بحسب تقارير صادرة من جهات معترفة، مثل التقرير السنوي لصندوق السلام التابع للأمم المتحدة (Fund For Peace) بالإشتراك مع مجلة السياسة الخارجية (Foreign Policy) وصف العراق منذ 2005 والی الآن في دائرة الـ"High Alert" أي الدول في حالة خطرة من الفشل/الهشاشة.
لکن العراق بقی بسبب عجز وفشل القيادات السياسية في إدارة أزمات النظام السياسي بعد 2003 علی حاله، لذا وصفوه أخيرا بالدولة الفاشلة ''Failed State''.
لقد قامت الأنثروبولوجيا والسوسيولوجيا دائماً بتصنيف أنواع المجتعات إلى نوعين: مجتمعات الدولة ومجتمعات اللادولة.
لکن هل يمكن في حالة العراق تحديدا الحديث عن الدولة بمفهومها المعاصر؟ لأن مانراه هو أن مؤسسات الدولة أصبحت بعد 2003 بؤرة للصراع الاجتماعي، لاتعمل وفق أسس الاستقلالية والحيادية وأن تنظيمات ما قبل الدولة كالقبيلة والطائفة والقومية هي من تدير شبكات العلاقات الاجتماعية فيها.
هناك عوامل اللادولة تستغلها أطراف إقلیمیة لتوسيع نفوذها، منها الأيديولوجيات الثورية التي لا تهتم بالحدود و لا تعطي قيمة للدولة الوطنية، بل تتحدث بإستمرار عن هوية عابرة للحدود، و زوال الحدود الفكرية و القومية وهناك خطط مبرمجة لإضعاف الهوية الوطنية الجامعة التي تحصن المجتمع من الإختراق و منع بروز المرجعية السياسية الواحدة، التي تمنع الإقتتال والتنازع و تعزيز عوامل اللادولة المیلیشیاوية لتنفيذ انتماءات ضيقة كالعشائرية و المناطقية و الطائفية لغرض تفكيك مفهوم الهوية وإختزال الدولة وتطبيق التمييز المؤدي للإستبداد.
أما النخب السياسية الحاكمة في بغداد فکانت لاتهتم بسيادة العراق، بل تسعی الی فرض السيطرة على المجتمع والبحث عن مخرج يؤمن له مكتسبات معينة، بدلا من إدارة شؤونه السياسية والاجتماعية والاقتصادية وبالمقابل لم نری المحاسبة المؤسساتية على الماسكين بالسلطة، الذين حولوا الانتخابات إلى وسيلة لضمان ممارسة السلطة والنفوذ، بدلاً عن غايتها الرئيسة في تحقيق التداول السلمي للحكم.
السؤال هو، کیف يستطيع إقلیم كوردستان، الذي يتضامن مع حکومة السيد مصطفی الکاظمي ويراقب خطواته، التعامل مع هذا الواقع ونحن نری اليوم العراق يتصدر تصنيفات الدول التي تعاني من انخفاض في جودة الحكم والاستقرار السياسي، وحكم القانون، حسب تصنيف البنك الدولي ويتصدر قائمة الدولة الأكثر فسادا حسب منظمة الشفافية الدولية مع الإستمرار في مهزلة التعددية المفرطة للقوی اللادولتية وسيطرة القوى الموازية للدولة على المجالات السياسية والإقتصادية والأمنية والغياب التام للدولة، وهيمنة “مافيات سياسية” في ظل إقتصاد ريعي على کافة مفاصل الحياة العامة؟
هل يکفي أن يرفع السياسيين في بغداد شعارهم الخطابي الفوقي في بناء دولة العراق الإتحادي الفدرالي دون أن يتقدموا الی فعل قانوني لکي یکتسب شعارهم المصداقية وينهوا بذلك أزمة القيادة والوعي بمفهوم الدولة وأزمة الوعي الطاغي علی إلتفافهم حول السلطة لا الدولة؟
ففي ظل هذا النظام الفوضوي القائم في بغداد لا تستطیع حکومة السيد مصطفی الكاظمي أن تصل الی حل للخلافات والمشاکل العالقة بين إقلیم كوردستان والعراق، بحلول دستورية وقانونية صحيحة وممكنة التطبيق مؤدية الی الإستقرار، أو تستمر، بل یمكن أن تنتهي مدة حکمها في غضون الأشهر القادمة، إذا ما لم تبدأ اليوم بدعم مؤسسات الدولة، وحماية حقوق الکیانات المختلفة في العراق وما لم تقوم بخطوات رادعة ضد رؤوس الفساد وتحجم دور المیلیشيات وتلغي مکاتبهم داخل المدن وفي المناطق المحررة وتنزع عنهم أسلحتهم الثقیلة والمتوسطة وتسلمها الی قوات الجيش والشرطة، خاصة تلك المیلیشيات التي لاتوافق مع الحکومة ولا ترید إنفتاح العراق على العالم الحر من منطلق العلاقات والمصالح المشتركة والاحترام المتبادل، بل تساند أجندات ومشاريع خارجية، هنا نقصد بالذات عناصر الدولة الموازية.
وختاماً نقول: في مجتمع متعدد، إن کان الوطن وطن، فأنه للجميع. إذن علیه ممارسة الشراكة الحقيقية مع شعب كوردستان، سواء كان ذلك في شکل فدرالي أو کونفدرالي لصنع المستقبل علی نحو إيجابي وعلیه أن تنتهي حروب الوكالات وتنتهي معها عملية جعل العراق ساحة لعب للميلیشيات العازمة علی إبقاء حالة الفوضی وحالة اللادولة.