل المثال، تقول التقديرات الحكومية ان العشائر العراقية تمتلك وحدها نحو سبعة ملايين قطعة سلاح.
كما أنه لا تقديرات رسمية لعدد ضحايا السلاح المتفلت في العراق، لكن المؤكد أنه في مرحلة ما بعد العام 2003، هناك آلاف الضحايا من كل فئات المجتمع العراقي سقطو قتلى وجرحى بسبب هذه الظاهرة القاتلة.
وتفاقم هذه الظاهرة لا يعكس قوة النزعة العشائرية وحدها في العراق، ذلك ان عوامل عديدة ساهمت في تضخيمها على مر السنوات. ويروى من التاريخ العراقي الحديث ان زعماء العراق كانوا يوزعون المسدسات والبنادق كهدايا على وجهاء العشائر وشخصيات مختلفة من المجتمع لكسب ولاءاتها ورضاهم.
وكان عبدالكريم قاسم يمارس هذا التقليد الذي يفترض أنه ينم عن الاحترام والرغبة في تمتين العلاقة، واستمرت في عهد من خلفه في الحكم وصولا الى صدام حسين.
لكن تفلت السلاح اتخذ منحى أكبر بعد الغزو الأميركي وانهيار المنظمة العسكرية للنظام والاستيلاء على مخازن ومستودعات السلاح، بالإضافة إلى تدفق السلاح من الخارج في اطار التهريب والصفقات التي كان يبرمها تجار وسماسرة وزعماء أحزاب وقوى مسلحة.
وكما يبدو فانه كلما كان الوضع الامني يشهد توترا، كان الحرص على اقتناء سلاح يزداد. ولهذا، فانه في ذروة القتل الطائفي الذي عاشه العراق في السنوات الاولى من الغزو، ازدهرت سوق السلاح بشكل علني وكبير. وفي نفس السياق، فإنه عندما غزت عصابات داعش العراق، كان من الطبيعي ان يقبل العراقيون على شراء ما يمكنهم من اسلحة فردية.
لكن الأمر يذهب أبعد من ذلك. لم تتم في السنوات الماضية أي محاولات تذكر من جانب الدولة العراقية، لجمع السلاح او منع انتشاره بهذا الشكل المخيف. لدرجة أن العديد من مظاهر حمل السلاح، لم تعد مرتبطة بالعادات والتقاليد والوجاهة، وإنما بانتشار مجموعات المسلحين سواء المرتبطة بالحشد الشعبي او غيرها والتي صار مصير سلاحها يرتبط بتعقيدات داخلية واقليمية أمنية وسياسية.
والان تتحدث المعلومات عن انتشار كثيف للسلاح على انواعه بين ابناء العشائر في منطقة البصرة، والحديث هنا يدور عن بنادق ومسدسات وصولا الى مدافع الهاون والقذائف المضادة للدروع وصواريخ الكاتيوشا.
ولا توجد خطة حكومية واضحة حتى الآن لضبط السلاح المنفلت، غير ان رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي تحدث في الأسابيع الماضية اكثر من مرة عن سيادة سلاح الدولة على ما عداه. كما ان خيار اصطدام القوات الامنية بابناء العشائر لانتزاعه عنوة، قد يخلق شلالات من الدماء خصوصا اذا لم تكن هناك خطة وطنية شاملة للملمة السلاح وتشجيع الناس على التعاون ومنحهم في المقابل الثقة بقدرة الدولة على حمايتهم، وبالتالي انتفاء الحاجة الى اقتناء أسلحة في المنازل.
صحيح ان ظواهر السلاح في البصرة مرتبطة أيضا بعصابات محلية ومجموعات ابتزاز ضد الشركات واصحاب المشاريع، الا ظاهرة أسلحة العشائر والقبائل في البصرة تضخمت لدرجة انها صارت تخوض اشتباكات مسلحة فيما بينها، يدوم بعضها لعدة ساعات، ويسقط فيها ضحايا من كل الاطراف، احيانا لاسباب مرتبطة بنزاع على ملكية أرض او عادات الثأر او المشاكل الاجتماعية الاخرى.
وتعلن الاجهزة الامنية في محافظة البصرة بين الحين والآخر عن ضبط أسلحة ثقيلة ومتوسطة ويتبين انها تستخدم في النزاعات العشائرية في البصرة.
ويقول قائم مقام قضاء الهارثة الواقع شمال محافظة البصرة نذير الشاوي لوكالة شفق نيوز ان هناك نزاعات عشائرية تعجز قيادة العمليات عن حلها وان النزاعات العشائرية في مركز المحافظة ايضا خارجة عن سيطرة القوات الامنية التابعة للعمليات التي لديها ألوية مدرعة غير قادرة على حل النزاعات.
وقال الشاوي "لو كانت الدولة اليوم جادة في ايقاف تلك النزاعات لأوقفتها في غضون 24 ساعة، لكنها غير جادة بسبب التهاون والتحجج بعدم وجود الامكانيات والرأفة بالمواطنين".
وتابع "نطمئن الحكومة العراقية ان زعماء بعض العشائر المتنازعة يرغبون في حل النزاعات العشائرية التي تحصل في مختلف المناطق مع التأكيد على حلها من قبل الجهات الحكومية".
واشار الى ان بقاء تلك النزاعات سيتسبب بإيقاف الكثير من المشاريع المهمة في البصرة والتي قد لا يستمر الانجاز فيها وهنالك مشاكل وابتزاز لبعض الشركات، واستمرار النزاعات يعني عدم الاستقرار في العراق وفي شمال البصرة ومن ضمنها قضاء الهارثة.
وطالب "رئيس برلمان عشائر العراق في المنطقة الجنوبية"- غير رسمية- عقيل الحلفي عبر حديثه لوكالة شفق نيوز رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بالاستماع الى مطالب المكتب التي تتعلق بالاسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة والتي تمتلكها بعض العشائر.
واشار الحلفي الى انه سبق ان طرح على الحكومة المحلية عدة مقترحات تتعلق بالحد من انتشار الاسلحة الثقيلة التي تمتلكها بعض العشائر في المحافظة، داعيا الى اتخاذ اجراء صارم وفرض قانون حاد ضد تلك النزاعات المتكررة.
واوضح ان المقترحات المطروحة والمراد تقديمها الى رئيس الوزراء والحكومة المحلية في البصرة وقيادتي العمليات والشرطة، تتضمن حصر السلاح الثقيل بيد الدولة والقوات الامنية وطرح فكرة بيع السلاح الثقيل للقوات الامنية للحد من تكرار تلك النزاعات.
وبعدما اشار الى ان الحكومة تكون عاجزة في بعض الأحيان عن إيقاف النزاعات التي تتكرر في بعض المناطق، دعا الى اتخاذ قرار قطعي وحاد ضد تلك النزاعات التي قد يكون ضحيتها المواطن الذي لا ذنب له في اي نزاع عشائري في مختلف مناطق البصرة.
وتحدث الحلفي عن وجود عشائر بصرية كثيرة متعاونة وبعضها يرفض ان تكون هناك اسلحة ثقلة لدى بعض العشائر. واقترح ان تقدم بعض العشائر تعهدا اقتناء أفراد العشيرة اي اسلحة ثقيلة.
ومن جهته، قال مدير ناحية سفوان طالب الحصونة لوكالة شفق نيوز ان كل مناطق العراق فيها نزاعات عشائرية لكن النزاعات قد انخفضت في الفترة الاخيرة بعض صدور القضاء العراقي قرار باعتبار (الدكة) العشائرية هي من الجرائم الارهابية وهذا تسبب بالتخفيف من النزاعات العشائرية.
واعتبر الحصونة ان انشغال الأجهزة الامنية في تطبيق حظر التجوال الصحي اثر ايضا على عدم تحرك القوات الامنية في حل النزاعات العشائرية التي تتكرر بين وقت وآخر في البصرة وخصوصا في شمال المحافظة، مؤكدا انه في حال تطبيق القرارات القضائية ستنتهي تلك النزاعات المسلحة في البصرة تدريجيا، لافتا الى وجود تضخيم إعلامي تجاه هذه النزاعات.