شفق نيوز/ بدأت القصة المروعة عندما أصدر تنظيم القاعدة قائمة بأربعين صحفيا منتصف العام 2013 أي قبل دخول تنظيم داعش الى الموصل بعام وأكثر، ثم أخذ التنظيم ينفذ تهديداته الواحد تلو الآخر، ويقتل الصحفيين والصحفيات دون رحمة سواء عن طريق القتل المباشر في الشارع، أو الخطف، ثم القتل والتنكيل الذي تحول بعد السيطرة الكاملة على المدينة الى قتل عن طريق محاكمات صورية يقيمها قضاة شرعيون كما يسمونهم يحكمون على الصحفي بالإعدام بعد تجهيز مجموعة من قصص الاتهام والإفتراءات، وجرى هذا مع ناشطين مدنين ومحامين ومثقفين وأشخاص يرتبطون بالمعدومين.
وكان إعدام الصحفية إخلاص الساعاتي ووالدها جنوب الموصل رميا بالرصاص يوم السبت 5 سبتمبر من العام 2015 والتهمة الجاهزة هي العمل ضد تنظيم الدولة، ونقل معلومات الى الخارج دليلا على الوحشية الكاملة.
الصحفي فلاح الحسني من قومية الشبك التي تقيم في نواحي من الموصل كان واحدا من مجموعة صحفيين استهدفوا بقسوة، حيث قتل منهم العديد، ونجا آخرون بصعوبة ومنهم الزميل الشبكي الذي أنقذه الله ليروي مأساة العيش في ظل الإسلاميين المتطرفين، ثم الهروب من جحيمهم سيرا على الأقدام.
وروى شقيقه محمد للمرصد العراقي للحريات الصحفية حادثة الاعتداء على فلاح في مطلع نوفمبر من العام 2013 عندما كان عائدا من عمله، حيث أمطره مسلحون بالرصاص حين كان يقود سيارته في حي المجموعة الثقافية ما أدى الى إصابته بسبع رصاصات اخترقت ثلاث منها منطقة البطن، بينما استقرت أربع أخرى في كليتيه، ونقل حينها الى مستشفى الجمهورية، ثم مستشفى الحمداني وأجريت له عدة عمليات ساهمت في إنقاذ حياته، وبقي في فترة نقاهة طويلة الى أن دخل عناصر التنظيم الى الموصل، وكان الشبكي يعيش في ناحية برطلة التابعة لقضاء الحمدانية.
ترقب الشبكي أوضاع الموصل والمدن والقرى المحيطة بها، وعرف انه سيكون ضحية محتملة لأسباب عديدة. فبالإضافة الى عمله الصحفي فهو واحد من المواطنين الشبك المستهدفين الى جانب المسيحيين والكورد والكورد الأيزيديين والتركمان.
يروي الشبكي بعضا من تفاصيل قصة موت وحياة وأمل بغد مختلف، لكنه يستعيد شريط الذكريات في ناحية برطلة التي يعيش فيها عراقيون من مذاهب وقوميات مختلفة استهدفهم المسلحون المتشددون بطرق وحشية، ويضيف، إنه بقي في بيته لتلقي العلاج بعد مغادرة المستشفى، وزاد خوفه بعد سيطرة داعش على الموصل، وظل كغيره من أهل الناحية ينتظرون مأساة ما قادمة وهم يسمعون أخبار وحشية داعش وشذوذه الفكري والنفسي وأعداد القتلى والهاربين من الجحيم، ولأربعة أشهر كاملة كان وأطفاله ومقربون منه محاصرون يبحثون عن طريق للخلاص حتى حانت الفرصة، وبدأت الجموع تزحف نحو أربيل مشيا على الأقدام، أطفال ونساء وشيوخ ورجال خائفون يسرون لساعات طويلة بحثا عن النجاة والهدف النهائي هو عاصمة إقليم كوردستان التي ظهر فيما بعد إنها مجرد محطة أولى ليعرف كل أناس مشربهم.
فتوجه الكورد الى أقارب لهم وأهل، بينما قرر الشيعة الذهاب الى مدن الوسط والجنوب، بعد ذلك نجحت القافلة بالوصول الى كلار وهي مدينة في الشرق الكوردي، ثم الرحلة الشاقة بعد التنقل من مكان الى آخر، وباستخدام طرق مختلفة الى بغداد حيث يستقر ويعمل، ويبحث عن علاج لحالته الصحية المتدهورة، فجسده يحتمل أربع رصاصات، ونفسه تتحرق شوقا الى الموصل، بينما ذاكرته تحتفظ بصور البيت الذي أبلغ عبر الهاتف إنه تم حرقه من قبل عناصر داعش.
كان فلاح الشبكي واحدا من عشرات الصحفيين الذين أستهدفهم تنظيم داعش بالقتل، وكان محظوظا للغاية إنه نجا، وتمكن من نقل زوجته وأطفاله الى بغداد ليستقروا هناك، فعديد من هولاء الصحفيين لا يعرف لهم مصير، ومنهم من فر الى أوربا، والى دول جوار، أو تحول الى مناطق أكثر أمنا في بقية العراق.