شفق نيوز/ الاستفتاء على مستقبل إقليم كوردستان العراق بات الشغل الشاغل للصالونات السياسية في الإقليم وعموم البلاد، خاصة مع التعقيدات الأمنية التي أثرت بشكل أو بآخر على وضع فكرة "تقرير مصير" الإقليم قيد التنفيذ.
وتورد شفق نيوز موقف كتاب وباحثين عراقيين عرب يتابعون عن كثب تطورات هذه القضية، وذلك نقلا عن "موقع الحرة".
سؤال مستلزمات الأمة
يقول الباحث العراقي ومؤلف عدد من الكتب في علم الاجتماع والسياسة الدكتور فالح عبد الجبار: "تربيت على مبدأ تقرير المصير وبالتأكيد للكورد هذا الحق في بناء دولتهم".
لكن عبد الجبار يطرح سؤالا حول توفر "مستلزمات شروط بناء الأمة"، موضحا أنه لا يقصد كوردستان العراق فقط "بل الكوردستانات الأربعة جميعها"، في إشارة إلى أن كوردستان تنقسم جغرافيا بين أربعة دول هي تركيا وسورية وإيران والعراق.
ويضيف "أن القيادات الكوردية وبلا استثناء لا تتجه إلى بناء المؤسسات التي تبني الأمة"، مشككا في إمكانية بناء الأمة بحضور برلمان "معطل ومقسم" و"شروخات ثقافية" وقضايا أخرى كثيرة، في إشارة إلى الوضع في إقليم كوردستان العراق.
وتعطل برلمان كوردستان بعد منع السلطات الأمنية في أربيل عام 2015 رئيسه يوسف محمد الذي ينتمي إلى حركة التغيير، من دخول المدينة لمزاولة عمله.
ورغم تأكيده دعم حق الكورد في تقرير المصير، يرى عبد الجبار أن الخطوة الضرورية تكمن في بناء مؤسسات مثل الجامعات وتوحيد المناطق، بينما الاستفتاء هو "مجرد تفصيلة واحدة" من بين مئات القضايا.
كي لا تتعسر الولادة
ويؤكد الشاعر والإعلامي العراقي جمعة الحلفي على حق تقرير المصير للشعب الكوردي الذي خاض "نضاله الطويل خلال عقود من أجل حقوقه القومية، فمن حقه أن يقرر شكل السلطة التي يريدها وطريقة تحقيقها بشكل حر وإقامة دولته المستقلة".
لكن امتلاك الحق وحده لا يكفي، و"من دون توفر الظروف المحيطة والمعطيات الواقعية ستتعسر الولادة"، يتابع الحلفي، هناك "ظروف صعبة ومعقدة تواجه الشعب الكوردي" في مجال تحقيق استقلاله في الظرف الراهن.
تجربة جنوب السودان
وفي ظل أوضاع اقتصادية صعبة يعيشها الإقليم خصوصا منذ بدء الحرب على داعش، يرى الباحث والكاتب حارث حسن أن حق استقلال الكورد يرتبط بـ"ضرورة أخلاقية أخرى هي القدرة على ضمان الاستقرار والحياة الكريمة للشعب المستقل".
ويستشهد حسن بتجربة جنوب السودان، ليؤكد أن الاستقلال بذاته ليس كافيا "لبقاء الدولة المستقلة حية، وأن يحظى سكانها بمستوى معقول من الحياة الكريمة لا يقل عن ذلك الذي حظي به الشعب قبل الاستقلال".
ودخلت دولة جنوب السودان في حالة اضطراب وفوضى اقتصادية وسياسية بعد انفصالها عن السودان، استنادا إلى استفتاء شعبي أجري عام 2011.
وذهب الباحث حارث حسن إلى أن الأوضاع الإقليمية والدولية ليست مؤاتية للتعامل مع القوى الكوردية المحلية، خصوصا وأن "المناطق المتنازع عليها غير محسومة مع بغداد أو مع السكان المحليين من غير الكورد في تلك المناطق".
ولا يزال الخلاف قائما بين الحكومة العراقية والإقليم حول مصير مناطق متنازع عليها بين الطرفين، حيث تشكل كركوك وبعض مناطق محافظة الموصل نقاطا جوهرية في هذا الخلاف.
وتنص مادة 140 من الدستور العراقي على إجراء "استفتاء في كركوك والمناطق الأخرى المتنازع عليها، لتحديد إرادة مواطنيها"، وحددت موعدا أقصاه 31 من كانون الأول/ ديسمبر 2007 لتنفيذه، لكن هذه المادة لم تطبق حتى الآن.
ويقول حسن إن على الكورد الإجابة عن سؤال التالي: "هل يطرح مشروع الاستقلال اليوم بوصفه خيارا استراتيجيا مدروسا وعليه إجماع؟ أم بوصفه شعارا سياسيا تحتمه تنافسات سياسية أو ظروف مرتبطة باللحظة الراهنة؟"
تضارب مصالح شعبين
ويتفق الكاتب والإعلامي عامر بدر حسون أن للكورد الحق "في دولة مثلهم مثل أي شعب آخر.. لا جدال في ذلك"، لكنه يشير إلى "ما يمكن تسميته بتضارب المصالح بين الشعبين وغيرهما، فالعربي يفكر بسلامة بلاده قبل أي شيء، والكوردي يفكر باستقلاله بغض النظر عن مصالح العراق ككل".
ويرى حسون أن المرحلة تحتاج لبراعة وإحساس عال بالمسؤولية عند القادة السياسيين "لتجاوزها بسلام".
وكان التوتر قد زاد بين مكونات كركوك خصوصا بعد قرار مجلس المحافظة التي يعيش فيها الكورد والعرب والتركمان، في نهاية آذار/ مارس رفع العلم الكوردي بجانب العلم العراقي على المباني الحكومية، وهي الخطوة قاطعها عرب كركوك وتركمانها.
بغداد هي المسؤولة
ويرى الكاتب والصحافي سرمد الطائي أن قرار تقرير المصير يعود "لأهل المناطق الكوردية وقواها الفاعلة"، مشيرا إلى أن من حق الكورد مثل أي مجتمع آخر تقرير مصيرهم رغم ما ستواجهه "شريحة واسعة عربية وكوردية من مصاعب عاطفية في تقبل الأمر".
ويقارن الطائي بين "باشوات البصرة" ومثقفيها قبل 100 عام، وبين الكورد الآن في "طلبهم نوعا من الاستقلال والكونفدرالية"، موضحا أن هذا الطلب لم يكن كرها ببغداد العاصمة، "بل لمخاوفهم بشأن المستقبل".
ويقول "كان البصاروة يخشون من أن السياسي البغدادي قد يصوغ سياسات خارجية أو اقتصادية تؤدي إلى تخريب العلاقات التجارية وتضر بالموانئ"، مبينا أن "الكورد لديهم مخاوف من أن أخطاء بغدادية قد تورطهم في مشاكل مع المنطقة والعالم، والتي كان للأخطاء الرهيبة في حقبة نوري المالكي (رئيس الوزراء العراقي السابق) دور أساسي فيها". ويؤكد الطائي "أن بغداد هي المسؤولة عن بقاء كوردستان أو انفصالها".