شفق نيوز/ على مدى عقود من الحرب والصراعات المسلحة في العراق، كان الطبيب العراقي حيدر حنتوش يرى بعينيه الجرحى من الجنود والمدنيين، تكتظ بهم عنابر الطوارئ في المستشفيات، لكنه لم يشعر قط بهذا الذعر، حتى عايش تفشي فيروس كورونا.
وقال حنتوش مدير الصحة العامة في محافظة ذي قار بجنوب البلاد، إن من الممكن التعامل مع ضحايا العنف "الذين يتوافدون بأعداد كبيرة على المستشفيات لساعات في وقت ما... مع ذلك بإمكانك أن ترى عددهم. يمكنك أن تحصل على فترة هدوء للتحضير لجولة مقبلة".
لكنه قال "مع فيروس كورونا، لا أمان في أي مكان. لا نعرف اللحظة التي تتضخم فيها الحالات بوقع المفاجأة... حتى أفضل أنظمة الرعاية الصحية في العالم لا تستطيع الصمود"، وفقا لوكالة "رويترز".
وعالج الأطباء والممرضون في أنحاء العراق مئات الآلاف من الجرحى في سنوات الحرب الأهلية والعنف والعقوبات، في الوقت الذي كانوا يقفون فيه شهودا على تداعي ما كان في السابق أحد أفضل أنظمة الرعاية الصحية في الشرق الأوسط.
ويقولون الآن إن العراق ربما يكون حالة فريدة من جهة عدم الاستعداد للفيروس.
وللعراق حدود سهله الاختراق مع إيران، الدولة الأشد تضررا من الفيروس في الشرق الأوسط حتى الآن.
ويكتظ التقويم الديني العراقي بمناسبات الزيارات الدينية السنوية، التي تشهد بعضا من أكبر التجمعات الجماهيرية على وجه الأرض، إذ تجتذب عادة ملايين الزوار.
ومنذ العام الماضي، تشهد المدن الرئيسية في العراق مظاهرات حاشدة مناهضة للحكومة سقط فيها مئات القتلى.
وأصاب الشلل مؤسسات الدولة بفعل حالة من الجمود السياسي، تكونت بعد استقالة الحكومة وفشل السياسيين في تشكيل حكومة جديدة.
وسجل العراق حتى الآن أكثر من 450 حالة إصابة بفيروس كورونا المستجد، و40 حالة وفاة معظمها في الأيام السبعة الماضية.
لكن الأطباء قلقون من أن تكون هذه الأرقام مجرد قشرة تخفي وباء ربما يتفشى بالفعل دون أن يتم اكتشافه في جميع المدن المزدحمة.
الاحتجاجات وزوار العتبات وشرف العشيرة
وقال حنتوش: "الحالات غير المسجلة كثيرة. الناس لا يخضعون للاختبار ولا يأخذون الأمر على محمل الجد".
وتحمل مكبرات الصوت فوق المآذن في بغداد توجيهات الحكومة اليومية إلى الناس، وتحثهم على البقاء في المنازل وإجراءالاختبار إذا ساورتهم الشكوك في الإصابة بالمرض.
وفُرض حظر للتجول حتى 11 أبريل، وأُغلقت الحدود وتوقفت الرحلات الجوية الدولية.
لكن توصيل مثل هذه الرسائل شيء صعب في بلد لا يثق كثيرا في السلطات. وقال حنتوش إن العشائر ترفض في بعض الأحيان السماح بعزل النساء اللائي تظهر عليهن الأعراض، لأنهم لا يريدون أن تبقى نساؤهم بمفردهن في المستشفيات.
وشارك آلاف العراقيين في أحدث زيارة دينية كبيرة بالعراق، لمرقد شيعي في بغداد، واحتشدوا في تحد لحظر التجول.
وقال الدكتور ليث جبر (30 عاما)، الذي يعمل في عنبر مستشفى ببغداد يجري الاختبارات للحالات المشتبه في إصابتها: "نطلب الآن من الزوار (من قاموا بزيارة المرقد) أن يعزلوا أنفسهم لمدة 14 يوما".
وقال إن 3 توفوا بالمستشفى بسبب الفيروس في الأسبوع الماضي، وإن نتائج بعض أفراد الطواقم الطبية جاءت إيجابية.
ورفض البعض ممن ظهرت عليهم الأعراض إجراء الفحص لأنهم لا يريدون البقاء في العزل لفترة من الوقت.
وأضاف: "لو زاد هذا الأمر فربما يخرج من نطاق سيطرتنا. ربما يصبح لدينا ألف حالة الأسبوع القادم. هناك نقص في أجهزة التنفس الصناعي وغيرها من المعدات... ربما يكون في مستشفانا 10 أجهزة للتنفس الصناعي".
وقال جبر إن الكثير من العراقيين لا يبالون لأنهم يعتقدون أنهم شاهدوا كل ذلك من قبل في سنوات الحرب، لكن "هذا وضع خطير. إننا نواجه عدوا خفيا لا يحتاج لأطباء فحسب لمحاربته بل يحتاج للجميع".
وقال بيان إن قوات الأمن انتشرت الجمعة في حي مدينة الصدر المكتظ بالسكان في بغداد، لإنفاذ حظر التجول.
ويقدر عدد قاطني الحي بالملايين بمن فيهم أعداد كبيرة من زوار العتبات الشيعية.
وأشادت الأمم المتحدة بالإجراءات التي اتخذها العراق في وقت باكر من الأزمة، فيما يتعلق بإغلاق الحدود الشهر الماضي، لكنها وجهت نداء تحث فيه على احترام حظر التجول.
وقال طبيب في بغداد، طلب عدم نشر اسمه لأن الوزارة تمنع العاملين في المجال الطبي من التحدث لوسائل الإعلام، إن ارتفاعا حادا في عدد الحالات بات وشيكا.
وأضاف: "نستعد لاستقبال ما هو قادم في الأسبوعين المقبلين. ليست بنا طاقة للصمود (في مثل هذا الوضع)".