ان مشروع بناء الدولة العراقية منذ سقوط النظام السابق في عام 2003 بني على ان يكون دولة مكونات ، الذي يواجه تحدياً كبيراً وخطيراً منذ عقود ومن شتى الاطراف الداخلية والاقليمية والدولية ويتمثل بتغلب الانتماء الاثني والمذهبي على الانتماء الوطني ويزعزع التعايش السلمي بين حين واخر والذي استيقض على حين غرة وتفاقم ضمن نسيج المجتمع العراقي وخلق كيانات سياسية متعددة ومتقاطعة حتى بين المكون الواحد تهدد كل شيئ فيه وتضرب بقوة اساس كيان المجتمع رغم تماسكه لاسامح الله .
ان من المعروف ان الشعب العراقي يتكون من تعددية قومية ودينية ومذهبية وما قامت به قوات الاحتلال عند دخولها بإعادة تشكيل الدولة اعتمدت عليها متقصدة لتضعيف وحدته ، بعد ان قامت بحل مؤسسات الدولة المختلفة وخاصة الامنية والعسكرية وعملت على الاستقطاب الطائفي في عملية بناء الدولة العراقية التي تمثل اللبنة الثانية بعد الدستور وتشكيل معظم القوى والاحزاب السياسية العراقية على اساس ولائها للمكون و عانت هذه القوى من غياب رؤية واضحة لمفهوم الدولة وعملية بنائها لكونها حديثة الممارسة للسلطة وانشغلت بالتشبث بها مما خلقت الصراعات البينية داخل قياداتها وكذلك عملية صياغة الدستور العراقي الدائم لسنة 2005م المتسرع الذي شجع المكونات ونظام المحاصصة الطائفية في ديباجته وقام بتأسيس مجلس الحكم على اساسها بتشجيع من بول برايمرالحاكم الامريكي الذي قاد العملية والذي اعتمد في العملية السياسية والمستهدف من هذه العملية هي مكونات الشعب العراقي الذي عانى من ظاهرة عدم الاستقرار السياسي وتفكيك البناء الثقافي والاقتصادي والمجتمعي والتدخل الخارجي ومستقبل النظام حتماً سوف يبقى في ظل التوترات والازمات والاوضاع التي عانى منها ، فهل يمكن اقامة دولة مواطنة وفق الاسس التي تستند عليها واستقرار مستقبل المكونات في حال تحقيقها .؟
ولاشك ان دولة المكونات ومستقبلها التي تخلق التصدع وازمة الشرعية وانعدام الثقة والعنف السياسي واستعمال القوة الغيرمقبولة تؤدي الى استمرار العنف المسلح وسيطرة الجماعات المسلحة التي ستبقي العراق مفككاً وضعيفاً وتترك آثارا سلبية بل خطيرة على مستوى الحياة للفرد والدولة خصوصا في زعزعة الاستقرار،والذي يواجه استقراره تحديات ومحددات عدة.
تنسحب تماما اوصاف الوضع الداخلي العراقي على وضعه الخارجي، فاذا كان داخليا يعاني من نظام المحاصاصات الطائفية والفوضوية والعنصرية والمناطقية ومن الفساد الشامل، فأنه خارجيا يشرب من نفس الكأس التي تسقيه، لتبقيه تابعا ضعيفا متسولا رغم كل الامكانات المتوفرة خانعا وخائفا ومنهوكا، يتطاول عليه حتى من هم اقل منه شئنا وقدرة، بل ومن هم اقزام في موازين القوى السائدة اقليميا فلابد ان تاخذ بالحسبان التحديات الاستراتيجية التي يواجهها ضمن اقليمه ومن ثم ضمن المجموعة الدولية لتصيغ بالتالي عقيدة برنامجية وفلسفية عملية، قريبة وبعيدة، كاستجابات ضرورية للتعامل مع تلك التحديات الموضوعية والذاتية، المنظورة وغير المنظورة .
كما يعاني الواقع العراقي من استمرار حقيقة المشهد السياسي المصطنع الذي يؤشر لضعف أدوات العملية السياسية، وعدم إمتلاكه الإرادة الحقيقية، للبدء بخطوة جادة نحو توحيد الأهداف والتأسيس لرؤية مشتركة، لرسم مسارات صحيحة لإنقاذ المجتمع العراقي، ومعالجة أزماته السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية، وما زالت الآليات المتبعة في حكم العراق وإدارة شؤونه تستند للعمل السياسي الفئوي للحركات والأحزاب السياسية، متجاهلة بذلك الطموحات والآمال الشعبية بتجاوز أزمات البلاد، التي تمظهرت بالانفلات الأمني وهدر الثروات وتفكيك البنية المجتمعية. لقد أثرت الانقسامات والصراعات السياسية المحلية في العراق سلبيا على قدرة حكومته، في تبني سياسة خارجية، تحافظ على المصالح الإستراتيجية العراقية، ويمكن أن نقول هنا، إن الافرازات الناتجة عن الوضع العراقي، تشكل مدخلات اضطرارية للتأثير والتأثر بالنسبة للدول المحيطة، التي تهدف من حركتها على الساحة العراقية تأطير شروط تعاملها مع الولايات المتحدة والقوى المؤثرة في المشهد العراقي بعدة محددات، لضمان مصالحها .
ان ما يتسم به الوضع في العراق من تعددية في الانتماء ستؤثر بالتأكيد في مستقبله خصوصاً في ظل تعدد المرجعيات المجتمعية المنبثقة عن تلك التعددية الانتمائية، نظرا لهشاشة المرجعيات السياسية المتولدة عن التغيب القسري للقِوى السياسية المعارضة والمنع التام لقيام أي تفاعلات سياسية على الساحة العراقية الداخلية وعلى مدى عقود عدة، مما أدى بالمحصلة إلى ضعف النُخب السياسية البديلة، ومن ثم ضعف تأثيرها.لكن إذا ما كانت هذه التفاعلات قد ولدَّت جملة من الصراعات على الساحة الداخلية العراقية فإن القراءة الاستراتيجية لهذه الصراعات تجعلنا نخرج بنتيجة مؤداها إن الصراع السياسي والاستراتيجي الدائر في العراق لذو اتجاهين أحدهما يتعاطى مع الواقع العراقي المجتمعي بكل أبعاده وتفرعاته، والثاني يفرز حالة من الإدارة الاستراتيجية لقِوى الاتجاه الأول ويعكس حجم المؤثر الإقليمي والدولي.فالرؤية الكلية – الاستراتيجية والتكتيكية – للصراع تفرض على المتابع، إذا ما اراد الوقوف على آلية إدارته وان ينظر الى الامور بوضوح الرؤية في إدارة العلاقات مع محيطه الإقليمي، إذ أن السلوك الحالي على صعيد السياسة ، حتّى هذه اللحظة، لا يزال قائماً على أساس ردود الأفعال، ولا يُعد مبادرا فعليّا. إذ لا توجد ملامح واضحة لسياسة تنطلق من مبدأ تحقيق المصلحة الوطنية في العلاقات الخارجية ولارتقاء منجزات الحضارة الحديثة داخلياً والتي تمر عبر تطوير علاقات مؤسسات الدولة فيما بين ومع المواطنين وخلق حالة تماس مباشر معهم ، والعمل على تبني مبادئ الديمقراطية بمقتضياتها الثقافية والسياسية لقدرتها على ردم الهوة بين مختلف مكونات المجتمع و تجديد الوفاق الوطني و تفعيل الحياة السياسية الحقيقية السليمة .