شفق نيوز/ قال دبلوماسي في القنصلية العراقية في إسطنبول إن العشرات من العراقيين ينتقلون شهرياً للإقامة في تركيا بعد شراء عقارات فيها.
واوضح بحسب صحيفة "العربي الجديد" أن "هجرة العراقيين نحو تركيا اختيارية، وغالباً ما يقصدها العراقيون لشراء العقارات والحصول على الجنسية. وبحسب القانون التركي، يحصل على الجنسية التركية كل من يشتري عقاراً بقيمة 250 ألف دولار، أو يضع وديعة بقيمة 500 ألف دولار لمدة ثلاث سنوات، وهذا ما يبحث عنه المهاجرون من العراق".
ويُبيّن أن الإحصائيات التركية التي تصدر بشكل نصف سنوي تشير الى أن العراقيين تصدروا قائمة مشتري العقارات للعام الثالث على التوالي. ويعزو الأمر إلى ضعف ثقة أو تضاؤل آمال العراقيين باستقرار بلادهم، وبحثهم عن مستقبل آمن لأطفالهم حتى لو كان على حساب بيع منازلهم ومدخراتهم لتأمين مبلغ 250 ألف دولار لشراء عقار والحصول على الجنسية، بعدما باتت دول أوروبية أكثر تشدداً بطلبات اللجوء عقب تحرير المدن العراقية من سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
أبو علي، الذي يعيش في بغداد، أقدم على بيع كل ما يملك في العراق لشراء عقار في تركيا، لافتاً إلى أن "حلم الاستقرار قادني إلى هذه الخطوة"،
ويقول إن "أسباباً عدة أجبرتني على بيع كل ما أملك في العراق للإقامة في تركيا، منها فقدان الاستقرار في بلدنا الذي يخرج من أزمة ويدخل في أخرى، ما جعلني أبحث عن استقرار في أي بقعة أرض أخرى، ومهما كلّفني ذلك".
ويضيف: "اخترت تركيا دون غيرها بسبب رخص الأسعار فيها وسهولة العيش والتسهيلات المتعلقة بتملّك عقار والحصول على الجنسية، فضلاً عن قربها من العراق. إذ يمكنني بسهولة السفر إلى العراق والتواصل مع أقاربي وإخوتي الذين لم يستطيعوا الهجرة". ويوضح: "تقدمنا بطلبات للحصول على الجنسية التركية"، مضيفاً أن "الإجراءات تسير وفقاً للقانون، وننتظر إتمام المعاملة قريباً".
يرفض أبو علي التحدّث عن العراق بشكل سلبي، "فلا يوجد بلد مثل العراق. لكن الطبقة السياسية الحاكمة أفقدت البلد كل مقوماته، ودفعت بنا إلى الهرب بحثاً عن مكان نشعر فيه بالأمان والاستقرار"، مشدداً على أن "وجهتنا نحو تركيا لم تكن بإرادتنا، بل كانت رغماً عنّا بعدما فقدنا الأمان والاستقرار".
وتتنوّع قصص المهاجرين العراقيين إلى تركيا، وتختلف دوافعها من شخص إلى آخر، وإن كان معظم الأشخاص يبحثون عن الأمن والاستقرار. إلا أنّ قصة أم عبد الله ترتبط ارتباطاً وثيقاً بظروف سياسية، وتؤكّد أنّ "قرار الانتقال إلى تركيا وترك العراق كان مثل خروج الروح من الجسد. لم أفكر يوماً في ترك بلادي، لكن خطف ابني الكبير على يد المليشيات قبل عامين، والعثور على جثته بعد فترة، جعلني أسعى للحفاظ على شقيقيه الآخرين".
وتقول ام عبد الله "ننتمي إلى الطبقة المتوسطة. أنا موظفة وزوجي موظف، ولا نملك سوى منزل صغير ومجوهرات أجبرنا على بيعها لجمع مبلغ الـ250 ألف دولار، وقررنا شراء عقار في تركيا والحصول على الجنسية التركية". تضيف: "ليس سهلاً أن تترك وطنك وتبحث عن وطن جديد. الكثير من أقاربنا أقدموا على هذه الخطوة خوفاً من المجهول في العراق. اشترينا والعديد من الأقارب عقارات قريبة من بعضها البعض في تركيا".
ارتفاع نسبة الهجرة إلى تركيا تسبب بهبوط أسعار سوق العقارات بشكل واضح في العراق، كما يؤكد أصحاب مكاتب بيع العقارات، الذين يعمل بعضهم أيضاً على تسهيلات للحصول على عقارات في تركيا. ويكشف أصحاب شركات النقل الجوي والبري في العراق عن ارتفاع نسبة المهاجرين، خصوصاً من فئة الشباب، إلى تركيا أخيراً بشكل غير مسبوق نظراً للتسهيلات التي تقدمها أنقرة للمهاجرين العراقيين مقارنة بدول الجوار الأخرى ورخص أسعار السكن.
ويقول رافد الجابري، وهو صاحب شركة للسفر والسياحة في بغداد، إن "طلبات الحجز إلى تركيا تزايدت بشكل واضح، ولاحظنا أن الكثير من الأسر العراقية تهاجر إلى تركيا بسبب تردي الأوضاع الأمنية والمعيشية في العراق، لكن النسبة الأكبر من المهاجرين هي من فئة الشباب".
ويوضح الجابري أن "غالبية المهاجرين يبحثون عن الأمان وفرص العمل، خصوصاً الشباب. لذلك، نجد أن معظم المهاجرين هم من فئة الشباب الذين تراوح أعمارهم ما بين 20 و40 عاماً في ظل تفشي البطالة في العراق، فضلاً عن تردي الأوضاع الأمنية".
ويقول الشباب المهاجرون إنّ العراق لم يعد آمناً في ظل انتشار المليشيات المسلحة وتصاعد عمليات اغتيال الصحافيين والناشطين والمدنيين وغياب الاستقرار السياسي في البلاد. يوضح مهند حازم (29 عاماً)، وهو من سكان بغداد: "المواطن العراقي يفضل الهجرة إلى تركيا لأنها الدولة المجاورة الوحيدة التي تقبل المهاجرين العراقيين وتمنحهم الإقامة السنوية فضلاً عن تسهيلات أخرى كالدراسة والعلاج. لذلك، نحن كشباب عراقيين نجد في تركيا مكاناً آمناً لنا".
ويرى حازم أن "هناك بعض العوائق التي تواجه المهاجرين في تركيا، أهمها اللغة وفرص العمل. لكن هناك معاهد مجانية خاصة في معظم المدن التركية تسمح للمهاجرين بتعلّم اللغة التركية. لكن يبقى الحصول على فرصة عمل مهمة أخرى على المهاجر بذل جهد كبير للحصول عليها".
وتعد الجالية العراقية في تركيا الأكبر بعد الجالية السورية. وشهد البلدان موجات هجرة غير مسبوقة إثر تردي الأوضاع الأمنية في سورية والعراق. ويقول المقيمون العراقيون في تركيا إنهم يحظون بفرصة لتعليم أبنائهم في المدارس التركية فضلاً عن الحصول على العلاج والتنقل بين المدن والمحافظات المختلفة من دون قيود، وشراء العقارات بسهولة، والحصول على هوية إقامة خاصة.
ويوضح زهير حمدان (47 عاماً)، أن "ما جعل تركيا وجهة للعراقيين هي التسهيلات التي تقدمها الحكومة التركية، أولها فرصة الحصول على الإقامة والتعليم لمختلف المراحل الدراسية، والتنقل بحرية في كافة أنحاء تركيا من دون قيود أو شروط مقارنة بدول الجوار العراقي الأخرى".
ويضيف "تعدّ تركيا معبراً إلى أوروبا، ويحلم الكثير من الشباب العراقيين المهاجرين بالوصول إليها للتخلّص من الاضطهاد والظلم الذي يتعرضون له في بلدهم". ويقول صاحب أحد المكاتب العقارية في بغداد لـ"العربي الجديد": "هناك هجرة كبيرة نحو تركيا. غالبية الدور والعقارات التي تعرض لدينا للبيع قرر أصحابها شراء عقارات بديلة في تركيا، لما تتمتع به من مميزات وظروف معيشية غير مكلفة قياساً بالبلدان الأخرى".
يضيف: "أثّر ذلك على سوق العقارات في البلاد، إذ إن العرض زاد عن حجم الطلب، ما تسبب بركود وهبوط بأسعار العقارات. لكن على الرغم من ذلك، يُصرّ المواطنون على البيع حتى بأسعار أقل من السعر الذي يستحقه عقارهم، رغبة منهم في الحصول على الجنسية التركية".
ويشير إلى أن "البيع لم يتوقف على فئة دون أخرى أو محافظة دون أخرى، باستثناء محافظات إقليم كردستان التي لا تشهد أي هجرة". ويشير إلى أن "الكثير من مكاتب العقارات في المحافظات العراقية أصبحوا اليوم يوفرون عقارات تركية أيضاً لزبائنهم، إذ إنهم وبحكم علاقاتهم وأقاربهم في تركيا، يعملون على توفير العقارات وعرضها وعرض صورها على الزبائن الذين يبيعون منازلهم في العراق".
وبحسب آخر إحصائيات لهيئة الإحصاء التركية، فإن العراقيين احتلوا المرتبة الأولى بشراء العقارات التركية، حيث اشتروا 6 آلاف و699 وحدة سكنية خلال الأشهر الـ11 الماضية.