2019-06-26 14:39:47

من المعروف بأن الهدف في تشکيل حکومة أئتلافیة هو ضمان أغلبية برلمانیة لمساندة الحکومة و تمکینها في تنفيذ برنامجها السياسي، الذي یتطلب کما هو مألوف تمرير قوانين داخل البرلمان بأغلبية دون کلل أو ملل. 

لکن الأمر في إقلیم كوردستان يختلف بعض الشيء عن ما هو معروف في هذا الإطار، إذ كان بإمکان الحزب الديمقراطي الكوردستاني، وهو الفائز الأول والحائز علی (٤٥) مقعد برلماني من أصل (١١١) مقعد، أن یحصل بسهولة علی أغلبية برلمانية دون اللجوء الی إرضاء أحزاب أخری عنيدة لتشکيل الحکومة القادمة، بعد مفاوضات عسيرة دامت لأكثر من ثمانیة أشهر قدم خلالها مع إیمانها الکامل بالحوار و لغة التفاوض تسهیلات أو تنازلات قد تعتبر مؤلمة عند أعضاء و موالين لهذا الحزب الفائز. 

نتائج الإنتخابات عكست إرادة الشعب وميولە السياسية الحقيقية نحو الحزب الوطني المؤمن بحق تقرير المصير  والسيادة. 

أن سعي الحزب الأول في كوردستان لتشکيل حکومة إئتلافية في إقلیم كوردستان، یمکن تسمیتها بحکومة الوحدة الوطنية، هو نتیجة للوضع الإستثنائي الذي عاشه و یعیشه الإقليم بعد مرورە وإجتیازه سنوات حرب ضد التنظیم الإرهابي داعش و خروجه منتصراً علی تلك المخاطر الجسيمة و بعد تحمله تبعات الحصار  والعقوبات اللاإنسانية التي فرضت من قبل حکومة بغداد علی شعب الإقلیم بسبب مشاركتهم الفعّالة في عملیة دیمقراطیة، ألا وهي الإدلاء بأصواتهم في إستفتاء جماهيري تاريخي لإستقلال كوردستان، کلنا ثقة بالحکومة الجديدة في الإقلیم فإنها سوف تكون متینة في أدائها و قديرة في تنفيذ برنامجها الإداري. 

أما فیما یخص فاعلية البرلمان، فهناك حاجة ملحة إلى أن يؤسس البرلمان قنوات اتصال أفضل بينه وبين الناخبين على المستويين الشخصي والمؤسسي، مما سيعزز من شفافية أكبر ومشاركة شعبية متزايدة في العملية الديمقراطية، الأمر الذي تشتد الحاجة إليه مع تنامي احتمال خيبة أمل الناخبين. 

 

نحن نعرف بأن الإئتلافات النخبوية العابرة للأيديولوجيات بدون قاعدة دعم شعبي لاتنجح. ومن الأهمیة بمکان أن یتخذ البرلمان نهج استباقي مستقل لمتابعة التشريعات و زیادة الشفافية في أنشطة البرلمان و یرکز علی أهمیة عمل النخبة الفاعلة والقاعدة الشعبیة لإعادة الثقة البعض بالآخر و بالمؤسسات السیاسیة و الإجتهاد في أحیاء مسودة الدستور وإعادة صیاغتها بما تناسب التطورات الحاصلة علی مستوی العراق والمنطقة و مسألة نجاح الإستفتاء لتحدید معالم ومسؤولیات إقلیم كوردستان في المستقبل. 

بما أن الدستور الجديد هو وثيقة تهتم بحقوق وواجبات كافة المواطنين، فينبغي لعملية الصياغة أن تعكس ذلك  و تحدد دور قوات البیشمرگة البطلة في إقلیم كوردستان أولوية دستورية.

في عالمنا الیوم و مع التطورات التقنیة السریعة في میادین مختلفة أصبحت الدیمقراطیة التمثیلیة، العددیة، الموسمیة، بدائیة، یمکن لها أن تنقلب ضد الحریات و تأتي بالأصوليات الدینیة، لذا علینا ممارسة أشکال جديدة للدیمقراطیة الیومیة والمیدانیة والقطاعیة، في الساحات و عبر الشاشات و الصحافة و شبکات التواصل، بالإضافة الی الدیمقراطیة التي یمارسهما الفاعلون في مناقشاتهم و مداولاتهم في مختلف حقول المجتمع و دوائره وأصعدته. 

إذن علینا تطوير نماذج الدیمقراطیة فکراً و ممارسةً، وإبتکار مانحتاج الیه من أعمال الرقابة والمحاسبة والمناقشة والـساركة في صوغ السیاسات والقرارات، من المساحات والأطر والقواعد والآلیات. 

فالنماذج الناجحة في إدارة السلطة في العالم ترکز علی كرامة الإنسان والاعتراف الكامل بقدرته وقيمته وخصوصيته من خلال تكوين إنسان عن طريق التربية والتعلیم.