2020-02-16 14:37:53

مدى شمول المدان بعقوبة السجن مدى الحياة بنظام الإفراج الشرطي وعلاقته بالمادة 11 من قانون العفو العام رقم 27 لسنة 2016

 

خلال العمل القضائي في سوح المحاكم تم استشعار تصور خاطئ لدى البعض بأن عقوبة السجن مدى الحياة قد تم تخفيضها الى عقوبة السجن المؤبد استنادا للمادة 11 من قانون العفو العام رقم 27 لسنه 2016 وبذلك توالت الطلبات للمحكومين بتلك العقوبة للاستفادة من نظام الإفراج الشرطي، ولاستجلاء الضبابية التي وقع بها البعض عن غير قصد في الفهم القانوني لتفسير المادة 11 من قانون العفو العام انف الذكر ومدى علاقتها بعقوبة السجن مدى الحياة نبين الأمور الآتية:-

إن المبنى اللغوي للعقوبات السالبة للحرية تعني سلب حرية المحكوم عليه للمدة المحددة في الحكم بناء على الحدود المبينة للعقوبات في القانون بالنسبة لكل جريمة من الجرائم، والمشرع العراقي قد اخذ بمبدأ تدرج العقوبة السالبة للحرية حسب جسامة الجريمة من الحبس البسيط والحبس الشديد والسجن المؤقت والسجن المؤبد (وهي اشد عقوبة سالبة للحرية ـــ عشرون سنة كما حددتها المادة 87 من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل)، إلا إن قانون العقوبات المذكور لم يعرف عقوبة السجن مدى الحياة وقد وردت هذه العقوبة في أوامر سلطة الائتلاف المؤقتة المنحلة في العراق رقم 7 لسنة 2003 القسم 3 / 1 منه ورقم 31 لسنة 2003 في صورتين وهما :-

 1 - الصورة الأولى باعتبارها عقوبة بديلة عن عقوبة الإعدام حيث نصت الفقرة 1 من القسم 3 من أمر سلطة الائتلاف رقم 7 لسنة 2003 على تعليق عقوبة الإعدام في كل حالة تكون فيها عقوبة الإعدام هي العقوبة الوحيدة المنصوص عليها لمعاقبة مرتكب الجناية ويجوز للمحكمة أن تستعيض عنها بمعاقبة المتهم بالسجن مدى الحياة أو بفرض عقوبة أخرى عليه اقل منها وفقا لما ينص عليه قانون العقوبات.

2 - الصورة الثانية باعتبارها عقوبة أصلية بأمر سلطة الائتلاف المؤقتة المنحلة رقم 31 لسنة 2003 في جرائم الخطف المنصوص عليها في المواد من 421 و422 و423 من قانون العقوبات وجريمة الاغتصاب المنصوص عليها في المادة 393 من قانون العقوبات وجريمة كسر أو إتلاف أو تخريب أو الإضرار بمرفق المياه والكهرباء أو الغاز أو غيرها من المرافق العامة أذا كان من شأن ذلك تعطيل المرفق المنصوص عليها في المادة 353/ من قانون العقوبات وجريمة السرقة المنصوص عليها في المواد من 440 ــ 443 من قانون العقوبات إذا ارتكبت على وسيلة من وسائل النقل باستخدام العنف وجرائم الاعتداء على وسائل المواصلات العامة المنصوص عليها في المادة 355 من قانون العقوبات، وأمر سلطة الائتلاف المؤقتة المنحلة رقم 3 لسنة 2003 الذي نصت الفقرة (5) من القسم (6) منه على أن الحكم بالسجن المؤبد لأغراض هذا الأمر يعني السجن طيلة حياة هذا الشخص.

بالتالي فان عقوبة السجن مدى الحياة مؤداها ان المحكوم بها يقضي مدة محكومتيه بالمؤسسة الإصلاحية حتى نهاية أجله بالوفاة.

في حين نظام الإفراج الشرطي يقصد به هو (طلاق سراح المحكوم عليه بعقوبة سالبة للحرية قبل انقضاء كل مدة عقوبته، إطلاقا مقيداً بشروط تتمثل في التزامات تفرض عليه وتقيد حريته، إذا أمضى ثلاثة أرباع مدة محكوميته إذا كان بالغا وثلثي المدة إذا كان حدثا) كما أشارت الى ذلك أحكام المادة 331 / أ من قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 المعدل. بالتالي فأن عقوبة السجن مدى الحياة وفقا لمفهومها القانوني غير مشمولة بنظام الإفراج الشرطي لعدم وجود مدة محددة يمكن من خلالها معرفة ساعة حلول اجل المحكوم كون الأعمار بيد الله سبحانه وتعالى أضافه الى أن أمر سلطة الائتلاف المؤقتة المنحلة رقم 31 لسنة 2003 القسم 4/2 منه قد عالجت صراحته موضوع عدم شمول المحكومين بالسجن مدى الحياة بنظام الإفراج الشرطي وفق نص الجملة الأخيرة من القسم انف الذكر بعدم شمول المحكومين على وفق أحكام المادة 353/1 من قانون العقوبات بنظام الإفراج الشرطي.

والمهم من ذلك كله لابد من إزالة الغموض الذي اكتنف التفسير الخاطئ وغير الصحيح لنص المادة 11 من قانون العفو العام رقم 27 لسنه 2016 بذهاب البعض إلى القول إن عقوبة السجن مدى الحياة قد تم تخفيضها الى عقوبة السجن المؤبد استنادا للمادة المذكورة، فهذا التفسير ينطوي على فهم خاطئ وغير صحيح، لدلالة ألفاظ النص ومراميه، فالنص جاء لأغراض تطبيق قانون العفو العام بقوله (تخفض لأغراض هذا القانون عقوبة السجن مدى الحياة إلى السجن المؤبد), وبالرجوع إلى قانون العفو العام نجده قد رسم خارطة طريق لتطبيق أحكامه من خلال ثلاثة محاور قانونية تناولها هي :-

1 - المحور الأول العفو ونصت عليه المواد (1و2و3و4و5و8) منـــــه.

2 - المحور الثاني الاستبدال ونصت عليه المادة (6) ويعني استبدال ما تبقى من العقوبة السالبة للحرية بالغرامة.

3- المحور الثالث نظام أعادة المحاكمة ونصت عليه المادة (9).

وهنا منطقا وعقلا لا تقوم أية ضرورة عملية لخفض عقوبة السجن مدى الحياة إلى السجن المؤبد عند تطبيق العفو أو إعادة المحاكمة لأن معرفة مقدار مدة السجن هنا لا تثير أية إشكالية في تطبيق الأحكام القانونية الواردة في هذين النظامين، إلا أن معرفة هذه المدة لابد منها إذا ما أريد تطبيق نظام الاستبدال، والسبب في ذلك يعود إلى أن مدة عقوبة السجن مدى الحياة تنتهي بموت المحكوم عليه وساعة حلول الأجل بيد الله سبحانه وتعالى، لذلك لا يمكن التوصل إلى معرفة مقدار مدة السجن مدى الحياة، ولما كانت شروط تطبيق الاستبدال تستلزم أن يكون المحكوم عليه قد أمضى ثلث مدة محكوميته ويستبدل ما تبقى منها بالغرامة المقررة في القانون نفسه ولا يمكن معرفة ثلث مدة السجن مدى الحياة وما تبقى منها دون تحديد مقدارها الكلي، لهذا جاء قانون العفو العام بضابط وهو اعتبار مدة السجن مدى الحياة في هذه الحالة سجنا مؤبدا لمعرفة ما انقضى وما تبقى منها، فإذا تبين انه قضى ثلث المدة وكانت جريمته من الجرائم المشمولة بالاستبدال، فيستبدل بناءً على طلبه ما تبقى من مدة محكوميته بالغرامة، وبذلك وضع المشرع نظاما عمليا لتطبيق نظام الاستبدال على المحكومين بالسجن مدى الحياة قبل صدور قانون التعديل الأول لقانون العفو العام رقم 81 لسنة 2017. وبذلك لا يصح إطلاق حكم المادة (11) من قانون العفو العام بتخفيض عقوبة السجن مدى الحياة لتشمل جميع المحكومين بهذه العقوبة بل أنها تشمل المحكومين المراد شمولهم بنظام الاستبدال الوارد في قانون العفو العام. ولو أراد المشرع خفض هذه العقوبة لجميع المحكومين إلى السجن المؤبد لما ذكر الجملة الاعتراضية في صدر النص (... لأغراض تطبيق هذه القانون..) مخصصا هذا الحكم بقانون العفو العام دون سواه من القوانين الأخرى، ولهذا فان القضاء العراقي أزال الضبابية التي وقع بها البعض عن غير قصد في الفهم القانوني لتفسير المادة 11 من قانون العفو العام وتصدى لبيان ذلك بشكل مفصل وان أولى محاكم الاستئناف في البلد أصلت الفكرة القانونية أنفة الذكر هي رئاسة محكمة استئناف البصرة بصفتها التمييزية بقرارها التمييزي المرقم 239/ ت/ جزاء / 2018 فـــــــــــــــــــــي 29/ 8/ 2018.