الكرسي مجموعة من القطع الخشبية او الحديد او أية مادة اخرى ترتبط ببعضها بمسابير او مادة لاصقة و غالباً ما تكون مغلقة بغلاف ناعم من الاسفنج و يكون هيئة صنعها مساعداً للجلوس والقيام .
يعد الكرسي اهم جزء من الاثاث في المؤسسة او البيت حتى اعلى مراتب السلطة , و هذا ما يدفع صانعيها الى التفنن في صنعه و زخرفته و طلائه , في حين انه لا قيمة له عندما يكون خالياً و لا يلتفت اليه احداً ،اذاً لابد من ملئه بانسان سواء كان ذكراً او انثى بحيث لا يصلح ان يجلس على الكرسي غير هذين أي يجب ان يكون من بني آدم ،وحينها يتحول الكرسي من مجرد كرسي اعتيادي الى منصة و مكاناً لاصدار القرارات و الحكم , فاذا افترضنا جلوس شيئ اخر (حيوان مثلاً) فانه لا يتحول الى منصب و ان كان بعض من يجلسون عليها ابعد ما يكونون من بني آدم في سلوكه و تصرفاته .
على كل حال فان سر اهمية الكرسي يكمن في تحويله الى منصب ،و هذا ما يدعوا الى التنافس عليه بين اصحاب الشأن والطامعون بالمال و الجاه فالكل يجر وراء المناصب فعندما يشغل الكرسي رئيس دولة و امبراطور تتحول الى عرش وكم من حروب دامية حدثت للحصول عليها و اعتلاءها او للحفاظ عليها من السقوط وعندما يشغله رئيس او مدير مؤسسة معينة يتحول الى مركز للادارة و صنع القرار و تحديد مصير تلك المؤسسة او الاشخاص العاملين فيها .
ان الكرسي هو الوحيد الذي سجل له من الوقار و الهيبة و محل التنافس من بين ما يجلس عليه الانسان من الحصير والسجادة والفراش و المخدة و انه يمنح راكبه و جالسه صفة الشخصية المتميزة و المؤثرة (في غالبها) إلا مارحم ربي من يكون في اصله كذلك و هو يمنح الكرسي الهيبة و الاحترام , هذا الداء ليس محصوراً في الشرق دون الغرب بل ان بطون التاريخ ممتلئة بالحكايات شرقاً و غرباً ،شمالاَ وجنوباَ مع الاختلاف في درجة الحب للكرسي و الهدف من اعتلائه و لكنه يبقى الداء المقيت و المرض القاتل .
صحيح ان سبل الوصول اليه متعددة بين الانتخاب و الانقلاب و الثورة و العلاقات الشخصية و التملق للاعلى مرتبة و اخيراً بالخبرة و المهنية و ان الاختلاف في طرق الجلوس عليه يؤثر سلباً في الهدف منه ،فان الذي يصل اليه بالانتخاب يجعل من الكرسي اداة لخدمة الشعب و خاصة في الغرب لان الانتخابات في الشرق لا تخرج من اطار اجراء قانوني بحت ليبدأ الفائز فيها باستغلاله لجمع المال و تكوين الجاه ومع خدمة طفيفة تمهيداً للحصول عليها ثانية او البقاء عليها اطول فترة ممكنة .
اما اذا كانت الثورة و الانقلاب طريقاً للوصول الى الكرسي فان الطريق الوحيد لانتزاعه من صاحبه يكون بالثورة و بالتالي نهايته في انجس الصور وفق القاعدة المعروفة (الجزاء من جنس العمل)و في المستويات الدنيا ،فان كان حصوله مبنياً على العلاقات الشخصية و المدح و الثناء و التملق الفاضح فانه يحاول البقاء عليه طالما يكون ماهراً في طريقة الوصول اليه و يجد الاذان الصاغية لكلماته الرنانة و عباراته البراقة, اما من وصل اليه بخبرته و بذكائه فانه يجعل منه وسيلة للخدمة و النفع العام لانه لم يأتي ليبقى عليه.
باختصار فان طريق الوصول الى الكرسي يحدد الهدف منه بين ان يكون اداة للسلطة و فرض الذات و بين تقديم الخدمة و بشكل عام فان طول البقاء عليه يفرز العديد من الازمات و ضعف الكفاءة و قلة الانتاج و الابداع بالاضافة الى تنمية فكرة امتلاكه للأبد، وهذا ما يدفع اصحايها الى بناء اسوار من الحماية حولهم والركوب في السيارات المصفحة ذات الزجاجات السوداء ،و هذا ما نعاني منه في اقليم كوردستان , املاً من الحكومة الجديدة ان تشخص الداء و تقدم العلاج المناسب لها ليكون الكرسي اداة للخدمة العامة و تقديم الافضل اليهم دون ان يكون وسيلة لكسب المال و الجاه من قوت الشعب المسكين الذي ينظر الى الكرسي بعين الشك و الريب .
ان التمسك بالكرسي بات داءً تفشى في معظم الاوساط ، و من اجل الحصول عليه يكون مستعداً للتنازل عن اهم ما لديه من القيم و المبادئ، لانه الطريق السهل المعبد في تأمين مستقبله و لعائلته و التباهي به والالتحاق يركب نظرائهم من أمثاله دون أي اعتبار لنضاله السابق و وعوده .
و في سبيل معالجة هذه المعضلة المستعصية نقترح :
- تحديد سنوات اعتلاء الكراسى لاربع سنوات مثلاً .
- اعتماد معيار الكفاءة و الخبرة في اختيار الاشخاص .
- اجراء التقييم الدائم و المستمر لعمل اصحاب الكراسي من قبل اشخاص يتمتعون بالنزاهة و الاخلاص .