شفق نيوز/ يعود صخب الحياة إلى شرق الموصل. ففي الأسابيع القليلة التي تلت نجاح القوات العراقية في طرد متشددي تنظيم الدولة الإسلامية من هذا الجانب من المدينة فتحت الأسواق أبوابها وبدأت الجرافات تزيل حطاما خلفته المعركة.
وظهرت أكشاك في الشوارع بين المباني المنهارة تعرض الفاكهة والخضروات للبيع وقام الباعة بتشغيل تسجيلات دعاية لبيع شرائح وهواتف محمولة بعد أن كان التنظيم المتشدد يعاقب مستخدميها بالقتل.
لكن بدت في كل مكان آثار ألم تجرعته المدينة وضرر مادي ونفسي لا يمكن تداركه بالموصل التي ظلت معقل الدولة الإسلامية في العراق نحو ثلاث سنوات.
وأغلقت أجزاء من طرق بسبب أضرار أحدثتها تفجيرات أو لأنها تؤدي لجسور على نهر دجلة إلى غرب الموصل حيث لا يزال القتال مستعرا. ويقول سكان إنه لا يوجد خط رئيسي للكهرباء ولا الماء فيما يجلس العمال وقد خيم عليهم الحزن على جانب الطريق أملا في العمل أو طلبا للمال.
ويعتزم هجوم تدعمه الولايات المتحدة وبدأ قبل ستة أشهر طرد التنظيم من المدينة وإنهاء سيطرته على أراض بالعراق. واستعادت القوات العراقية السيطرة على شرق الموصل في أواخر يناير كانون الثاني وبدأت في الهجوم على الغرب الشهر الماضي. ويتزايد عدد القتلى المدنيين ويستفحل الدمار المادي.
ويشير الوضع المزري في شرق الموصل إلى أنه بمجرد انتهاء حكم المتشددين فإن تعافي المدينة سيكون بطيئا في أحسن الظروف.
وقال محمد عبد الله وهو عامل يبلغ من العمر 50 عاما كان واقفا مع آخرين خارج سوق "دمرت الحرب كل شيء.
"نبحث عن عمل يوميا لكن لا شيء... ربما مرة في الأسبوع ونكسب حوالي 10 آلاف دينار (8.50 دولار). لا توجد مساعدة حكومية. لم يتبق لي سوى جنسيتي."
ويتعلق الكثير من الأعمال اليدوية التي تديرها بلدية المدينة بإزالة الحطام والركام من الشوارع.
ووضع سكان من شرق وغرب الموصل حطاما في مكب يسحبه جرار خارج مقام النبي يونس وهو موقع مهم للمسلمين والمسيحيين واليهود ونسفته الدولة الإسلامية في 2014.
وقال وضاح (30 عاما) طالبا عدم ذكر اسم عائلته لأنه لا يزال هناك أقارب له في مناطق خاضعة لسيطرة التنظيم المتشدد "العمل نادر للغاية لكننا سعداء بأننا نقوم به وتحررنا من داعش."
وبعد أن نزح وضاح و14 من أقاربه نتيجة للقتال في غرب الموصل فإنهم يعيشون جميعا في منزل أحد أبناء عمومته.
وقال "إنه مكدس ولا كهرباء ولا ماء."
وتشير تقديرات الحكومة إلى أن القتال تسبب في نزوح ما يصل إلى 355 ألف شخص منذ بدء عملية الموصل في أكتوبر تشرين الأول. ولم يتضح عدد القتلى المدنيين الذين سقطوا لكن بعض التقديرات أشارت إلى أنه يصل إلى 3500 قتيل.
وألحق القتال أضرارا أيضا بالبنية الأساسية بما في ذلك الكهرباء.
وفي السوق استخدم بعض أصحاب المتاجر مولدات كهرباء لإضاءة المحلات وقالوا إن العمل يستعيد نشاطه بشكل ما.
* ندوب مادية ونفسية
وعرض بائع ثيابا قال إنه لم يكن يسمح له ببيعها في ظل سيطرة الدولة الإسلامية مثل السراويل الطويلة إذ كان التنظيم لا يسمح سوى ببيع سراويل لا تتجاوز الكعبين بموجب تفسيره المتشدد للشريعة الإسلامية.
وقال مؤيد وهو صائغ مجوهرات ذهبية يبلغ من العمر 54 عاما إن العمل عاد لطبيعته بنسبة 40 بالمئة.
وأضاف "يمكن أن ترى الحياة تعود للسوق الآن لكن المشكلة هي البنية الأساسية والأمن.
"لا تزال هناك قذائف مورتر تطلق عبر النهر من قبل داعش وتسقط في شرق الموصل. سقطت اليوم قذيفة على مبنى مدرسة وقتل طفل."
والضرر المادي واضح ولا يزال السكان يواجهون خطر امتداد القتال.
لكن الندوب النفسية هي الأعمق تأثيرا بالنسبة للبعض.
وأعدم متشددو الدولة الإسلامية والدة لؤي جاسم الذي أصبح الآن يبلغ من العمر 21 عاما لكونها نائبة بالبرلمان.
وقال بينما كان يقف مع أصدقائه أمام كشك "أعدموا الكثير من السياسيين وأفراد الشرطة ومن يعملون لدى الحكومة."
وأضاف أن المتشددين أطلقوا النار على والدته ابتسام جابر في الرأس أمام شقيقته الصغرى التي كانت تبلغ من العمر ستة أعوام آنذاك.
وقال الشبان إنهم رأوا أيضا متشددي الدولة الإسلامية يقتلون طفلا من ذوي الإعاقة.
ويريد من هم ما زالوا صغارا في السن العودة إلى الدراسة بعدما حرموا من التعليم لأكثر من عامين.
لكن آخرين قالوا إنهم يحتاجون أكثر إلى المال.
ووقف شاب على مشارف المدينة وتابع شركة خاصة تقوم بنزع الألغام من منطقة يعتقد أن الدولة الإسلامية قامت بتفخيخها قبل أن تنسحب.
وقال "من المسؤول هنا؟ أنا بحاجة إلى عمل."
جون ديفيسون