2017-11-04 10:49:00
 

  ما الذي يحدث بين أربيل وبغداد؟ قبل الإجابة على هذا السؤال، لابد من السؤال، ما الذي حدث بينهما؟ وهذا السؤال بدوره يستدعي طرح العديد من الأسئلة الأخرى، مثل، هل قام الكورد بصناعة القنبلة النووية التي بإستطاعتها تدمير العالم؟ أم أجروا  تجربة صاروخية أو بالستية عابرة للقارات تحمل رؤوساً مدمرة؟ أم صنعوا أسلحة كيمياوية وجرثومية تهدد البشرية؟. الجواب كلا.  لذلك نسأل: لماذا تعرضوا لحملة التحريض والحصار والتجويع؟ ولماذا تم اختلاق الذرائع، على لسان المسؤولين في بغداد وأنقرة وطهران، وبعض المطبلين والمستكتبين، التي تشكل دليلاً على إستمرار الحروب السابقة التي تعرضوا لها، وتؤكد أن خطة اللجوء الى إستعمال القوة ضدهم كانت معدة مسبقاً وكانت بإنتظار الذريعة لشنّها والترويج لها عبر ماكينات إعلامية تشوه الحقائق وتزورها، وتبث سموم التحريض ضد المواقف الثابتة للشعب الكوردستاني، وتحاول عرقلة تطلعه المشروع نحو الإستقلال، وتحويله إلى مسألة رغبات شخصية. والغريب في الحملة أن الأركان الأساسية لتلك الحملة هم من إخوة الأمس، الذين جعلونا اليوم العدو الأول لهم ولشعوب ودول الجوار، ويرسلون رسائل الود والنفاق لكل من يتطوع لمعاداتنا في السر والعلن ويرفض حقوقنا. كما أن الإجابة تستدعي إستذكار سلسلة طويلة من الأحداث، بعضها ثابتة لاتتغير، وبعضها غير مستحبة و يا ليتها لم تحدث. وبعضها مصطنعة جلبت معها الأزمات والتواترات، وبعضها فرضت نفسها بتأثيرات التدخلات الخارجية، ولبعضها مزايا لاتقود إلا الى المشكلات.

في أربيل، عندما أصر الرئيس مسعود بارزاني،المتلهف لتحقيق مصير شعبه، والمؤمن بحق الجميع في العيش بالرفاه و المساواة و العدالة والحرية، على إجراء الإستفتاء، وأغلق كل الأبواب أما الأصوات التي كانت تنادي بتأجيله أو إلغائه، وحينما قرر الكوردستانيون بإرادتهم الإنطلاق نحو الإنعتاق والاستقلال عن العراق، والتخلص من وصاية بغداد، كان الرئيس على علم بأن الرياح ربما لا تسير كما نشتهي، ولا ننجح بسرعة الى الوصول إلى النتائج المرجوة، وقد يفتح علينا أبواب الجحيم. وقد يعتبر البعض إن الرئيس مسعود بارزاني أخطأ في حساباته التي ذهب على أساسها نحو الاستفتاء، ويتهمونه بعدم إستطلاع الموقف الأميركي، وعدم جس نبض إيران وتركيا، وعدم تأمين الجبهة الداخلية، والبعض الآخر يرجحون وقوعه في فخ. ولكن هذا الرجل الفذ، خلال مسيرته التاريخية الطويلة، واجه مصاعب كثيرة، ولم يقع في فخاخ الآخرين ولم يسجد أو يركع لغير الله. مارس السياسة بعقلانية وحكمة، وشجاعة ونزاهة وزهد وترفع عن النكايات، ووصل إلى رئاسة الحزب الديمقراطي الكوردستاني ورئاسة الاقليم دون أن يكون قد سعى إليهما، ولاتختلف الأمور عنده إن جلس في مكتب فخم، أو تحت خيمة في سفح جبل، أو في خندق مع إخوانه وأبنائه البيشمركه. وما أنجزه من خلال الإستفتاء يعتبر بمثابة كلمة الفصل في التاريخ، وستكون نتائجه ملزمة تاريخياً لدى الكوردستانيين عموماً، والأحرار العراقيين الذين يفهمون القواعد الديمقراطية، وشعوب العالم الحر. أما بخصوص توقيته فقد كان موفقاً وصحيحاً، لأنه كان قد صرح أكثر من مرة بعدم رغبته في البقاء على كرسي الرئاسة ويريد أن يغادرها بطريقة ديمقراطية كريمة ولائقة.

وفي بغداد، يقف السيد حيدر العبادي أمام الكاميرات وهو يطلق تهديداته في اتجاه الكورد ويتباهي بدعم الدول الاْجنبية، ويثير استغراب الذين من حوله، قبل إستغراب الآخرين. إستغراب الذين من حوله يكمن في أنه يريد الظهور بمظهر القائد العسكري المنتصر في الحرب، في حين يؤكد على الدوام إنه لم ولا يحارب الكورد، ولكنه يستفزهم ويحاول أن يفرض عليهم الأمر بإستخدام القوة. ويثير إستغراب الآخرين، لأنهم يعلمون أنه لم ينتصر في المعركة مع الكورد، إلا بعد طعن الكورد من الخلف من قبل (بعض الكورد)، وأن القوات التي يفتخر بها حاصرت قرية بشير لمدة سنتين ولم تستطع تحريرها إلا بعد دعمها ومساندتها من قوات البيشمركه، ولم تحرر الموصل وبيجي والفلوجة والرمادي وتكريت إلا بعد تدميرها، ولا نعيد هنا ما ذكره المالكي وغيره بشأن الإتفاقات التي وقعت بخصوص السيطرة على تلعفر والحويجة دون قتال، والاْستعانة بالأجنبي وهدر ثروات العراق.

وبالعودة الى ماذا يحدث بين أربيل وبغداد، نقول يجب أن نستحضر أحداث الماضي بعقلية علمية ناقدة، ونقرأ ونستقرئ وقائع الحاضر بعين فاحصة لنستشرف بهما المستقبل وما يحتمله من الخطأ والصواب، لنستطيع التعامل مع اﻷحداث المستجدة الشائكة التي تطفو على السطح وفق العقل والمنطق.

السيد العبادي قد وقع في شرك الاْخطاء، ولايمكنه الإحتفاظ بساسة لي الأذرع الكوردية والسنية من جهة، والإبقاء على التوافق مع إيران وأمريكا وتركيا من جهة أخرى، والحرب على الكورد دون تعميق للخلافات بين العرب والكورد. أما حسابات بيدره فستكون مختلفة بالتأكيد مع حسابات حقله، لأن الذين يظنون أن إلغاء الاستفتاء، بقرار حكومي أو برلماني أو قضائي، يعني إلغاء النتائج التي ترتبت عليه، واهمون مع  سبق الإصرار، لأن الإستفتاء شهادة ووثيقة وصك موقع من قبل ثلاثة ملايين شخص، يقرأ بكل اللغات ويمكن صرفه في كل المصارف، وهو نشيد وطني ينعش الثورة في قلوب الكوردستانيين أينما وجدوا. والإصرار على إلغائه سيقلب الطاولة على من لبسوا ثوب الديمقراطية دون الإيمان بها، ويبين بطريقة فاجعة أن الديمقراطية التي يفتخر بها العراق لم تكن سوى ديمقراطية من ورق.