شفق نيوز/ تتبادل بكين وواشنطن الاتهامات مؤخرًا بشأن مصدر فيروس «كورونا» المستجد، ويأتي هذا مع محاولة الصين بإبراز صورتها على أنها البلد الذي عرف سبيل مكافحة الفيروس برغم تعرّضه لمؤامرةٍ أمريكية عرّضته لهذا الوباء. تتحدث الصحافية جين لي في تقريرها الجديد المنشور على موقع كوارتز عن أسباب نشرِ الخط الدبلوماسيّ الصينيّ لنظريات المؤامرة وتداعيات ذلك ضمن النطاق المحلي الصيني.
هو أمرٌ طُرح اقتراحًا من قبل ولكنه يُعلن الآن على الملأ لينتشر واسعًا في الأروقة الصينية. بدأ الأمر من تغريدةٍ نشرها الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية جاو ليجان على «تويتر» يوم 12 آذار الجاري، يشير إلى احتمالية أن يكون «الجيش الأمريكي هو من جاء بفيروس «كورونا» المستجد (كوفيد-19)» إلى منطقة ووهان في الصين، التي تعد المنطقة التي بدأ وانتشر منها الفيروس.
وأنعشت هذه التغريدة نشر نظرية المؤامرة الموجودة بكثافةٍ أصلًا على وسائل التواصل الاجتماعي الصينية. تفترض نظرية المؤامرة أن 300 لاعب رياضي من الجيش الأمريكي حضروا دورة الألعاب العسكرية العالمية السابعة المنعقدة في تشرين الأول 2019 في ووهان، كانوا مصابين بالفيروس ونشروه من هناك إلى ووهان والصين بأجمعها لاحقا.
يترافق تصريح جاو مع فيديو جلسة استماع في الكونجرس الأمريكي عُقدت قبل ايام بخصوص استجابة الولايات المتحدة الأمريكية للجائحة. يظهر في الفيديو مدير «المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC)» روبرت ريدفيلد ليقول إن بعض المرضى ممن شُخصت إصابتهم سابقًا بالوفاة بسبب الأنفلونزا هم في الحقيقة ماتوا بسبب الفيروس التاجي المستجد. انتشر هذا الفيديو بكثرة على شبكة التواصل الاجتماعي الصينية المحلية «ويبو»، الذي تعاضد مع تصريح جاو مؤديًا إلى تعزيز الاعتقاد لدى الكثيرين بأن الولايات المتحدة الأمريكية قد أخفت الحقائق المتعلقة بوباء «كورونا».
ترقّى جاو مؤخرًا إلى منصب المتحدث الرسمي في وزارة الخارجية الصينية بعد بنائه لسمعته التي تقدّمه دبلوماسيًا صينيًا يهاجم الولايات المتحدة الأمريكية باستمرار، ويقول التقرير أنه شرع بحظرٍ مستخدمي «تويتر» ممن سائلوه عن سبب نشره لهذه التغريدات المسببة لإحراج الحكومة الصينية ونشر نظريات المؤامرة على المنصة (وهي منصة محظورة أساسًا في الصين).
لم يثنِ هذا جاو عن متابعة الحديث في هذه النظرية، إذ شارك بعدها مقالتين من موقع «جلوبال ريسيرش» – وهو موقع لمنظمة تعرّف عن نفسها بأنها منظمة بحثية وإعلامية مستقلة مقرها مونتريال، كندا – وتفيد بأن الفيروس التاجي نشأ في الولايات المتحدة الأمريكية. نشر جاو المقالتين مع تعليق يقول ان «هذه المقالة مهمة للغاية لكل واحدٍ منا. الرجاء قراءتها وإعادة تغريدها». يشير التقرير إلى أن مؤسس «جلوبال ريسيرش» بالحقيقة اقتصادي كندي تبنى نظريات المؤامرة المرتبطة بوباء إنفلونزا الخنازير (H1N1)، وأحداث 11 أيلول 2001 سابقًا.
وقبل ظهوره الأول بصفة المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية الشهر الماضي، شغِل جاو منصب نائب رئيس البعثة في باكستان. ويمثل هذا المتحدث –إلى جانب العشرات من المسؤولين الصينيين والدبلوماسين في وزارة الخارجية – نمطًا أكثر صراحة وميلًا للصدّامية والمباشرة في تيار العلاقات العامة الهجوميّ في الصين.
ويقتبس التقرير تعقيب بروفسور الاتصالات في الجامعة الصينية في هونج كونج ،لوكمان تسوي، على الأمر «الدافع الرئيس للدبلوماسيين الصينيين للانضمام إلى تويتر هو سرد رواية الصين»، مشيرًا إلى عدم اعتقاده بحاجة الدبلوماسيين الصينيين إلى المصادقة عن كل تغريدة ينشروها لأن المسؤولين الصينيين لا يصلون أصلًا إلى السلطة من دون أن يعرفوا كل الحدود والقيود التي تخصّ عملهم في الصين.
في مؤتمرٍ صحفي عُقد يوم الجمعة 13 آذار الجاري، قال متحدث آخر باسم وزارة الخارجية جينج شوانج أنه يرفض التعليق المباشر على تغريدات جاو، لكنه صرّح بأن «لدى المجتمع الدولي آراء مختلفة» بشأن أصل فيروس «كورونا».
ووصل الفيروس التاجي إلى الولايات المتحدة، ورافق انتشاره تخبطًا واضحًا من جانب البيت الأبيض وهو ما لقى صداه عند الصين بردّة فعل مختلطةٍ ما بين التفاجؤ والزهوّ بل وحتى الابتهاج، يغذّي هذا التجاوب وسائل الإعلام الحكومية على نطاقٍ واسع. تزداد شعبية نظريات المؤامرة أيضًا التي تسعى بشتى صيغها إلى إبعاد فكرة نشوء الفيروس من الصين، وهي نظريات تعززها السلطات الصينية كذلك. وأضفت تعليقات جاو مزيدًا من الشرعيّة على تلك النظريات.
وانتشر هاشتاج على موقع ويبو الصيني يقول بأن «ليجان جاونشر بخمس تغريدات تسائل الولايات المتحدة الأمريكية»، وقد شُوهِد من قرابة 4 مليون حساب على المنصّة. وينقل التقرير أحد التعليقات التي نشرها أحد الحسابات الصينية، يقول التعليق «أعتقد بمعقوليّة هذه الخطوة. سواءً كان لدى جاودليلًا أم لا، لماذا لا نرى سوى السياسيين الغربيين يهاجمون الصين بنظريات مصطنعة ولا نرى المسؤوليين الصينيين بالمقابل يتساءلون عما إذا كان الفيروس قد نشأ في الولايات المتحدة؟".
وهو تعليق يشير غالبًا إلى تعليقاتٍ أدلى بها منصب عضو مجلس الشيوخ الأمريكي في أركنساس توم كوتن، تفيد بأن أصل فيروس «كورونا» قد يكون من مختبر فيروسات في ووهان الصينية، وهو ادّعاء رفضه العلماء على مستوى العالم.
ويقول التقرير أن أصل الفيروس التاجي قضية يستغلّها سياسيّو الولايات المتحدة الأمريكية أيضًا مع انتشار الوباء عالميًا ومحليًا. على سبيل المثال يصرّ وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو على استعمال مصطلح «فيروس ووهان» عند الحديث عن الوباء. كذلك الحال مع عضو الكونجرس الأمريكي في كاليفورنيا كيفين مكارثي، الذي تلقّى انتقادًا واسعًا لاستعماله تعبير «الفيروس التاجي الصيني» في تغريدةٍ له على تويتر.