شفق نيوز/ في البداية كان المشهد يبدو وأنه مفعم بالحيوية أثناء عطلة نهاية الاسبوع في مدينة بغداد، حيث الأضواء الساطعة بالمقاهي المنتشرة في الهواء الطلق وصوت الموسيقى الصادر من سيارات مزينة بالكثير من الشرائط في حفل زفاف، وفي كشك عصير علي حسين المزين بالموز البلاستيكي، يتم عصر البرتقال بمكابس نحاسية قديمة.
حسين الذي قدّم لي عصيرا طازجا حاد المذاق، إلا أنه حتى حينما فعل ذلك كان يبدو عليه الحزن. وعند سؤاله عن الموضوع الذي يدور في ذهن الجميع هنا، المتمثل بطوفان المهاجرين إلى أوروبا، ضحك حسين وقال كنا للتو نتحدث عن هذا!"، وقد مر به قبل قليل العديد من أصدقائه ليقولوا له وداعا.
لقد سمعوا أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ترحب بالعراقيين. وأفاد حسين أن "كل واحد منهم قال سأسافر، سأسافر، سأسافر"، الكل يريد ان يهرّب إلى أوروبا، بحسب تقرير لراديو "أن بي آر" الامريكي.
تظهر المحادثات في العاصمة العراقية، بين الأغنياء والفقراء ووكلاء السفر وسائقي سيارات الأجرة والمتظاهرين في احتجاجات يوم الجمعة أن المدينة متحفزة من جراء الأخبار القادمة من أوروبا. العنف والعجز هنا ليسا بالأمرين الجديدين، إلا أن هناك تصور الآن عن فرصة لبديل وأن الكثير من الناس يقومون بانتهازها.
ويشكل العراقيون الفارون بالفعل جزءاً مهما من المهاجرين المتدفقين إلى أوروبا. وتقول منظمة الهجرة الدولية إن ما يقرب من خمسة أضعاف أعداد العراقيين، أي نحو 5000 شخص وصلوا بصورة غير شرعية إلى اليونان خلال شهر تموز من هذا العام، مما كان عليه في مجمل سنة 2014.
لكن المزاج العام في بغداد يوحي أن العدد في تزايد مستمر، ويبدو أن الجميع يعرفون أصدقاء عديدين وأقارب غادروا فجأة هذا الصيف.
يقول مهدي سلمان، وهو أحد وكلاء السفر، إن عدد الرحلات اليومية إلى تركيا وكذلك كلفة تذاكر السفر قد تضاعفت ثلاث مرات، فالناس يبيعون سياراتهم واثاثهم وملابسهم لتغطية كلفة ركوب الطائرة، إلى جانب أجرة المهربين. إنه لعمل تجاري رائع، لكنه يعتقد أن الأمر فظيع بالنسبة للعراق.
ويضيف قائلاً "أريدهم أن يبقوا، وأنا عادة أخبرهم بأن لا يغادروا"، ولكن من دون جدوى: "لقد وصل الناس إلى درجة لا يستطيعون فيها التحمل لأكثر من ذلك".
لدى العراقيين الكثير من الأمور التي تجعلهم يهربون، فالناس يشيرون إلى أعمال العنف منذ ان سيطر تنظيم داعش على جزء من البلاد، وهناك أشكال مختلفة من القتال تودي بحياة المئات منهم كل شهر، بحسب الأمم المتحدة.
وقد حطمت الاسعار المنخفضة للنفط ايضا الاقتصاد، وإن واحدة من أكثر الحكومات فسادا في العالم تقوم بتوفير القليل فيما يتعلق بالخدمات.
وفي خط سيارت الأجرة بالمطار، يقوم أحمد عبد الله، وهو شخص طويل القامة مجعد الشعر، بتوديع أصدقائه المتجهين إلى اسطنبول، فيما يفكر هو بالانضمام إليهم في أوروبا في غضون أسبوعين، إذا ما نجحوا في الوصول إليها بأمان.
الحافز في ذلك ببساطة أنه رآى الكثير من الناس يقومون بهذه الرحلة مؤخراً، ويعتقدون أن أوروبا ترحب بهم الآن أكثر من ذي قبل، وأن الوضع في العراق، بطبيعة الحال، لا يسير نحو أن يكون أسهل.
وقال أحمد غاضباً "لا يوجد أمن هنا، هناك تفجيرات"، وفرص ضئيلة في الحصول على وظيفة أفضل من قيادة سيارة أجرة لبضعة أيام في الأسبوع.
لا شيء يتحسن في سوريا كذلك، حيث جاء منها الغالبية العظمى من الوافدين الجدد إلى أوروبا، بحسب ربيع البنا، وهو سوري يعيش في لبنان ويعمل في جمعية تقدم المساعدة للسوريين.
ويقول البنا إن "الناس يأتون من سوريا، هربا من الخطر كالقتال والبراميل المتفجرة والصواريخ".
وأضاف أن "الصواريخ والبراميل المتفجرة ما زالت تتساقط على المناطق المدنية في أنحاء سوريا، حيث تتسبب الحرب بقتل الآلاف كل شهر. ويقول البنا أنه في حال تحول الصيف إلى خريف ويصبح الجو عاصفا، فإن القليل من الناس سوف يحاولون عبور البحر، ولكن سوف يكون المزيد منهم في الربيع.
ما يزال مئات الآلاف الواصلين إلى أوروبا يشكلون نسبة مئوية صغيرة من ملايين اللاجئين القابعين في تركيا ولبنان والأردن، على الرغم من أن معظمهم فقراء جدا للقيام بالرحلة. ويقول البنا إنهم بقايا الطبقة المتوسطة التي تستطيع فقط تدبير أجور المهربين، مبينا أنه لا يرى نهاية لهذه الهجرة.
ترجمة أحمد عبد الأمير