شفق نيوز/ على الرغم من الوزن السياسي المهم الذي يتمتع به العراق في المنطقة، الا انه من اللافت للنظر ان الحكومة في بغداد لا تظهر بشكل واضح في مشهد النزاع الليبي وهو الصراع السياسي -العسكري الأكثر أهمية وخطورة حاليا في منطقة الشرق الأوسط.
وبينما ان العراق تمكن بشكل او بآخر من إيجاد صيغة تعايش سياسي – اقتصادي محدد بين مكوناته في مرحلة ما بعد سقوط نظام صدام حسين العام 2003 وتبني الدستور الجديد العام 2005، الا ان ليبيا على العكس من ذلك، لم تتمكن حتى الان برغم اسقاط نظام معمر القذافي ومقتله في العام 2011، من ايجاد نظام بديل يتيح لها الاستمرار باستقرار ما.
ويبدو غياب العراق عن مشهد الصراع الليبي وتشعباته، مثيرا للانتباه. فالعراق في قلب العمل العربي المشترك وتجمعه مع الدول الإقليمية والدولية علاقات وثيقة ومصالح كبيرة في السياسة والاقتصاد والأمن، وبالتالي فان غيابه الواضح عن الازمة الليبية، يحتاج الى تأن في القراءة لمحاولة فهمه.
ومنذ المصادقة على اختياره وزيرا للخارجية من قبل البرلمان العراقي في السادس من يونيو/حزيران الماضي، صدر موقف وحيد باسم الحكومة العراقية من الحرب الليبية عندما شارك الوزير فؤاد حسين في الاجتماع الطارئ لمجلس الجامعة العربيّة في القاهرة الثلاثاء عبر دائرة تلفزيونية مغلقة لمناقشة التطورات في ليبيا وأزمة سد النهضة الإثيوبي في 23 يونيو/حزيران الماضي.
وتتداخل مواقف دول عديدة في النزاع الليبي، من تركيا الى فرنسا ومصر والسعودية والامارات وروسيا وقطر والجزائر وتونس والولايات المتحدة وايطاليا واليونان وقبرص والسودان، فيما تحتل الحرب اهتمامات عواصم هذه الدول وغيرها وتتصدر اخبار الحرب الليبية شاشات التلفزة والصحف والمواقع الاخبارية على مستوى العالم، لما للنزاع من تداعيات وتأثيرات واضحة على مصالح القوى وعلى الاستقرار الاقليمي برمته.
ويقول أستاذ الأمن الوطني في جامعة النهرين حسين علاوي، لوكالة شفق نيوز، ان "الازمة الليبية هي واحدة من اهم الازمات الاقليمية، التي تعيشها دولة منطقة الشرق الاوسط". وحذر أستاذ الأمن الوطني من ان "الوضع الامني الليبي له انعكاسات سلبية على الوضع الامني الاقليمي، كون ليبيا ممكن ان تكون بؤرة للجماعات التكفيرية، لما تمتلكه من ارث لتنظيم القاعدة وتنظيم داعش وغيرها من التنظيمات التكفيرية الاخرى، التي تتواجد في افريقيا".
ولهذا، لا تبدو مسألة طبيعية الا يكون العراق حاضرا في الموقف من النزاع وتشعباته السياسية والاقتصادية والامنية. صحيح ان الوزير فؤاد حسين كان عبر عن الموقف الرسمي لحكومة مصطفى الكاظمي بعدما تولى حقيبته الوزارية فورا، بان وزارة الخارجية ستمضي ببناء علاقات متوازنة تحقق مصالح العراق، ثم قال لاحقا ان أولويات الحكومة الاتحادية ستكون "تقوية العلاقات مع العالم"، الا ان ذلك لا يفترض ان يشكل تعارضا مع وضوح الموقف العراقي من الازمة الليبية.
الا ان علاوي تحدث لوكالة شفق نيوز عن تقديرات عراقية غير معلنة من ليبيا عندما قال ان "تقديرات جهاز المخابرات العراقي، واضحة جدا، منذ فترة طويلة، شخص الوضع في ليبيا بأنه احد بؤر الصراع التي قد تنفجر وتتحول هذه الدولة الوطنية بعد انهيار منظومة القذافي الى دولة فاشلة، وهذه الدولة الفاشلة تتشظى اجتماعيا".
واختصر علاوي صورة المشهد الليبي حاليا بالقول انها "ازمة معقدة ترتبط بصراع داخلي محلي – محلي، وكذلك صراع اقليمي دولي مع الجماعات الارهابية وكذلك صراع دولي اقليمي ما بين مشاريع تسير باتجاه روسيا والولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا في المقابل تركيا وقرب ليبيا من منظومة الأمن القومي المصري، وهذا يجعل الموضوع معقدا جداً، ولهذا تجد صراعا علمانيا اسلاميا مع تصارع تيارات فكرية، بالإضافة الى التيارات التكفيرية الموجودة في داخل ليبيا، وهذا كله يجعل المشهد الليبي معقد جداً".
ولعل هذا التداخل المعقد هو الذي يجعل الموقف العراقي ضبابيا نوعا ما. وغالب الظن ان بغداد لا تريد ان تجد نفسها في موقف يتعارض مع عواصم اقليمية ودولية ترتبط بها بعلاقات جيدة عموما ولا تحتاج الى عناصر توتير معها.
فعلى سبيل المثال، تركيا منحازة بوضوح في الصراع الليبي الى حكومة الوفاق التي يترأسها فايز السراج التي تعتبرها الأمم المتحدة "رسميا" الحكومة الشرعية في ليبيا.
لكن البرلمان الليبي في الجهة المقابلة، يعتبر ان حكومة السراج فاقدة للشرعية لانها لم تنل الثقة من مجلس النواب، بل رفضت مرتين، كما أنها لم تؤد اليمين الدستورية.
وقبل يومين فقط، تناول رئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح هذه الاشكالية الدستورية بالقول موضحا "لقد نتج عن اتفاق الصخيرات العام 2015 ما يسمى بالمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، الذي عجز عن الإيفاء بالالتزامات المتفق عليها، وأهمها أن مدة ولاية حكومة الوفاق عام واحد".
ولهذا، فقد تنامت السلطة الأخرى القائمة في الشرق الليبي يمثلها "الجيش الوطني الليبي" الذي يقوده المشير خليفة حفتر ويبدو انها مدعومة من مصر والسعودية والامارات، فيما تدعم تركيا وقطر حكومة السراج وتمولان قواته والميليشيات الموالية لها في الغرب الليبي والعاصمة طرابلس.
ولم يمض وقت طويل منذ ان اعلن الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ان مستجدات الأوضاع في ليبيا وشمال العراق وادلب في شمال سوريا، "أظهرت مدى قوة أداء تركيا".
وازاء هذا المشهد، وفيما الموقف الأميركي يتسم بالتناقض ويتركز على مراقبة مدى تزايد النفوذ الروسي في ليبيا، قد يبدو ان الحكومة في بغداد ستجد نفسها في موقف صعب بالانحياز الى هذا الطرف او ذاك. فالتعبير عن دعمها لحكومة الوفاق، قد يثير توترا مع القاهرة والرياض وابوظبي بالاضافة الى باريس، اما التعبير عن تأييدا لحكومة بنغازي في الشرق، سيثير أزمة في علاقاتها مع أنقرة هي بغنى عنها.
فهل اعتمدت حكومة الكاظمي مبدأ "النأي بالنفس" في التعبير عن موقفها من حرب ليبيا باعتباره أهون الشرور؟
يقول علاوي لوكالة شفق نيوز ان "العراق الآن لا يريد ان يتدخل مع طرف ضد طرف آخر، كون الموضوع معقد جدا، لكن العراق سيكون مع كل الحلول التي تعيد ليبيا الى وضعها الطبيعي وتعيد الأمن والاستقرار الى الشعب الليبي، وهو سيتعامل مع الملف الليبي من خلال عمل الجامعة العربية وعمل بعثة الأمم المتحدة وقرارات مجلس الامن الدولي، التي تدعم الاستقرار والأمن في ليبيا".
وفي 23 يونيو/حزيران الماضي، صدر ما يمكن وصفه بأنه التعليق الرسمي الوحيد لحكومة بغداد حول التطورات الليبية. فخلال مشاركته في الاجتماع الطارئ لجامعة الدول العربية عبر دائرة تلفزيونية مغلقة، قال فؤاد حسين ان العراق يؤكد على رفض التدخلات الخارجية في شؤون ليبيا وضرورة الحفاظ على وحدتها حكومة وشعبا، مؤكدا على ضرورة حل الخلافات بالطرق السلمية وتوحيد الكلمة لمنع التدخّلات الخارجيّة في الشأن العربي. وقال ان العراق يدعم جميع المبادرات الإقليمية والدولية التي تساعد في تعزيز الأمن والاستقرار في ليبيا.
وبحسب ما قاله علاوي، فان على المجتمع الدولي والاقليمي إيقاف التدخل الخارجي والمد التركي وإيقاف المحاور التي تغذي الصراع المحلي – المحلي"، مضيفا انه الخيار أمام الدولة الليبية.
وسيكون من المهم متابعة ما اذا كان احتدام الصراع الليبي، خصوصا في ظل التوتر الفرنسي – التركي حاليا في مياه البحر المتوسط حول ليبيا، ستكون له تداعيات سلبية على استقرار المنطقة برمتها، وما اذا كان العراق سيظل قادرا على التمسك ب"النأي بالنفس" القائم حاليا.