شفق نيوز/ شهد إقليم كوردستان العراق خلال العقد الماضي حلقات عديدة من الأزمات منها تخفيضات الميزانية، وهجوم داعش على أربيل، وإنخفاض أسعار النفط إلى النصف (مرتين) والصراع المسلح مع الحكومة العراقية على كركوك. ومع هذا، يبدو الوضع مختلفًا اليوم، إذ يمكن القول بأنه أسوأ من الأزمات الماضية.
جاء ذلك خلال موضوع نشرته مؤسسة الشرق الاوسط للبحوث (ميري) لمايكل نايتس المتخصص في الشؤون العسكرية والأمنية للعراق وإيران واليمن ودول الخليج.
وربط نايتس هذه الأزمة، بجائحة كورونا المستجد، وركود عميق للنفط في بغداد وكوردستان، وتفاقم التوترات مع تركيا وإيران هذا بالإضافة إلى تواجد امتعاض مخفي اتجاه الكورد بين العديد من أعضاء البرلمان العراقیین في بغداد.
لكن ما يجعل هذه اللحظة خطرة بالذات، هو شبه انهيار التعاون بين الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني.
ويقول نايتس "لقد أظهر كورد العراق أنهم قادرون على تجاوز أي عاصفة عندما يتعاونون كشعب وأن شركاء إقليم كوردستان العراق الدوليون يدعمون كورد العراق بشكل أكثر فعالية عندما يعمل الطرفان الكورديان في وئام، ولكن غالبًا ما يتراجع شركائهم الدوليون عندما لا يستطيعون تحديد طرف متماسك للتعامل معه في إقليم كوردستان. لا شك أن في مخيلة اللاعبين الدوليين كيف أن الحرب الأهلية بين الكورد في التسعينيات في العراق في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين قوضت قضيتهم عندما كانت أمامهم الفرصة الأكبر لتحقیق الحكم الذاتي.
ويذكر نايتس في موضوعه الذي ورد لوكالة شفق نيوز عبر البريد الالكتروني، "بالنظر إلى الأمام، من الواضح أن مستقبل العراق وإقليم كوردستان مرتبطان، فإذا انهار اقتصاد بغداد وعملتها، فیتبعە ذلك إنهيار إقتصاد كوردستان، وإذا جاع الشعب الكوردي، فإن اللوم يقع على بغداد. ومن الواضح أنه في حال عودة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، فستظهر أولاً في المناطق المتنازع عليها بين العراق الاتحادي وإقليم كوردستان. ولا ريب أن نجاح السياسة الأمريكية في العراق هو نجاح المحافظات الخمس عشرة في العراق الاتحادي وإقليم كوردستان، وليس في واحدة دون أخرى".
ويضيف سيستمر الحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والعراق في أواخر الصيف، وبأمل أن يشمل ذلك زيارة القيادة العراقية إلى واشنطن العاصمة، وهذا يمثل فرصة لإعادة تنشيط دور الولايات المتحدة والشركاء الدوليين في القضايا التي تواجه إقليم كوردستان-العراق. وهنا يجب التأكيد على أهمية أهداف متعددة الجوانب لدعم التماسك داخل إقليم كوردستان والعلاقات بين بغداد وإقليم كوردستان لأن أمريكا ليس لديها كل الإجابات حول كوردستان، ولا تميل إلى تركيز الاهتمام الكافي هناك. تكون القوة والقيادة الأمريكية أكثر فاعلية عندما تقترن بالرؤى الواعية والنوايا الحسنة للعديد من الشركاء الآخرين حول كوردستان، مثل الفرنسيين والبريطانيين والكنديين، على سبيل المثال لا الحصر.
يقول نايتس "هناك حجة مفادها أن اتفاقية الإطار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والعراق يجب أن يكون لها إما فریق عمل محدد أو لجنة معنية بقضايا إقليم كوردستان-العراق (أو بشأن اللامركزية بشكل أعم)، أو آلية شاملة تضمن دور إقليم كوردستان في كل من فرق العمل الأمنية والسياسية والاقتصادية والمتعلقة بالطاقة. فقائمة المواضيع التي تتطلب اهتمامًا مستمرًا، طويلة جدًا.
الأهم من ذلك، يجب أن يقاد الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني نحو خفض التصعيد الذي يسمح للمنطقة بالتعبير بصوت واحد ومتماسك في بغداد ومع الشركاء الدوليين. هذه مشكلة أساسية تؤثر على جميع المشكلات الأخرى التي يواجهها إقليم كوردستان-العراق.
فمن الجلي أن العلاقة العدائية بين الطرفين تقوض كل المحاولات في إقليم كوردستان وهو أمر محبط بالنسبة للشركاء الدوليين والمستثمرين المحتملين. وطبيعة العلاقة الحالية يمكن أن تؤدي إلى مواجهات مسلحة، مما يؤثر على الصناعات الرئيسة مثل نقل غاز البترول المسال بالشاحنات، أو الأزمات الأمنية مثل المواجهة المسلحة التي حدثت في زينة ورتی بين بيشمركة الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني في منتصف مارس 2020.
لا یعمل شيء تقريبًا بشكل جيد كما يجب – من استثمار النفط والغاز إلى مكافحة الإرهاب إلى محاربة جائحە كورونا وإلى المفاوضات مع بغداد – وذلك بسبب الانقسام بين الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني. سيكون من الأعجوبة أن نتخيل أن بإمكان الطرفين التوفيق بسهولة. ومع ذلك، يجب على الولايات المتحدة وشركائها المختلفين إعطاء الأولوية للجهود المبذولة لإحضار القادة الأقوياء إلی نفس الغرفة للتوصل إلى الحد الأدنى من التعاون وبدء حوار، مهما كان متوترًا أو صعبا في البداية.
تحتاج الولايات المتحدة والجهات الدولية الأخرى أيضًا إلى مساعدة بغداد وإقليم كوردستان على إكمال الخطوات الواعدة التي تم اتخاذها بشأن التعاون السياسي والأمني والاقتصادي. لقد عمل الكورد بشكل جيد مع حكومة رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي في بغداد، وتغلبوا على حذرهم الأولي من التغيير في بغداد من أجل دعم رئيس الوزراء الجديد مصطفى الكاظمي، والذي هو الآخر صديق قديم. ومع ذلك، بالنسبة للكورد، سيتم الحكم على العلاقة مع بغداد بالدرجة الأولی على أساس ما تقدمه من حيث دعم الميزانية.
بعد أن شاهدتُ ستة رؤساء وزراء عراقيين يتفاوضون ويعادون التفاوض كل عام بشأن صفقات الميزانية مع الكورد لأكثر من عقد من الزمان، فإن الولايات المتحدة على دراية وثيقة بكل مكونات الأخذ والعطاء بین القادة العراقيين الكورد، أكثر منهم أنفسهم. ما كان واضحًا دائمًا هو أن السياسة تتفوق على الاقتصاديات في مثل هذه المناقشات: عادةً ما يكون الحل سياسيًا ويتم التلاعب بالأرقام والصيغ لتناسب الحل الوسط المطلوب. هذا هو السبب في أنه في الفترة المتبقية من عام 2020 هناك احتمالية أن تستمر كوردستان في بيع نفطها وتحصيل عائدات الجمارك، بينما تقلل بغداد من إضافاتها للخزينة الكوردية كل شهر، وهو ما حدث بشكل أساسي خلال العامين الماضيين. تميل الكثير من النقاشات إلى الإنتهاء في الحال حيثما بدأوا النقاش.
هذا النمط من أزمات الميزانية المتكررة غير مستدام لسببين. أولاً، تؤدي المواجهة السنوية إلى تعقيد عملية وضع الميزانية التي باتت مشحونة بالفعل ويصبح النواب العراقيون أكثر عدائية لاقتصاد إقليم كوردستان في كل دورة. ثانياً، ينافس الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني بشكل متزايد حول آلية تقاسم العائدات، حيث تسعى السليمانية لمزيد من التحويلات المباشرة من بغداد أو ضمانات أخرى للحصول على حصة عادلة.
من الأفضل للولايات المتحدة وشركاؤها الدوليون دعم اتفاق طویلة الأمد (لسنوات عدة) يحظى بقبول على أعلى المستويات: رئيس الوزراء العراقي، الذي يمثل كتلة كبيرة في الشریحة السياسية في العراق، والقادة الرئيسيين داخل الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني. وهذا سبب آخر یفرض علی الطرفين الجلوس معًا على أعلى المستويات السياسية.
يبدو أن الحالة الملائمة لإجراء إتفاقية حول الميزانية بين بغداد وإقليم كوردستان هي أن تبلغ حوالي ٨٠٠ مليون دولار شهريًا، مما يتطلب من الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني الاتفاق على تخفيض دائم وغير مسيّس لالتزامات إقليم كوردستان (الرواتب والخدمات الاجتماعية والمخصصات) بنحو 30٪. تحتاج الولايات المتحدة وشركاء دوليين آخرين إلى ممارسة ضغط قوي بدافع حسن النية على إقليم كوردستان لتعيين وزيرا للموارد الطبيعية علی أن یكون تركیزە علی إعادة ثقة المستثمرين في قطاع الطاقة، والذي سيكون بمثابة علامة للمستثمرين المستقبليين غير النفطيين في إقليم كوردستان.
قد يكون النجاح والفوز السريع للتعاون بين بغداد والحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني ممكناً في مجال مكافحة الإرهاب. إن جهاز مكافحة الإرهاب العراقية، ومدیریة مكافحة الإرهاب التي يقودها الحزب الديمقراطي الكوردستاني، ومجموعة مكافحة الإرهاب التي يقودها الاتحاد الوطني الكوردستاني هي ثلاثة أجهزة مهنية للغاية تعمل بشكل وثيق مع التحالف الدولي ضد داعش. لقد عملوا معًا من قبل ويمكنهم العمل في المناطق المتنازع عليها بسهولة نسبية الآن. يجب أن يركز إنشاء مراكز تنسيق مشتركة لمكافحة الإرهاب في البداية على هذه الوحدات النخبوية وأسلحتها الاستخبارية ذات الصلة، وليس بالضرورة الوحدات “العسكرية الكبيرة” مثل الجيش العراقي والشرطة الاتحادية والبیشمركة.
قد يكون أحد الرموز الهامة للتعاون بين بغداد وإقليم كوردستان العراق هو الاستثمار في نشر بعض طائرات القوات الجوية العراقية من طراز F-16 إلى اطارات أربيل والسليمانية لفترات قصيرة. كان يُنظر إلى تلك القاذفات المقاتلة على أنها عصا قد تستخدمها بغداد ضد الكورد، لكن أسطول F-16 وفنييها الأمريكيين يكافحون اليوم للبقاء في الخدمة حيث تحيط المجامیع المسلحة المدعومة من إيران بقاعدة عملياتها في بلد. ربما تكون فكرة مبدعة إذا تم تدوير جزء من أسطول F-16 خلال بيئات التشغيل الآمنة في أربيل والسليمانية، كما فعلت القوات الجوية الإيطالية مع مجموعة صغيرة من مقاتلي يوروفايتر خلال الحرب ضد داعش.
الخيط المشترك في كل هذه الخيارات هو الرغبة في “أن تهدف عالیا و تطمح للكثیر” في العلاقة بين بغداد والحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني، وأن يشجع اللاعبون الدوليون ويدعمون التفكير الجديد. يسير إقليم كوردستان حاليًا نحو الأسفل، مع استقرار أقل وجاذبية أقل كبيئة استثمار، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أن قادة الكورد يسمحون لأنفسهم بالانقسام بسبب سياسات شخصية. ساعد تدخل الولايات المتحدة في العراق في عام 1991 في تحرير الكورد العراقيين، وشهد التدخل في عام 2003 طلب الولايات المتحدة من الكورد أنفسهم الانضمام إلى العراق على أساس ضمانات لأمريكية.
لقد حان الوقت للبدء في تنفيذ هذه الضمانات. لقد حول تدخل الولايات المتحدة العراق من ديكتاتورية إلى ديمقراطية (غير كاملة، مثل جميع الديمقراطيات)، لكن التحول الكبير بنفس القدر هو المساعدة في إنشاء دولة عراقية في سلام مع جميع مكوناتها، أولاً وقبل كل شيء مكونها الكوردي. هذه اللحظة يمكن ويجب أن تبدأ بجدية الآن.