شفق نيوز/ جملة من التكهنات والأسئلة، أثارها مقتل أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم داعش في غارة شنتها القوات الأميركية الخاصة مؤخراً، وكذلك متحدثه الرسمي أبو الحسن المهاجر، حول هوية "وريث" منصب الخليفة، بعد أن اقتصر إعلان داعش في تسجيل صوتي تابع لوكالة "أعماق" الذراع الإعلامي الرسمي للتنظيم، عن تعيين خلف للبغدادي يدعى "أبو ابراهيم الهاشمي القرشي".
ولا نعلم عن الزعيم الجديد سوى أنه: "عالم دين، ومقاتل معروف، وأمير حرب قاتل القوات الأميركية، ويعرف حروبها"، مما يعني أنه أحد رفاق الزرقاوي، وذلك تبعاً لإعلان داعش.
وبين بحر من "الكنى والألقاب" التي اعتاد حملها قيادات "داعش"، بات "الزعيم" الجديد لغزاً بحد ذاته، تحاول "العربية.نت" في التقرير تتبع الأسماء التي تداولتها وسائل الإعلام الغربية والعربية والمحللين لمعرفة من هو "الخليفة" و"الإمام" الجديد لتنظيم "داعش"؟
من هو الخليفة "المجهول"؟
لا يعد إحجام تنظيم "داعش" عن الإعلان عن اسم وهوية "خليفته" الجديد، سابقة في نهج وسياسة تنظيم "الدولة"، حيث كان الأمر ذاته مع إعلان تعيين "أبو عمر البغدادي الحسيني" زعيماً لتنظيم "دولة العراق الإسلامية" بعد مقتل أبو مصعب الزرقاوي.
وكذلك لدى الإعلان عن تنصيب من يلقب بـ"أبو بكر البغدادي" في 2010، خلفاً لـ"أبو عمر البغدادي" الملقب أيضا بـ"أبو عبد الله الراشد البغدادي".
حيث ظلت هوية الزعيم الجديد "أبو بكر البغدادي"، مجهولة حتى مضي 8 أشهر على تنصيبه، إلى حين كشفت السلطات العراقية عن الاسم الحقيقي لهذه الكنية وذلك في ديسمبر 2010، بعد إلقاء القبض على "حازم الزاوي" وزير الأمن في "دولة العراق الإسلامية"، والذي كشف للسلطات الأمنية أثناء التحقيق معه أن "أبو بكر البغدادي" هو شخص يدعى الدكتور إبراهيم عواد إبراهيم السامرائي ويلقب بـأبي دعاء.
ودوماً لأسباب أمنية سعى تنظيم "الدولة" التعريف بالكنى مبقياً على الهوية الحقيقية للقيادات في تنظيمه مجهولة حتى بين عناصر التنظيم نفسه، كما كان الأمر عليه مع المتحدث الرسمي "أبو الحسن المهاجر"، الذي ظلت هويته وصورته مجهولة حتى حين مقتله.
البغدادي
إلا أن الترقب هذه المرة والإلحاح في معرفة حقيقة هوية خليفة البغدادي السامرائي، تأتي كذلك من أوساط "التنظيم" نفسه، الذي شهد انشقاقات كبيرة في صفوفه منذ محاصرة عناصر داعش في آخر معاقله بقرية "الباغوز" في دير الزور، مارس 2019.
من هو "أبو ابراهيم الهاشمي القرشي"؟
من جبل "الباغوز"، تناقلت حسابات أنصار التنظيم بيانا مزيفا عن وكالة "أعماق" بتعيين نائب لـ"أبو بكر البغدادي"، والذي بطبيعة الحال سيتولى أمر "الخلافة" من بعده وهو "محمد عبد الرحمن المولي"، والذي يعرف بـ"عبد الله قرداش"، ويكنى كذلك بـ"حجي عبد الله".
عمل سابقا في مجلس شورى التنظيم ومسؤولا في الهيئات الشرعية والقضائية حيث كان أميرا للجنة المفوضة، كما كان جزءا من تصاعد الخلاف ما بين "الأمنيين والشرعيين" في تنظيم داعش.
إلا أنه وبحسب مصادر تحدثت لـ"العربية.نت"، رجحت مقتل "عبد الله قرداش"، وفقاً لاعترافات ابنته والتي تم إلقاء القبض عليها في وقت سابق.
وإلى جانب "قرداش" خرجت التكهنات من جديد لاسم آخر وهو "نعمان سلمان منصور الزيدي" وهو شيعي من الناصرية، قبل أن يتحول إلى الطائفة السنية، لقب بـ" الناصر لدين الله الفاطمي" وكذلك بـ"أبو سليمان"، و بـ"أبو إبراهيم" ، تولى منصب والي الأنبار ووزير حرب، ومسؤولا عن معسكر "أبي إبراهيم الزيدي" وكذلك نائباً للبغدادي.
إلا أنه وفقاً للباحث العراقي هشام الهاشمي فـ"ابو ابراهيم الزيدي" قتل في إحدى العمليات العسكرية في محافظة الأنبار، مؤكداً صحة ما أعلنت عنه السلطات العراقية في العام 2011، على الرغم من نفي التنظيم في وقت سابق نبأ مقتله.
توثيق شرعيته
وإلى جانب أنباء مقتلهما، يبقى الاسمان في دائرة الاستبعاد عن الترشح لمنصب "الخليفة"، حيث إنه وبتتبع الاسمين، فأي منهما لا يمكن أن يكون "أبو ابراهيم الهاشمي القرشي" ، فـ"محمد المولى"، وهو من الأسر الشيعية في تلعفر قبل تسننه، فمعروف أنه ينتمي إلى عشيرة "طيء" العراقية، وطيء تبعا إلى النسابين العرب هي إحدى قبائل قحطان وقحطان القسم الثاني من العرب وعليه فلا علاقة لقرادش بالنسب الهاشمي ولا بالقرشي ولا حتى بالعدناني إلا أن تخترع له دعايات داعش نسبا قرشيا جديدا من أجل توثيق شرعيته.
كما ويعرف عن المرجعيات الدينية ذات الصلة بعائلة "قرداش" والتي يعود لها المرشح لمنصب الخليفة كـ"محمد تقي المولى" رئيس هيئة الحج والعمرة سابقا، ارتداءهم لـ"العمامة" البيضاء وليس السوداء، تأكيداً لعدم الادعاء بالانتساب إلى النسب الشريف.
بتر قدمه
بالإضافة إلى ذلك كله رجحت مصادر تعرض "المولى" والملقب بـ"الحاجي عبد الله" إلى بتر لقدمه اليمنى جراء استهدافه من قبل القوات الأميركية بطائرة دون طيار مما يعد سببا آخر، للتقليل من فرص ترشحه في منصب الخلافة والتي يشترط لها وفقا لمبادئ وقواعد الأحكام السلطانية "سلامة الحواس" للخليفة.
كذلك الأمر بالنسبة لـ"نعمان الزيدي"، والذي تعد عشيرته في العراق، "حميرية" النسب وامتداداً لقبيلة "بني زيد" القحطانية.
الشخصية الثالثة والتي برز اسمها كأحد المرشحين لمنصب "الخلافة" من السعودية، ويعود إلى "الجزراوي" أمس"، - تتحفظ العربية.نت على اسمه - تولى سابقاً منصب رئيس اللجنة المفوضة وأحد شرعيي التنظيم، انضم إلى تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين منذ تولي "أبو مصعب الزرقاوي" زعامة جماعة "التوحيد والجهاد" قبل أن يصبح اسمها تنظيم "القاعدة في بلاد الرافدين"، وبحسب ما توفر من معلومات خاصة، يعد "الجزراوي" أحد تلاميذ السروري سفر الحوالي، وهو الموقف الأمني لدى الأجهزة الأمنية بالسعودية، لدعمه وتأييده تنظيم القاعدة وداعش.
النسب
وبتتبع "كنية" العائلة التي يحملها اسم المرشح "الجزراوي" لمنصب الخليفة، فلم يكن لها أي صلة بالنسب الشريف، مما يدفع إلى استبعاده أيضا عن قائمة المرشحين لـ"الخلافة".
ويبقى من المرادفات لكنية الخليفة الجديد "أبو ابراهيم الهاشمي القرشي" التي اكتفى بذكرها من يديرون "دفة" تنظيم "داعش" أو ما يسمى بمجلس شورى التنظيم، هم 3 شخصيات جميعها لا تحمل الجنسية العراقية، وهم كل من: الأردني "أبو رحمة الهاشمي" عضو في مجلس شورى داعش، و"أبوعثمان التونسي الشريفي"، رئيس مجلس الشورى، و"أبو إبراهيم الهاشمي المصري"، عضو في مجلس شورى التنظيم، وجميعهم لم تتوفر عنهم معلومات حتى اللحظة.
السيناريوهات القادمة للتنظيم
نتيجة للانقسامات والانشقاقات الكبيرة التي وقعت بين صفوف عناصر تنظيم داعش وقياداته من العرب والأجانب منذ العام 2017 وحتى قبل معركة "الباغوز"، جراء عدة عوامل، منها سيطرة الجنسية العراقية والسورية على المفاصل القيادية في التنظيم، ومن جهة أخرى بروز تيارات مختلفة بين متعددي الجنسيات أبرزها "التيار الحازمي" الأكثر تطرفاً، والتيار "البنعلي"، وكذلك احتدام الصراع وعدم الثقة ما بين "الشرعيين" في التنظيم و"الأمنيين".
إلى جانب ذلك كله، خسارة التنظيم "الأرض" والتي بدونها تنتفي الأسس لإعادة إحياء "الخلافة"، وانحسار القدرات العسكرية للتنظيم، أو كما توصف في أدبيات الجماعات المسلحة المتطرفة "الشوكة والمنعة".
شخصية توافقية
كل ذلك، سيدفع بقيادات تنظيم "داعش" إلى البحث عن شخصية توافقية تساعد على الاندماج مع باقي الفصائل "الجهادية" المسلحة في شمال غرب سوريا وفي بعض الجيوب في شرقها، وتحديداً تنظيم "القاعدة" وأذرعه المختلفة، من بينها تنظيم "حراس الدين" التابع لمجموعة "خراسان"، الذي يلتقي معه في الكثير من مبادئه.
ووفقاً لحساب تابع لحراس الدين على تطبيق "التليغرام" جاء التعليق كالتالي "يبدو أن مقتل البغدادي لم يؤثر في أفعال التنظيم أكثر من 50 قتيلا من ضمنهم عقيد فرنسي (... ) نسأل الله أن يكون هذا الأمير الذي نصبوه خير من سابقه ويتراجع عن تكفير إخوة مجاهدين لعل الله ينصرهم".
ويبدو أن فكرة التحول من التنظيم المحلي إلى التنظيم الإقليمي، بتنصيب خليفة من غير الجنسية العراقية كما كان عليه الأمر بعد وفاة الأردني "أبو مصعب الزرقاوي"، ليس بالأمر المستبعد وفقاً لمحللين، وذلك بعد أن اجتاحت عناصر التنظيم من الأجانب ثورة غضب جراء مشاعر التهميش والتمييز بين قادة داعش المحليين، وهو الأمر الذي فنده "أبو محمد الحسيني الهاشمي"، القيادي الشرعي السابق في تنظيم داعش.
رسالة النصيحة
وكان قد كتب "أبو محمد الهاشمي"، ما أسماه برسالة "النصيحة الهاشمية لأمير الدولة الإسلامية" في العام 1438، خاطب فيها "البغدادي" زعيم داعش، لخص فيها ما يراه من انحدار حال التنظيم.
والكاتب لهذه النصيحة، هو أحد شرعيي تنظيم داعش، وممن وصلوا إلى مناصب قيادية في التنظيم، وهو سوري، يقيم في "الميادين" في محافظة دير الزور، والتي كما يطلق عليها التنظيم "ولاية الخير"، ومسؤول عما يعرف بـ" مكتب البحوث والدراسات" في تنظيم داعش سابقاً.
وبعد رسالة "النصيحة" للهاشمي بعامين، كتب في العام 1440 رسالة أخرى بعنوان "كفوا الأيادي عن بيعة البغدادي"، دعا فيها مقاتلي داعش إلى: "خلع بيعة البغدادي والبراءة منها، ومبايعة رجل تجتمع عليه كلمتهم، وإن لم يكن قرشيًا، معللًا ذلك بأنّها بيعة إمارة لا بيعة خلافة عامة"، ليتزعم مجموعة من المنشقين من التنظيم وخاصة بعد معارك هجين والباغوز، ممن استقروا في مناطق بشمال غرب سوريا وفي دير الزرو.
231 صفحة
واستهل "أبو محمد الهاشمي"، رسالته التي قدم لها اثنان من شرعيي وقادة التنظيم وهما: "أبو عبدالرحمن المرداوي"، "وخباب الجزراوي"، بتحديـد دافـع إنجـاز هـذا الكتاب المكون من 231 صفحة، والذي كان بسـبب التوحش الذي تميـز به تنظيم داعش بسيطرة الغلاة من العراقيين على اللجنة المفوضة، وهي رأس الهرم التنظيمي، حيث تشرف على الدواوين والهيئات والمكاتب والولايات، والمتحكمين بالقرار أمثال "أبو محمد فرقان" و"أبو يحيي الجميلي" و"عبد الناصر قرداش" و"حجي عبد الله العفري" و"أبو زيد العراقي" و"أبو لقمان الرقي".
وفي منشور جديد تابع لإحدى المؤسسات عن ما يسمى بـ"مكتب البحوث والدراسات" لأبومحمد الهاشمي، كتب باسم "ابن جبير" بعنوان "سقوط الخرافة"، والذي بحسب تعريف أحدهم عنه: "ابن جبير كاتب يعرفه جماعة الدولة من قبل فهو مشهور بكتاباته بين أنصار الدولة نشرت مقالاته في "النصيحة " و "مؤسسة الوفاء الإعلامية" و"ناشر المؤسسات" ومقالة سقوط الخرافة، هي ليست من خارج جماعة البغدادي بل هو نقد ذاتي من الداخل"، جاء في معرض تعليقه على تعيين الخليفة الجديد "أبي ابراهيم الهاشمي القرشي" قائلاً: "وأما ما فعله آل بغداد بنعيه وتسمية خليفة جديد، فهذا ما توقعناه، فأما نعيهم للبغدادي فهذا شأنهم، وأما تسمية خليفة جديد سيفرضونه على الأمة، فهذا ليس من شأنهم، ونقول لهم: تأدبوا مع الأمة يا أجلاف العراق وكفوا شركم عن المسلمين (..) ولقد والله أثرتم سخريتنا وضحكتم العالم وأنتم تعينون خلفا للبغدادي وتدعون الناس لبيعته ولسان حالكم يا أمة محمد لقد تشاورنا نحن المجاهيل، واخترنا لكم مجهولاً فهلموا وبايعوه بيعة جهل".
وحول مقصده في "آل بغداد" قال "وعندما أقول آل بغداد فأعني البغدادي وبطانته الفاسدة"، مستشهداً بمن تم تداول اسمه كمرشح لمنصب "الخليفة"، "عبدالله قرداش" قائلاً: "لا ننسَ أنه صاحب المقولة الشهيرة آني ما يهمني هذي المسائل العقدية، أني أهم شيء عندي الدولة".
إقبال ضعيف
ورغم مضي أكثر من أسبوع على مقتل البغدادي، والإعلان عن خليفته الجديد، فلم تحصد الدعوة إلى مبايعة "أبي إبراهيم الهاشمي القرشي" إقبالا كبيراً، باستثناء مجاميع قليلة من مقاتلي "داعش" تتوزع في ليبيا و الصومال وأفغانستان وسيناء ومحافظة البيضاء في اليمن.
كما ولم يجد إعلان وكالة "أعماق" عن خليفتهم، أية أصداء تذكر من قبل منظري الجماعات الجهادية من كافة التيارات المختلفة وشرعييها، خلافاً لما كان عليه الأمر في يونيو 2014 حين اعتلى "أبو بكر البغدادي" منبر جامع "الموصل" الكبير، معلناً عن قيام "دولة الخلافة الإسلامية"، وتنصيب نفسه "خليفة للمسلمين".
وبعيداً عن هوية "الخليفة المجهول"، ومغازلة حلم "الخلافة"، يبقى السؤال كيف ستتم مطاردة إشيديولوجية التنظيم وأدبياته في"الإحكام السلطانية"، وكيف سيتحقق تجفيف خزانه البشري؟