2020-01-25 06:12:18

الشيعة ينظرون إلى النظام الاتحادي بمنظار إيديولوجي لا يروا خلاله سوى أنفسهم؟

مما لا يخفى على كل متابع لبيب، أن الإيديولوجية أن كانت سياسية أو تلك التي غلفت بغلاف الدين ولها علاقة مبدئية بالأرض أو السماء لا يستطيع معتنقها الخروج من قطر الدائرة الوهمية التي خطت خطوتها حوله وذلك بتسميات متعددة وفق اللغة السائدة عندها كتلك التي تسمى عند أصحاب الأفكار الوضعية الخروج على المقررات والمبادئ وعند غيرهم تسمى الوقوع بالمحذور العقدي الذي عندهم هو الحرام وعكسه الحلال. إن كتب التاريخ قديماً وحديثاً لم تبخل علينا في هذا المضمار الحيوي لقد قدمت لنا نماذج عديدة للمدارس الوضعية التي تؤمن بكل شيء حولها وتدرك بالحواس، أو تلك التي عكس المدرسة الوضعية، التي لديها أفكار محنطة وتؤمن بالأشياء المجردة، أو بتلك التي فيما وراء الطبيعة. مما لا شك فيه، أن الكوردي الذي يحمل إيديولوجية ما بخلاف الأمم الأخرى التي تجعل من الإيديولوجية أداة طيعة لخدمة شعبه، بينما الكوردي يصب كل قدراته الذهنية والجسدية للدفاع عن الإيديولوجية التي يحملها ويترك قضايا شعبه المصيرية تحت رحمة أعدائه الأوباش، وفي أفضل الحالات تأتي عنده الإيديولوجية أولاً ومن ثم، في المرتبة الثانية أو الثالثة قد يتعاطف مع قضية شعبه المصيرية؟! لأن الإيديولوجية يسلبه انتمائه القومي والوطني، وهذا هو الذي جعلني أن لا أستسيغ أية إيديولوجية، لقد شاهدت بأم عيني كورد وقفوا مع المحتل البغيض الذي يعد الكورد جنس من دون البشر ضد أبناء شعبهم وذلك بسبب اعتناقه ذات الإيديولوجية التي يعتنقها ذلك المعتدي. لكن قبل الولوج في صلب الموضوع دعنا عزيزي القارئ أن نأتي بنموذجين من مدرستين مختلفتين واحدة وضعية والأخرى ميتافيزيقية وطريقة إدارتهما للدولة وفق إيديولوجيتهما.. . 

 

النموذج الأول:

جمهوريات الاتحاد السوفيتي الاشتراكية، التي تبنت منذ تأسيسها الفكر الماركسي اللينيني، وعند أفول نجم هذه الدولة الكبرى كانت مساحتها سدس الكرة الأرضية التي نعيش عليها، أضف لها الجمهوريات الاشتراكية التي كانت تدور في فلكها في جهات العالم الأربع. لكن، رغم هذه الأراضي الشاسعة التي كانت تحت سلطتها والموارد الهائلة الطبيعية التي كانت تمتلكها فوق الأرض وفي باطنها إلا أنها في النهاية بعد مضي سبعة عقود من الحكم.. الذي سمي بـ"دكتاتورية البروليتاريا" - في الحقيقة لم تكن هكذا بل كانت برجوازية حمراء- لقد أفل نجم هذه الدولة العظمى في أيام معدودة وصارت شيئاً من الماضي؟!. هنا لا بد أن نقول ما يدور في خلدنا، وربما يدور في خلد الكثيرين أيضاً، أن القيادات السياسية في الأنظمة الماركسية التي انهارت لا تتحمل وحدها وزر الأخطاء التي ارتكبت في تلك الفترة الزمنية التي قادت فيها مجتمعاتها رغم أنها لم تنأى بنفسها عن  سباق التسلح والحرب الباردة التي كلفت الاتحاد السوفيتي والدول الاشتراكية الحليفة لها المال الكثير التي شملت مواجهات عسكرية غير مباشرة مع القطب الآخر الذي هو الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك المواجهات السياسية والإيديولوجية والاقتصادية والثقافية الخ. بل أن النظرية العلمية التي تبنوها هي التي تتحمل الوزر الأكبر لأنها لم تستطع أن تسعد العمال والفلاحين وتنتقل بهم إلى الفردوس المنشود خلال العقود التي حكمت فيها؟. لكن، لكي أكون دقيقاً في كلامي أن المعلم (فلاديمير إيليج لينين) الذي أسس دولته السوفيتية بعد نضال مرير وشاق قبل أن يرى الأخطاء القاتلة التي سترتكبها قيادات الحزب الشيوعي وتنخر جسم دولة العمال والفلاحين قال قولته المشهورة التي تُبرئ النظرية الماركسية في تلك المرحلة إلى حد ما، بأنها لم تستطع أن تجتازها وتنتقل بعزيمة وثبات إلى المرحلة الشيوعية بنجاح، فلذا قال لينين: الذين يريدون أن يروا اشتراكية طاهرة نقية يموتون دون أن يروها. وهذا يعني خلاف ما نحن قلنا أعلاه، بأن النظرية الماركسية تتحمل الوزر الأكبر في المرحلة الاشتراكية، بينما مضمون قول لينين يقول لنا بأسلوب أكاديمي، أن الخطأ في التطبيق لا يعني الخطأ في النظرية. إن كلام المعلم لينين يثير تساؤلاً في رأس قارئه، هل أن المجتمعات البشرية بعد أن شاهدت التقلبات السياسية الكبيرة وبروز تنظيمات إرهابية تهدد وجودها كمجتمعات متباينة ستحن إلى تلك الأيام.. وتقبل في قادم الأيام بعودة الأحزاب الشيوعية لقيادتها التي هي الأخرى حاولت أن تنشأ مجتمعات بشرية بلون واحد، ليس فيها تعدد ألوان؟ لكن في مرحلة تطبيق الشيوعية فيها عدالة في توزيع الثروة كما جاء في الشعار الذي رفعه (كارل ماركس) وتبنته فيما بعد الأحزاب الشيوعية: من كل حسب قدرته إلى كل حسب حاجته. على أية حال، أنه متروك للشعوب أما تواجهها بالرفض أو القبول. لكن رأي أنا كمواطن كوردي يأن شعبه ووطنه تحت نير الاحتلال العربي، التركي، الفارسي البغيض أقوله بكل صراحة، لا أستسيغ أية أيديولوجيا دون استثناء؟ إذا كان هدف معتنقيها الوحيد أن يقفزوا إلى سدة السلطة ويقودوا المجتمع من أجل نشر إيديولوجيتهم.

  

النموذج الثاني:      

 هو الجمهورية الإسلامية في إيران، أن اسم البلد بهذه الصيغة حيث وضعت الإسلامية قبل اسم إيران لها مغزى سياسي وعقدي عميق، تعني أنها جمهورية متحركة، غير ثابتة على رقعة جغرافية محددة؟ فلذا تجد ذراعها ممتدة في كل من لبنان واليمن والعراق وغزة، ولو شاءت في يوم ما ستلف ذراعها حول الكوكب كله، لأن عقيدتها تأمرها أن لا تقبل بهوية غير إسلامية في العالم. لكن هذا ليس موضوعنا الآن، بل أننا نريد أن نبين كما بينا أعلاه أن معتنق العقيدة أن كان يحمل أية عقيدة لا يستطيع الخروج على أوامرها ونهيها افعل ولا تفعل لو وقف العالم كله ضده، بل سيحاول بكل ما أوتي من قوة أن يطبق مفردات تلك العقيدة التي اقتناها في داخل بلده وخارجه. لا حظ إيران في الداخل تجد دولة داخل دولة، مثلاً مقابل رئيس الجمهورية تجد الولي الفقيه الذي هو المرشد أعلى منصباً وصلاحية من رئيس الجمهورية؟ وأمام وزارة الثقافة ابتدعوا وزارة الإرشاد الإسلامي التي تفرض أفكاراً بالية على الشعب جاءت بها من غياهب التاريخ، كأن الشعوب في إيران قبل مجيء هؤلاء كانوا كفرة كي يرشدوهم إلى الإسلام؟؟، وهكذا ستجد الند للجيش الإيراني هو الحرس الثوري، وأمام الشرطة تجد جهاز ما يسمى باللجنة "كوميتة"، وبدل المحكمة المدنية هناك محكمة الثورة، وكذلك الند لكل محافظ في محافظته تجد ما يسمى بإمام الجمعة الذي سلطته تفوق سلطات الممنوحة للمحافظ، وهناك لجنة من عدد من آيات الله في طهران سلطاتها أعلى من سلطات البرلمان، لها الحق أن تبطل ما يصدر من البرلمان،فكل شيء في الدولة تجد مقابله جهاز خاص من ابتكار النظام الإسلامي وبهذه الابتكارات.. كبلوا الدولة من كل الأطراف. طبعاً حزب البعث الحاكم في العراق قبل قيام الجمهورية الإسلامية في إيران خوفاً من مؤسسات الدولة قام بذات السياسة حيث أنشأ مكتب التعليم مقابل التعليم، المكتب العسكري مقال وزارة الدفاع، لجنة النفط والطاقة مقابل وزارة النفط، ما سمي بمحكمة الثورة مقابل محاكم الدولة، الجيش الشعبي مقابل الجيش، مجلس قيادة الثورة مقابل مجلس الوزراء، مكتب الثقافة والإعلام مقابل وزارة الثقافة والإعلام، المكتب الفلاحي مقابل وزارة الزراعة، هذه كلها مؤسسات حزبية موازية لمؤسسات الدولة وتتمتع بسلطات أكبر من سلطات مؤسسات الدولة.

الذي أريد أن أقوله هنا، أن شيعة السلطة في العراق استنسخوا النظام الإيراني ويبتغون تطبيقه في العراق، إلا أن الذي يمنعهم من تنفيذ مختطهم هذا هم الكورد أولاً والسنة العرب ثانياً. لكن، رغم هذا المانع الكوردي العربي يحاول الشيعة الناطقون بالعربية تنفيذ مآربهم رويداً رويدا، حيث بدؤوا بإنهاء دور الجيش وتشكيل ما يسمى بالحشد الشعبي وأصدروا له قانوناً خاصاً به في البرلمان الاتحادي بمعزل عن موافقة شريكهم في الدولة الاتحادية وهم الكورد؟؟!! بالمناسبة أن دستور الاتحادي الذي يعتبر وثيقة مقدسة في البلدان التي تحترم نفسها إلا أنه  لا يساوي عند هؤلاء الأشياع قيمة علبة منديل ورق "كلينكس" ليس هذا فقط، بل كل شيء في الكيان العراقي بدءًا من البرلمان وانتهاءً بأقل شيء ليس له أي اعتبار عند هؤلاء سوى ما يصدر من المراجع والشيوخ المقيمون في نجف وكربلاء وقبلهم أوامر الولي الفقيه الجالس في طهران. فلذا لا تجد اليوم أي شيء على طبيعته في العراق، في بلاد الألف ليلة وليلة. تصور عزيزي القارئ أن وزير الدفاع السابق الذي كان اسمه خالد العبيدي سحب الثقة منه البرلمان بسبب تورطه بالفساد وطرد من وزارة الدفاع إلا أن المدعو حيدر العبادي جاء به في قائمته الانتخابية والآن خالد عضواً في البرلمان العراقي الذي طرده!!! هل يحدث مثل هذه المهزلة في دولة تحترم مؤسساتها؟؟. قبل أيام حين صوتت الشيعة في البرلمان لإخراج القوات الأمريكية، أولاً، كان النصاب القانوني غير مكتمل،لذا لم يستخدمون التصويت الالكتروني؟ ثانيا، النائب الأول لرئيس البرلمان الذي أدار تلك الجلسة لم يحترم هيبة المكان بعد التصويت قام من مكانه على منصة البرلمان وهتف بأعلى صوته كأنه على مدرج من مدارج ملعب الشعب ويشجع فريق كرة قدم، هل هذا برلمان عراقي؟ أم برلمان فرات الأوسط؟. ثالثا: الكورد رفضوا الحضور في البرلمان إبان التصويت فكيف في بلد اتحادي إحدى مكوناته يصوت على مادة معينة بمعزل عن شركائه في البلد؟؟ أليس الاتحاد وفق ما جاء في القواميس اللغة العربية يعني الإجماع؟؟. يقول: اتحدوا على صد العدو أي اجتمعوا، اتفقوا. وتضيف القواميس أيضاً: اتحد معه في الرأي أي اتفق، اتحدت الآراء. الاتحاد الوطني أي إجماع القوى الوطنية. اتحد القوم أي اتفقوا على وحدة يجمعهم الخط السياسي والاجتماعي والاقتصادي الخ. ثم، ألم يجب عليهم الانتظار لحين إصدار قرار المحكمة الاتحادية، لأنه هناك نواب قالوا أن النصاب غير مكتمل فلذا قدموا شكوى للمحكمة الاتحادية وهي التي لها كلمة الفصل، وبعده يقولوا ما يحلوا لهم. للعلم، هذه ليست أول مرة يصوتوا بمفردهم في البرلمان، لقد سبقت هذه المرة مرات ومرات صوتوا فيها بمعزل عن الكورد والسنة العرب. الطامة الكبرى حين قرأ البارحة عضو البرلمان عن الحزب الديمقراطي الكوردستاني (شيروان دوبرداني) تهديدات كان قد بعث بها "حزب الله العراقي" لأعضاء البرلمان قبل التصويت الشيعي على إخراج القوات الأمريكية وهي كالتالي: سيادة العراق وكرامة شعبه أمانة في أعناقكم فأما الشرف والرفعة وأما الذل والخضوع ومابين الحق والباطل حساب الشعب العسير. المكتب السياسي لكتائب حزب الله. كذلك البارحة هددت الميليشيا المذكورة مع مليشيا أخرى باسم النجباء رئيس جمهورية العراق الاتحادي بعدم السماح له بدخول بغداد إذا التقى برئيس ولايات المتحدة الأمريكي (دونالد ترامب) على هامش منتدى دافوس؟؟!!. يا للعجب، هل نسيت قيادات هذه الأحزاب والميلشيات الشيعية أن أمريكا هي التي جاءت بهم من دول المهجر وسلمتهم السلطة في العراق؟ يا ترى لماذا شقوا عليها عصا الطاعة؟ وأصبحوا معدن الشر، وتحولوا من فريسة للمجرم صدام حسين إلى كائن مفترس تنفذ مختطات إيران دون مقابل، أين مصلحة العراق في قواميس هذه الأحزاب والحركات الشيعية؟؟.أليس على رئيس الجمهورية الدكتور (برهم صالح) أن يقوم بواجبه الدستوري على أتم وجه ويستلم رئاسة مجلس الوزراء من عبد المهدي الذي قدم استقالته قبل عدة أسابيع وقبلته البرلمان؟. فيما يخص صلاحيات رئيس الجمهورية عند خلو منصب رئيس مجلس الوزراء، إن الدستور الاتحادي يقول في مادته رقم 81: أولاً- يقوم رئيس الجمهورية، مقام رئيس مجلس الوزراء، عند خلو المنصب لأي سبب كان. أليس المنصب يعتبر خالياً وفق المادة الدستورية المشار إليها بعد استقالة عادل عبد المهدي؟. رابعا: بعد التصويت المذكور رفع أعضاء البرلمان العراقي الذين هم أجنحة سياسية تابعة لمليشيات شيعية صورة قائد سياسي إيراني وهتفوا باسمه؟! وهذا دليل على أنهم يفضلون دولة ولاية الفقيه على دولة الانتماء التي هي العراق. أليست هذه الأعمال تفضحهم وتظهر للعالم أنها حركات سياسية ألبست لباس الدين؟؟.يا ترى لماذا يغضبون إذاً حين تسميهم السنة العرب بأنهم إيرانيون؟. كيف بعراقي يرفع صورة زعيم بلد آخر في برلمانه؟؟ ممكن أن يرفعه في بيته هذا شأنه، لكن في البرلمان يدل على التبعية لتلك الجهة التي يهتف لها ويرفع صورة قائدها. بلا شك هذه سابقة خطيرة، قد لا نستغرب غداً إذا رفعت كتلة سنية صورة ملك سعودية أو البحرين أو أي رئيس أو ملك أو أمير عربي سني. وفيما يخص الفساد يخرج وتخرج أعضاء في البرلماني العراقي محجبة لكنها مسترجلة.. ومعها أفندية اعترفوا جميعاً علناً من على شاشات التلفزة بأنهم أخذوا رشاوي وكومشينات واستباحوا المال العام، بلا أدنى شك القيام بهذه الأعمال الجبانة هي انحطاط ودونية. لكن البرلمان العراقي الذي غالبيته من الشيعة لم يتخذ أية إجراءات ضد هؤلاء اللصوص.عزيزي المتابع، لكي أكون دقيقاً في كلامي أن جميع القوانين التي أصدرها البرلمان الاتحادي العراقي غير قانونية وباطلة لأن الدستور الاتحادي يقول في مادته رقم 48: تتكون السلطة التشريعية الاتحادية من مجلس النواب ومجلس الاتحاد. نقطة على السطر انتهى. أين مجلس الاتحاد؟؟ لا يوجد إذاً كل الذي يصدر من هذا البرلمان.. باطل وما بني على الباطل فهو باطل. عزيزي القارئ، لو استطردت في كل الخروقات التي قاموا بها ما انتهيت.

 عزيزي القارئ الكريم، هذه هي حقيقة دولة مثل العراق صاحبة مياه ونفط وزراعة لكن بسبب قيادة رجعية  أسيرة الأيديولوجيا.. التي أوصلتها إلى دولة تأتي في مؤخرة الدول الإفريقية التي تعاني من الفقر والمجاعة والأوبئة والأمية.