شفق نيوز/ على القلعة التاريخية لكركوك، يرفرف علمان عراقيان ضخمان شاهدان على "انقلاب الآية" في المدينة. في المحافظة المتعددة الإتنيات، تبدو حملة الكورد الى الانتخابات التشريعية خجولة، وسط بحر صور المرشحين العرب والتركمان.
في أيلول/سبتمبر الماضي، كانت الاحتفالات تعم شوارع "قدس كوردستان" التي سيطر عليها الكورد تدريجيا، فرحا بالاستفتاء على استقلال إقليم كوردستان. لكن الاحتفال كان قصير الأمد، وانتهى يوم أرسلت بغداد، بعد شهر من الاستفتاء، قواتها لاستعادة السيطرة على المحافظة والمناطق المتنازع عليها مع أربيل.
اليوم، غيّر الأمل معسكره، ويكثّف العرب والتركمان المناهضون للاستفتاء حملاتهم واجتماعاتهم لإظهار ارتباطهم بالسلطة المركزية.
في حي رحيماوه حيث كان صندوق الاقتراع الذي استقبل العدد الأكبر من المقترعين في الاستفتاء الكوردي، تنتشر صور وشعارات المرشحين العرب والتركمان بشكل كثيف، فيما تبدو تلك التابعة للكورد قليلة جدا.
ويفضل معظم المارة هناك عدم الإجابة عن أسئلة تتمحور حول الانتخابات. بينما يقول فريدون رحيم، العامل الكوردي ذو السنوات الأربعين، "لقد صوتت بنعم في الاستفتاء، لكن اليوم يجب أن نعيش سويا، كورد وعرب وتركمان، لذا سأصوت أيضا"، من دون أن يسمي الجهة التي سيقترع لها.
-"ثأر"-
بعد نحو أسبوع، سيكون رحيم بين 940 ألف ناخب في محافظة كركوك سيعطون أصواتهم ل291 مرشحا موزعين على 31 لائحة. وسيسعى هؤلاء المرشحون، و80 في المئة منهم وجوه جديدة، لنيل 13 مقعدا، أحدها للأقلية المسيحية.
في انتخابات العام 2014، حصل الاتحاد الوطني الكوردستاني، أحد الحزبين الكورديين التاريخيين، على ستة مقاعد في مقابل مقعدين لمنافسه، الحزب الديموقراطي الكوردستاني الذي أسسه مهندس الاستفتاء مسعود بارزاني. حينها، حصل العرب والتركمان على مقعدين لكل منهما.
لكن اليوم، وبعد فرض الحكومة المركزية سلطتها في المحافظة، يتفق الجميع على أن الأمور ستتغير.
وأعلن الحزب الديموقراطي الكوردستاني مقاطعة الانتخابات في كركوك، معتبرا أنها الآن "أراض محتلة".
ويعتبر العديد من الكورد أن سيطرتهم على كركوك لم تكن إلا إعادة للأمور إلى نصابها بعدما طردهم منها صدام حسين في الثمانينيات واستقدم عربا من مناطق أخرى ليسكنوا فيها.
وسيشارك الاتحاد الوطني الكوردستاني من جهته في الانتخابات، رغم أن منافسيه الكورد يتهمونه بـ"الخيانة" حين وافق على دخول القوات الفدرالية إلى المحافظة في تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
لكن النائب المنتهية ولايته ريبوار طه مصطفى الذي يرئس لائحة الاتحاد الوطني الكوردستاني في كركوك ينفي هذا الاتهام، ويردد شعاره الانتخابي وفيه "بقائي في كركوك في الأوقات الصعبة دليل على وفائي للمدينة".
ويقول مصطفى "ما يحصل في كركوك اليوم هو ثأر من البعض"، في إشارة إلى العرب والتركمان.
ويضيف "تفاجأنا بما حصل في 16 تشرين الأول/أكتوبر. كركوك الآن تدار من مكوّن واحد. هناك فرض لسياسة الأمر الواقع العسكري وغياب للمكوّن الكردي. كركوك عراقية نعم، ولكن بهوية كوردستانية".
ويتابع غامزا من قناة الحزب الديموقراطي الكوردستاني "الاستفتاء أدى إلى انقلاب الآية. خلط السياسي بالعسكري. لكن هذه الحالة العسكريتارية مؤقتة جدا، وسنفوز بقوة في الانتخابات".
-"كركوك عراقية"-
لكن في شوارع المدينة، تغيرت الصورة بوضوح. فقد حلّت قوات الأمن الفدرالية مكان القوات الكوردية، واختفى العلم الكوردي الأخضر والأبيض والأحمر الذي تتوسطه شمس. وحلت مكانه الأعلام العراقية والتركمانية الزرقاء التي يتوسطها هلال ونجمة، معلقة على حبال في كل الشوارع، إلى جانب صور المرشحين التركمان والعرب.
داخل مكتب المحافظ الجديد ركان سعيد الجبوري، العربي الذي خلف الصقر الكوردي نجم الدين كريم، أزيلت صورة جلال طالباني، مؤسس الاتحاد الوطني الكوردستاني ورئيس الجمهورية السابق، واستبدلت بصورة فؤاد معصوم الكوردي أيضا، ولكن رئيس الجمهورية الحالي.
ويقول النائب والمرشح التركماني حسن توران إن هناك "ارتياحا كبيرا" لعودة السلطة الفدرالية.
ويضيف أن "الانتخابات المقبلة ستظهر الحجم الحقيقي للمكونات. كنا نحذر الكورد قبل الاستفتاء من أن الفاتورة ستكون قاسية جدا، ومن يتوقع أن تعود الأمور إلى ما كانت عليه حالِم وواهم".
ويشاطره الرأي الشيخ عامر الجبوري، المرشح مع "ائتلاف النصر" الذي يتزعمه رئيس الوزراء حيدر العبادي.
ويقول الجبوري "كركوك عراقية. من أراد أن يأتي إليها فأهلا وسهلا، ومن لا يعجبه الوضع، فليذهب إلى مكان آخر".
افب