لم تستوعب طغمة الفساد، حتى الآن، هدف الانتفاضة النهائي الذي هو التغيير الشامل، والذي يأتي على أسس العملية السياسية الجارية في اتجاه بناء دولة المواطنة، وتخلصيها من المحاصصة والفساد. كما انها لم تدرك الغاية من استمرار الانتفاضة وتواصلها وتمسك المنتفضين بالنهج الوطني الديمقراطي الحقيقي، في مقابل نهج المحاصصة الذي دأبت القوى المتنفذة على السير فيه، فانتج كل هذا الخراب الذي شمل مرافق الحياة جميعا..
لم تتمعن طغمة الحكم في مغزى إصرار المنتفضين على التغيير، وعدم تراجعهم رغم شدة القمع وقسوته. حيث قدم الشعب التضحيات الجسام في تحدٍ فريد، تجاوز معه عدد الشهداء 500 شهيدا والجرحى 20000 جريح اضافة الى اعداد كبيرة من المعتقلين والمغيبين.
لقد استعصى على عقل الطغمة الحاكمة تتبع التنامي في الاحتجاجات الشعبية، وتحولها الى انتفاضة واسعة. وهي في ممانعتها واستهتارها بدماء الشبان وعموم الضحايا ورفضها الانصياع الى مطالب الانتفاضة والتجاوب مع اهدافها، انما تمانع عبثا ومن دون جدوى، ولن يجلب لها ذلك الا المزيد من السخط والغضب والا العزلة التامة عن الشعب..
لقد تخلف العقل البليد للطغمة الفاسدة عن فهم اصرار المنتفضين العجيب على بلوغ الهدف المنشود.
واصيب المتنفذون بالانفصام عن الواقع، فلم يروا الجديد في المشهد السياسي ولم يلحظوا التغير في موازين القوى الذي حققته الانتفاضة، فوضعتهم مكشوفين امام مأزقهم وحصرتهم في زاوية ازمتهم المعقدة، وتركت لهم خيارا واحدا لا غير، هو خيار الرحيل وليس سوى الرحيل ( بخويطهم). الشعب لا ينتظر منهم حلا، وأيّ حل عندهم غير التمسك بالسلطة عبر المراوغة واللعب على الوقت والرهان على تعب المنتفضين وعودتهم الى بيوتهم. وهذا اقصى ما يبلغه فكرهم الخائب، الذي لا يريد ان يستوعب المشهد السياسي الجديد.
لقد صمّت الطغمة الفاسدة آذانها ازاء صوت الشعب الهادر، ولم تدرك ان لا عودة الى من اتبعوا نهج المحاصصة، وان لا مجال للفاسد ومفاسده ولا مكان للفاشل ولا فرصة للأتباع والذيول. لن يمكن القبول ببقاء الطغمة الحاكمة واتباعها واذنابها متصدرين حكم العراق، وهم من تسببوا في الازمات وانتجوها. ان الشعب لا ينتظر منهم سوى الرحيل.
نعم، الحل لم يبق بيد طغمة الفساد وعليها ان تعي ذلك. انما الحل بيد الشعب العراقي الذي لخص ذلك في خارطة الطريق، وفي التفصيلات التي بلورتها ساحات الاحتجاج وطرحتها بوضوح كامل، وهي تشدد على تشكيل حكومة وطنية من شخصيات مستقلة كفؤة وشجاعة في تصديها للقتلة ولطغمة الفساد والافساد.