شفق نيوز/ تشكل المذكرات السياسية لدى كتابها بالغرب، مناسبات لتسوية النتائج والدفاع عن النفس، وتأتي عادة مصحوبة بعصارة الحكاية على تنوعها، دون اغفال الهدف، وهو الوصول الى أكبر حجم وأضخم مبيعات، يدعم ثقة الكاتب بالقارئ، وبالعكس.
“رودس”، الذي خدم باراك أوباما مستشارا لشؤون الأمن القومي الأميركي، وكاتبا للخطابات الرئاسية من البداية إلى النهاية، اصدر مؤخرا كتابا جديدا، يظهر الرئيس الذي خدمه ، ذكيًا ، ودودًا ، جذابًا ، ومبدئيًا.
الكتاب الذي اتى تحت عنوان : ”العالم كما هو”، يأتي أقرب الى قصة كلاسيكية قادمة عبر الزمن، حول الرحلة من المثالية إلى الواقعية، مع الصراحة والوضوح. إنه باختصار ليس كتاب سياسات ثقيل.
في ”العالم كما هو”، هناك الكثير من الحكايات، لكنها تضيء بدلا من أن تثير الفضائح. إنه قصة عن كيفية تقدم الكاتب (رودس) من عالم المثالية، إلى رؤية أكثر دقة.
يلفت الكاتب في مذكراته ، الى أن العقيدة الأساسية التي اتبعها (أوباما) للسياسة الخارجية الأمريكية وكان يرى بانها المناسبة في العصر الحديث ، هي قاعدة الفيلسوف (أبقراط ) : أولاً ، لا تضر ، بحيث اعتمد أوباما للوصول الى هذه النتيجة الواضحة والعامية ، إعادة صياغة مفهوم :”لا تفعل أشياء غبية “.
ووفق “رودس” ، فقد كان سلفه (أوباما) ، جورج دبليو بوش ، قد ارتكب واحدة من أسوأ الأخطاء في تاريخ الولايات المتحدة ، حين ذهب إلى الحرب في العراق ، بينما كانت مهمة أوباما ، التي قادت إلى منصبه ، هي تصحيح العلاقات مع الحلفاء الذين لم يوافقوا على الحرب ، وأيضاً مع العالم الإسلامي ، الذي اعتبر الحرب على العراق آخر عمل للإمبريالية الغربية.
ويكشف الكتاب ، أن أوباما تابع هذه المهمة بشروط كبيرة ، فقد قال لبن رودس ، عندما بدأ هذا الاخير بكتابة خطاب الرئيس الحاسم الذي ألقاها في القاهرة عام 2009 : “يجب أن نبدأ بتاريخ من الاستعمار” ، وهو ما أدى الى انتقاد المحافظين المتحفظين لأوباما باعتباره مراوغة تعبر عن “اعتذار” ، في حين تجاهلوا النصف الآخر من رسالته ، الذي عبر فيه أوباما عن توازن أنيق : “على الإسلام أن يعترف بالمساهمات التي قدمها الغرب لصياغة مبادئ معينة عالمية”.
ويدعي رودس في “العالم كماهو” ، أن “أوباما ارتكب أخطاء التفاؤل” ، فقد افترض أن النظام القديم الاستبدادي في الشرق الأوسط ، كان على وشك التغيير ، حيث قلل من شأن قوة القبلية ، التي وفرت الهوية ، وسط عالم غير متبلور.
ويكتب رودس ، أن أوباما انحاز للمثاليين في وقت مبكر ، وخاصة عندما ملأ المتظاهرون ميدان التحرير في “القاهرة” بأول تدفق للربيع العربي. وبحسب رودس ، فان أوباما “كان يفضل أن يقوم (غوغل غي) بتشغيل مصر ، في إشارة إلى وائل (غنيم) ، الذي كان يساعد في قيادة حركة الاحتجاج”.
يذكر الكتاب بعضا من المداولات ، التي حصلت داخل الغرف المغلقة في البيت الابيض حول أحداث “الربيع العريي” ، ففي “الثورة المصرية” يكشف الكاتب أن نائب الرئيس جو (بايدن) ، ووزير الدفاع روبرت (غيتس) ووزيرة الخارجية هيلاري (كلينتون) كانوا حذرين تجاه أحداث مصر : “لا تسارعوا إلى طرد الديكتاتور المصري حسني مبارك ، ولم يكن هناك أي ضمان بأن الديمقراطية سوف تفضي الى ذلك ، وفي الواقع ، فقد أدت الديمقراطية هناك إلى نصر انتخابي من قبل الإخوان المسلمين ، مما أدى إلى انقلاب عسكري”.
حول الشأن الليبي ، يقول رودس ، ان ادارة اوباما ارتكبت نفس الخطأ ، فعندما هدد الديكتاتور معمر القذافي بمذبحة خصومه في بنغازي ، كانت سوزان (رايس) تقارن الوضع هناك بماحصل في “رواندا” ، حيث قيل إن بيل كلينتون “سمح” بإبادة جماعية في تلك البلاد ، أما سامانثا (باور) فانها ستقول ل (رودس) بنبرة موجهة : “هذه ستكون أول فظاعة جماعية تقع على مدار الساعة “.
ويضيف ، ” لكن التدخل العسكري – وإزالة القذافي في نهاية المطاف – أدى إلى الفوضى ، بالرغم من أن الدافع لمنع المجزرة كان نبيلاً ، لكنه كان مضارباً. الفوضى كانت حقيقية. وأدى الاضطراب العام في المنطقة إلى ثورات ووحشية في سوريا واليمن والبحرين “.
وهنا ” سيدرك (رودس) – ببطء – أن الأحداث في العالم خارج تأثير أمريكا”.
وصف رودس المداولات التي كانت تحصل وحصلت بمعظمها خلال الأزمات الأخرى ، ويضيء بشكل خاص ، على الضربات الصاروخية التالية، التي قام بها دونالد ترمب لسورية .
” لقد ظن أوباما ، أن أي عمل عسكري قد يكون له تأثير فعلي على سلوك الأسد ، وقد يؤدي إلى حرب أوسع نطاقاً – ربما كان على حق – لكنه بدا ضعيفًا في ذلك الوقت. على النقيض من ذلك ، بدا ترامب قوياً ، لكن يبدو أن تأثير ضرباته كان ضئيلاً “.
وفي لحظة محددة ، خلال خضم المداولات حول ما يجب فعله حيال سوريا ، أكمل أوباما انتقاله من المثالية إلى الواقعية ، عندما اخبر رودس : “ربما لم نكن لنفعل (في سورية ) ماحدث في رواندا …. لا يمكنك منع الناس من قتل بعضهم البعض من هذا القبيل “. هذا هو واقع (العالم كما هو) “.
يسرد رودس العديد من الانطباعات الشخصية ، التي حملها عن (الرئيس) أوباما ، في أثناء العمل ضمن فريق ادارته الاستشاري ، ف”هو محب ، محترم ، ويمارس هوايته بلعب الورق في أوقات فراغه ، كما يستمع إلى الموسيقى المعاصرة ، ويقرأ باستمرار ، ويتأمل في الأشياء التي يقرأها ، وكان يدرك دوره التاريخي ، كأول رئيس أميركي أفريقي ، لكن لا يعيقه العرق ، أو يزعجه”.
ويقول رودس عن اوباما : ” انه كان يتجنب الغضب ، حتى في وجه اولئك المتعصبين ضده ، والمتآمرين المعارضين له حتى الأكثر تطرفًا منهم . وان طبيعة أوباما قادت في أكثر الأحيان ، إلى الإجابات الصحيحة – أو على الأقل – إلى المواقف التي لم تجعل العالم المتفجر أكثر خطورة”.