شفق نيوز/ ما زالت الأسئلة تثار حول سجى الدليمي، المعتقلة التي أفرج عنها للمرة الثانية في صفقة تبادل بين «جبهة النصرة» والحكومة اللبنانية، وفي بحر المعلومات المزيفة التي تملأ فضاء الإعلام حول تنظيم داعش ومنها ما هو من مصادر حكومية، فإن الوصول لحقيقة مؤكدة عن قصة سجى الدليمي قد لا يكون متيسرا في ظل صمت الإعلام الرسمي للتنظيم الذي اعتاد تجاهل الكثير من القضايا المثارة حوله.
وما زاد من تعقيد الأمر، عند الجمهور، هو ظهور تصريحين متلفزين متناقضين مؤخرا لسجى الدليمي حول حقيقة ارتباطها السابق بزعيم تنظيم داعش، فخلال وجودها في السيارة التي أقلتها للإفراج عنها خاطبت الكاميرا على الهواء مباشرة قائلة إنها تطلقت من البغدادي منذ سبع سنين، وبعدها بثوان قالت في رد على سؤال حول أنها طليقة البغدادي «مش مزبوط هالحكي».
إجابتان متناقضتان خلال دقائق، وفي الحالتين كانت مرتبكة مترددة وغير مقنعة، وهو ما حدث معها عند مثولها أمام المحكمة اللبنانية في تموز/يوليو الماضي، في جلسة علنية حضرها الصحافيون، حيث نفت بداية أنها طليقة البغدادي، وقالت إنها تزوجت في سوريا رجلا يدعى هشام محمد لمدة شهر ثم تطلقا، ثم عادت لتقول إنها بالفعل كانت متزوجة من الرجل الذي يظهر على التلفاز، ولكن لم يكن اسمه أبو بكر البغدادي.
ولا يمكن الاعتداد بأقوال سيدة تقول الجملة وعكسها تماما خلال دقائق، الملفت أن صحافيين من وكالة أنباء عالمية التقوا الدليمي قبل أيام قليلة في معتقلها، قالوا إنها أكدت زواجها من البغدادي، لكن إجابتها كانت في السياق نفسه الذي تشير فيه إلى عدم معرفتها بهويته الحقيقية.
ولكن الصحافيين الذين التقوها وتحدثوا بشكل خاص لصحيفة القدس العربي أجمعوا على أمر هام، هو أن الصورة المنشورة لسجى الدليمي، والتي تتداولها وسائل الإعلام، ليست هي صورتها الحقيقية. وأن التي ظهرت في لقاءات متلفزة لحظة إطلاقها هي سجى الدليمي الحقيقية التي التقوها في معتقلها بموافقة وإشراف الأمن اللبناني، لكنها ليست هي صاحبة الصورة المنشورة.
كما نقل عنها أنها اختلفت مع زوجها العراقي الذي تزوجته في سوريا أواخر عام 2006، قبل أن يطلقها.
وتشير مصادر أمنية لبنانية ان رسالة وجدت بحوزتها مرسلة من شخص يدعى «أبو هاجر»، وموجهة لها باسمها «أم هاجر»، من دون الكشف عن تفاصيل الرسالة، وهي ما تقول مصادر لبنانية مطلعة على سير التحقيق معها إنها رسالة في إطار جهود لشخصيات مقربة من تنظيم داعش لاستعادة الطفلة هاجر .
بعض التقارير الإخبارية كانت تنشر روايات تخلط فيها بين الدليمي وزوجة أخرى لمتشدد في «النصرة»، فإضافة إلى نشر الصورة الخاطئة فإن خلطا وقع بين سجى الدليمي وآلاء العقيلي زوجة أنس شركس، المعروف بـ»أبو علي الشيشاني»، والتي اعتقلت إثر مداهمة إحدى المدارس الرسمية في حيلان ـ قضاء زغرتا شمال لبنان.
وتبدو المعلومات المتداولة حول أزواج سجى الدليمي تتطابق مع ما قالته للمحامين والصحافيين الذين التقوها، فالحديث هنا انها أم لأربعة أطفال: التوأم أسامة وعمر من زوجها الأوّل فلاح إسماعيل الجاسم (قيادي في جيش الراشدين بمحافظة الأنبار قبل مقتله في العام 2010)، والرضيع من زوج أخير فلسطيني يدعى كمال محمد خلف، وطبعا الفتاة هاجر ذات السبع سنوات .
وهاجر لعلها الدليل الوحيد الذي يؤكد زواجها السابق من البغدادي، بحسب الحكومة اللبنانية التي أعلنت من جهتها ما يدعم روايتها، بأن قامت بتحليل الحمض النووي لبنتها ذات السبع سنوات هاجر، وطبعا تم الحصول على الحمض النووي للبغدادي من خلال الأمريكيين الذين اعتقلوه سابقا في بوكا في العراق، وتشير النتائج إلى انها كانت مطابقة.
هنا يبرز تصريح حكومي آخر يناقض إعلان الأمن اللبناني، وهو تصريح من الداخلية العراقية يقول إن سجى الدليمي المعتقلة في لبنان لم تتزوج سابقا البغدادي، وإن زوجاته المسجلات في الوثائق العراقية هما أسماء وإسراء القبيسي. وهي المعلومات نفسها التي أرسلتها السلطات العراقية للسلطات السورية التي اعتقلت سجى قبل سنوات، ولكنها أفرجت عنها اعتمادا على معلومات السلطات العراقية التي تنفي وجود زوجة للبغدادي باسم سجى في السجلات الرسمية العراقية كما أشرنا، وحتى عندما اعتقلت سجى في المرة الأولى بلبنان كانت تحمل هوية سورية باسم “ملك عبدالله”.
وأخيرا، وفي هذا الاستعراض للمعلومات المتداولة والمتناقضة حينا عن سجى الدليمي، فإنها تنتمي لعائلة متشددة، فوالدها وأشقاؤها منتمون لـ “جبهة النصرة” و”الدولة الإسلامية”، وسبق ان ظهرت فتاة يعتقد انها شقيقتها، تدعى دعاء الدليمي، حاولت تفجير نفسها في أربيل عام 2008، وكثيرا ما نشر ان شقيقها قيادي في “النصرة”، رغم انه لا يعلم عن وجود شخص عراقي من عائلة الدليمي في المستوى القيادي في “النصرة”، إلا إذا كان عنصرا عاديا كان منضويا مع “النصرة” في بداياتها في سوريا، وقيل إنه كان قياديا في الكتيبة الخضراء، وهي نفسها عادت وقالت في لقائها المتلفز لحظة إطلاقها ان شقيقها “كان في النصرة” وقت حادثة معلولا، أما حاليا فقد قالت إن علاقتها بـ”النصرة” تتلخص بزوجها المنتمي لـ”النصرة”، في إشارة إلى عدم تواجد شقيقها حاليا في “النصرة”.
لتقديم إجابات تفك الإرباك وتفسر المعلومات المتناقضة والمتشابكة فإنه لا بد من العودة لمصادر مقربة من تنظيم داعش، والذي لم يصدر حتى الآن أي توضيح بخصوص هذه القضية المثارة ولا يبدو انه سيصدر، حتى أن معظم المصادر المقربة من التنظيم رفضت التعليق على قضية سجى الدليمي.
إلا أن لقاءات مع متشددين عراقيين سابقين قد تعطي إضاءات مهمة على هذه القضية، خاصة وأنهم يعرفون عائلة البغدادي التي عرف عنها تدينها في سامراء، إذ كانت تسمى عائلة “المومني” نسبة الى المؤمنين.
ونقلت الصحيفة عن احد المتشددين قوله إن البغدادي تزوج من سيدتين في العراق، وهما من عائلة الكبيسي (وليس القبيسي كما نشرت الداخلية العراقية خطأ) كما ان الداخلية العراقية اعتمدت على الزوجات الموثقات في العراق فقط بينما سجى كانت في سوريا.
أحد المتشددين العراقيين المنتمين لعائلة الكبيسي، قال إنه في إحدى الجلسات التفاوضية بين فصيل عراقي إسلامي وتنظيم “قاعدة الحهاد” كان البغدادي حاضرا، ومازحه هذا المتشدد محاولا التلطف معه بأنه من “أنسبائه” نسبة للكبيسيين.
فإذا كانت الزوجات الأصيلات المعروفات للبغدادي هما من عائلة الكبيسي، فمن تكون سجى؟ مقربون من عائلة سجى الدليمي يقولون إن البغدادي خلال وجوده في دمشق بحي السيدة زينب، نهاية عام 2006، تزوج سجى الدليمي كزوجة ثالثة لشهرين فقط، ثم طلقها بعد خلافات نشبت بينهما، وسرعان ما عاد البغدادي للعراق تاركا طليقته، بعد ان استعرت حملة الملاحقات الأمنية على العراقيين المتشددين، بعد تشكيل خلية أمنية تابعة للنظام اعتقلت الكثير من المتشددين العراقيين، ومنهم صديق البغدادي وزميله في الدراسة محارب الجبوري، وأطلقت سراحه من دون التعرف على هويته، وهو الذي كان المسؤول الإعلامي لـ”الدولة الإسلامية” في العراق قبل مقتله.
وهكذا فإن عدم اهتمام تنظيم داعش بقضية سجى الدليمي نابع من كونها لم تعرف أصلا بالوسط الاجتماعي المحلي كزوجة لزعيم التنظيم، كما هو حال زوجته الكبيسية.