أبرزت سلسلة من الاحتجاجات الواسعة النطاق في الشوارع حول العالم، من تشيلي وهونغ كونغ إلى لبنان وبرشلونة، الحاجة للبحث عن قواسم مشتركة وقضايا جماعية وراء هذه التظاهرات، فهل ندخل عصرًا جديدًا من الثورة العالمية؟ أم لا يمكن ربط الغضب في الهند حول سعر البصل بالتظاهرات المؤيدة للديمقراطية في روسيا؟
تختلف احتجاجات كل بلد من حيث التفصيل، ولكن يبدو أن الاضطرابات الأخيرة تشترك في عامل رئيس واحد، وهو الشباب. ففي معظم الحالات، يحتل الشباب مكان الصدارة في التظاهرات التي تطالب بالتغيير. والانتفاضة التي أطاحت بالنظام القديم في السودان هذا العام كانت مؤلفة من الشباب.
ووفقًا لصحيفة ”الغارديان“ البريطانية، لا يعتبر هذا الأمر مفاجئًا، إذ أشاد الشاعر الإنجليزي ”ويليام وردزورث“ بالرغبة الشبابية الأبدية في التمرد في قصيدة ”ذا بريلود“ التي تشيد بالثورة الفرنسية، وقال ”كانت الحياة نعيمًا في ذلك الفجر، ولكن الجنة كانت في الشباب“.
وفي حين أن الشباب، في أي عصر، عادة ما يكونون مستعدين للإطاحة بالنظام القائم، فإن الاختلالات الديموغرافية والاجتماعية والسياسية الشديدة تكثف من ضغوط عالمنا المعاصر، وكأن التلوث والتغيرات البيئية غير المسبوقة التي نشهدها اليوم يصاحبها توتر استثنائي مماثل في المجتمع البشري.
وصل معدل الشباب الذين يبلغون من العمر 24 عامًا أو أقل، إلى 41% من إجمالي سكان العالم البالغ عددهم 7.7 مليار نسمة، وهو أكبر معدل في التاريخ.
وفي أفريقيا، 41٪ من السكان هم دون سن 15 عامًا، وفي آسيا وأمريكا اللاتينية حيث يعيش 65٪ من سكان العالم، تبلغ نسبة الشباب 25٪ فقط.
في حين تميل البلدان المتقدمة إلى الاتجاه الآخر، حيث تبلغ نسبة الأوروبيين البالغين من العمر 15 عامًا أو أقل، 16٪ فقط، بينما تبلغ نسبة المسنين فوق سن الـ 65 حوالي 18٪، أي ضعف المتوسط العالمي.
ووصل معظم هؤلاء الشباب أو سيصلون إلى سن الرشد في عالم تعرض لصدمة الانهيار الاقتصادي لعام 2008، حيث شكل الركود الاقتصادي وانخفاض مستويات المعيشة وبرامج التقشف التي يفرضها النخبة السياسية، تجربتهم الحياتية. ولذلك، تتجذر العديد من الاحتجاجات الحالية في المظالم المشتركة حول عدم المساواة الاقتصادية والبطالة.
وفي تونس، مهد ”الربيع العربي“ الفاشل لعام 2011، وفي الجزائر المجاورة مؤخرًا، قاد الشباب المتعطلون عن العمل وطلاب غاضبون من الزيادات في الأسعار والضرائب الاحتجاجات في الشوارع، محتجين على الوعود الإصلاحية الفارغة، وهذا ما حدث أيضًا في تشيلي والعراق الأسبوع الماضي.
وتعتبر هذه الظاهرة العالمية المتمثلة في خيبة أمل الشباب قنبلة سياسية موقوتة. فكل شهر في الهند، يبلغ مليون شخص سن الـ 18 عامًا، ويصبح بإمكانهم التصويت. وفي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، سوف يدخل ما يقدر بنحو 27 مليون شاب سوق العمل في السنوات الـ 5 المقبلة، وأي حكومة، منتخبة أم غير منتخبة، تعجز عن توفير الوظائف والأجور اللائقة والإسكان، ستواجه مشكلة كبيرة.
وبغض النظر عن أعدادهم، لدى الأجيال الشابة المعاصرة شيء آخر افتقر إليه كبار السن، وهو أنهم متصلون، إذ أصبح معدل التعليم أكبر من أي وقت مضى، وهم أكثر صحة، وأقل تقيدًا بالتقاليد الاجتماعية والدين، وهم يدركون ما يحدث حولهم ويتوقعون الكثير.
وبفضل مواقع التواصل الاجتماعي وانتشار الإنجليزية كلغة مشتركة، وما أضافه الإنترنت من عولمة ومعلومات، أصبح الشباب من جميع الخلفيات والأماكن أكثر انفتاحًا على خيارات الحياة البديلة وأكثر انسجامًا مع الحقوق والمعايير ”العالمية“ مثل حرية التعبير والأجور العادلة، وأقل استعدادًا لقبول عدم الحصول عليها.
وتنتشر الاضطرابات السياسية الناجمة عن هذا التطور الاجتماعي السريع في جميع أنحاء العالم، وثورة الواتساب اللبنانية هي أفضل مثال على ذلك، ومع ذلك هناك احتجاجات ذات دوافع سياسية علنية مثل الاحتجاجات في هونغ كونغ وكاتالونيا.
ويواجه شباب هونغ كونغ مشاكل مألوفة مثل البطالة وارتفاع الإيجارات، ولكن من خلال انقلابهم على النظام الاستبدادي الصيني، اتخذ شباب الصين موقع الصدارة في الكفاح ضد الحكام الاستبدادين في كل مكان، وكان لحملتهم صدى دولي، وهذا ما يخشاه الرئيس الصيني شي جين بينغ.
فمن الصعب مشاهدة ما يحدث في أجزاء أخرى من العالم دون ربط أحداث مثل جهود شباب كشمير للإطاحة برئيس الوزراء ناريندرا مودي في الهند، كما يعتبر كفاح الشبان الفلسطينيين ضد الجيش الإسرائيلي بالأعلام والحجارة، جزءًا من نفس الكفاح العالمي من أجل تقرير المصير الديمقراطي والحريات الأساسية وحقوق الإنسان التي تبناها سكان موسكو الشبان الذين يعارضون حكم فلاديمير بوتين القاسي.
هناك عامل آخر يلعب دورًا كبيرًا في تفجر الاحتجاجات، وهو انتشار فكرة ميل الحكومات المنتخبة ديمقراطيًا، ولا سيما في الولايات المتحدة وأوروبا، للكذب والتلاعب والتضليل، فانعدام الثقة في السياسيين، وما ينتج عن ذلك من استقصاء لعامة الشعب، هو عامل مشترك يجمع حركة السترات الصفراء في فرنسا، والمسيرات التشيكية لمكافحة الفساد، وحركة ”التمرد على الانقراض“ البيئية. فكما قال الكاتب التاريخي ويليام هازليت ”أصبح التكذيب روح العصر الجديدة“.