2020-04-16 00:37:48
في اثر أزمة جائحة فايروس كورونا وتداعياتها على مختلف مجالات الحياة وتحديدا الاقتصادية منها والسياسية والاجتماعية فضلا على الصحية ، بدأ الحديث عمّا سيؤول إليه شكل العالم بعد إنتهاء هذه الأزمة التي أصابت الكرة الارضية بما يقترب من الشلل وهنالك تنبوءات وتحليلات عن التغييرات التي ستطال العالم بسببها وما يهمنا هنا هو العراق؛ هل سيكون بمنأى عن هذه التحولات ؟ وهل ستكون واضحة على الشأن العراقي ؟
وماالحلول المتاحة أمام صاحب القرار ؟
ولابد من طرح سؤالٍ آخر هنا؛ بعد وضوح التأثيرات السلبية لهذه الازمة؛ عن إمكانية أن تكون هناك تأثيرات ايجابية.
بتقديري بالإمكان تحويل أزمة كورونا وما ينتج عنها الى واقع جديد في العراق وتحديداً منها ما يتعلق بالجانب الاقتصادي الذي أريد التركيز فيه بهذا المقال لاهميته وإنعكاساته المباشرة على الجانب الاجتماعي لأن التنمية الاقتصادية تؤدي الى تنميةٍ إجتماعيةٍ وهذا ما جاء في صلب أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة (2030)
وتشير أغلب التقارير والبحوث الى تراجع مشروع العولمة وحصول انكفاء للدول على نفسها واهتمام في ترتيب اوضاعها على مستوى الدولة فكما يُتوقع تفكك الاتحاد الاوروبي الذي بدت ملامحه واضحةً الامر الذي يدفع دولهُ باتجاه بلدانها ومعالجة تأثيرات ازمة كورونا فيها.
ايضا لاحظنا أن اليابان على المستوى الاقتصادي ترصد مبلغا بحدود إثنين ترليون دولار للشركات التي تقوم بنقل مصانعها من الصين الى داخل اليابان .
أما الولايات المتحدة الطرف الاهم في الاقتصاد العالمي وأحد اقطاب الصراع مع الصين فيُتوقع منها تغييرات جوهرية في علاقتها الاقتصادية بالصين وهي التي تعتمد على نسبة كبيرة من المنتجات الصينية التي تنتشر في الأسواق الأمريكية بسبب انخفاض أجور العمالة في الصين وتأثيرها في كلفة المنتج بعد أن توجهت الصناعة الأمريكية نحو مجالات محددة .
اما العراق البلد ذو الاقتصاد الريعي الذي يعتمد على ايرادات النفط مصدراً وحيداً في تغطية موازنته المالية السنوية بنسبة (96٪) إذ تشير التوقعات العالمية إلى إنكماشٍ اقتصادي يؤدي إلى تراجع بالناتج المحلي الإجمالي GDP بما يصل الى (1.1_%) خلال عام (2020) إذ يتوقع ان يتراجع نمو الطلب على النفط بسبب إختلال توازن العرض والطلب وفائض مقداره (8 مليون) برميل / يوميا ما ينعكس على أسعار النفط حتما نحو المزيد من الانخفاض .
في الوقت نفسه فإن العراق وفي ظل ضعف القطاعات الاقتصادية فيه كالصناعة والزراعة يعتمد على الإستيراد لتأمين احتياجاته من السلع والمنتجات بما مقداره اكثر من (50) مليار دولار سنويا وهو مايساوي (55-60%) من قيمة ايراداته النفطية.
أمام هذه المؤشرات عن طبيعة الازمة وما سيؤول اليه العالم بعد أزمة كورونا نرى أن أمام العراق فرصة حقيقية لإجراء اصلاح هيكلي في إقتصاد الدولة إذ بإمكانه الإعتماد على موارده الغنية البشرية والطبيعية وبإمكانه إستثمار ثرواته على وفق أسس صحيحة تخلق تنمية اقتصادية هائلة في بلد تعداده يقرب من (40) مليون نسمة يحتاج الى مستلزمات حياتية معيشية خدمية كفيلة بأن تُغطى عبر تفعيل قطاعاته المختلفة (الصناعة ،والزراعة، والتجارة ، والاتصالات؛ والسياحة) وهذا التنوع في الموارد يُمكّننا من أن نشهد تنمية حقيقة لهذه القطاعات التي ستنتج لنا تنمية إجتماعية نحن بأمس الحاجة إليها بعد أن تجاوزت نسب الفقر (20٪) والبطالة(16٪) دفع بحراكٍ شعبي واسع النطاق يطالب بإصلاحات جذرية سياسية واقتصادية وهذا بتقديري عامل قوة لأصحاب القرار من اجل المضي بتحقيق الاصلاح المنشود من دون تردد .
وكما هو معروف للجميع فإن العراق كان قد شهد حصار التسعينيات وهو أقسى أزمة مرت على بلد في التاريخ الحديث وقد برزت فيه مقدرة الدولة في إستنهاض طاقاتها الكامنة وإستثمار مواردها الذاتية والاعتماد على مؤسساتها الرسمية والشركات العامة الحكومية والقطاع المختلط والقطاع الخاص في إعمار البلد بعد حرب الخليج الثانية وتغطية إحتياجات البلد والسوق المحلية طيلة عشر سنوات.
إذن نحن لدينا تجربة ناجحة قريبة زمنيا في وقت الحصار النفطي وإنعدام ايّة إيرادات ما اضطر الدولة في حينها إلى طباعة العملة الورقية لتسيير أمورها وهذا القرار لسنا بحاجة إليه الان .
وليس ببعيد عنا ماواكب حكومة السيد العبادي إذ كانت هناك حرب ضد عصابات داعش وأزمة مالية ايضا نتيجة إنخفاض أسعار النفط مااضطر الحكومة في حينها إلى ترشيد الانفاق وتوظيف أموال إيرادات النفط نحو الالتزامات الضرورية للبلد وعلى الرغم من صعوبة الظرف الا أن الفرصة كانت مؤاتية لتحقيق اصلاح اقتصادي غير أن التردد وإستشراء الفساد والخطوات الخجولة في مسألة تنمية القطاعات الاقتصادية كالزراعة والصناعة والتجارة والسياحة ودعمها كانت من اهم المعيقات التي ضيعت تلك الفرصة ، حتى ان مبادرة البنك المركزي بتخصيص (5) ترليون دينار كقروض للمصارف الصناعية والزراعية والعقارية كانت خطوة صحيحة إلا أن ضوابطها وتعقيداتها والبيروقراطية والروتين أجهضت هذه المحاولة التي لم يصرف منها سوى ماهو أقل من( 10%) .
إن تقديم تسهيلات وإعفاءات ضريبية وضمانات وقروض ميسرة ودعم حقيقي للقطاع الخاص وإحتضان رؤوس الاموال العراقية الوطنية الجادة وحمايتها من الابتزاز والفساد كلّ هذا كفيل بتحقيق التنمية المطلوبة نظرا لما تمتلكه من خبرات وقدرات مادية وفنية وتجارب ناجحة في داخل العراق وخارجه .
من جانب آخر فإن الأوان قد آن لتكون لدينا إستراتيجية ورؤية في إستثمار الثروة النفطية إذ نجد أن أغلب الدول المنتجة للنفط قد بدأت منذ سنوات في التخطيط لإستثمار النفط باكمله في الصناعات التحويلية والبتروكيماويات ماحقق قيمة مضافة أكثر من بيعه كنفط خام.
في حين أننا البلد الوحيد المتلكئ في المنطقة في موضوع الصناعات التحويلية والبتروكيمياوية ولانمتلك تلك المصافي والمصانع التي من الممكن ان تغطي احتياجاتنا المتنامية من المشتقات النفطية بأنواعها والأسمدة والمواد الكيمياوية التي تدخل في مختلف الصناعات والمنتجات والسلع الضرورية لسد حاجة السوق المحلية الامر الذي يؤدي إلى تشغيل آلاف المصانع الصغيرة .
لذا فإن بنا حاجة الى قرار سياسي جريء مبني على رؤيا واضحة والى خطط مدروسة واستراتيجيات وهي للعلم موجودة ومعدة سابقا الا ان التلكؤ في التنفيذ وعدم المتابعة عطّل تنفيذ هذه الخطط والاستراتيجيات التي اعدت بعناية فائقة ولعل من اهمها الإستراتيجية الوطنية الصناعية (2030) وإستراتيجية النهوض بالقطاع الخاص (2015) و إستراتيجية الطاقة وخطة التنمية الوطنية (2018-2022) وهي جميعها خطط مدروسة للنهوض بواقع العراق إقتصاديا وتنموياً وهذا من شأنه ان يغير كثيراً من المفاهيم سواء في أخلاقيات العمل ام في قيم المجتمع ونوعية الدراسة أم في التعليم وخلق الانسجام المجتمعي والتعايش بين ابناء الشعب الواحد وإعادة الثقة بين المواطن والدولة.
هذه كلها انعكاسات مهمة والعراق في امس الحاجة إليها لترسيخ بناء الدولة على وفق أسس المواطنة لضمان تحقيق العدالة الإجتماعية والعيش
الكريم للمواطنين كافة من دون تمييز .