في ظلّ تجاذبات حزبية وطموحات فردية وحسابات وسجالات سياسية غير بريئة، وبعد إخفاق وفشل محمد توفيق علاوي في تشكيل حكومة عراقية عجيبة تحت إسم (المستقلة)، وهروب معلوم من المسؤولية في واقعة خارجة عن الأعراف والسياقات الدستورية، وفي خطوة غير محسوبة العواقب والأولى من نوعها بعد عام 2003، تم تكليف السيد عدنان الزرفي لتشكيل الحكومة العراقية.
البعض إعتبر التكليف مخالفة دستورية مقصودة، ومجاملة لأطراف داخلية وخارجية، وإهانة بالتوافق السائد بين القوى السياسية، وقلباً للطاولة عليها واستخفافاً بها.
في يوم التكليف، وتحت عنوان (تكليف الزرفي بين الهزيمة والانتصار) كتبت مقالاً، قلت فيه :
(السيد رئيس الجمهورية، الذي كلف الزرفي، خرج عن نطاق العملية السياسية المعمول بها منذ 200، رغم أنه على يقين تام بأن الزرفي لايستطيع الحصول على المباركة السياسية ما لم يرضخ لطلبات القوى السياسية العراقية، ولا يستطيع التقرب من الشارع المحتج وإقناعه، ولا يستطيع إكمال مهمته، وسيقدم ، بل سيجبر على الاعتذارعن تشكيل الحكومة).
آنذاك، دخل رئيس الجمهورية لعبة الصراع المكشوف في إغاضة بعض الأطراف السياسية وإشعال نار غضبهم بتكليف الزرفي خارج ارادتهم لأهداف ومكاسب شخصية معروفة للقاصي والداني، على شاكلة تمرير نفسه في البرلمان، إعتماداً على الاتصالات والعلاقات مع النواب وإرضائهم بالمناصب، وليس مع قادة الأحزاب والأطراف السياسية. كما أراد الزرفي، عبر الاستخفاف المتعمد بعقول البسطاء وممارسة لعبة الضحك على الذقون، تكرار ما فعله صالح أثناء ترشيحه ونيل الثقة بالبرلمان.
الكتل الشيعية، قرأت المشهد، وبعد إخفاقات متتالية وإجتماعات للجان سباعية وأخرى خماسية، توصلت قبل فوات الأوان الى القرار الذي يكسر شوكة رئيس الجمهورية، ويبعد الزرفي عن رئاسة الوزراء، وأرسلت ضوء التأييد لترشيح مصطفى الكاظمي لتولي رئاسة الحكومة المقبلة.
أما الكورد والسنة، الذين ملوا من عدم الإتفاق الذي طال وقته بين السياسيين الشيعة، ومن التصريحات المتناقضة والمعلومات المتسربة غير الناجزة، والتهديدات والمفاجأت، وتأجيجات المصابين بداء الظهور في الاعلام. وعلى قاعدة الشراكة الوطنية وإستمرار العمل المشترك في سبيل الخروج من المآزق، ودون أن يقولوا، علناً، شيئاً للزرفي ولرئيس الجمهورية، أعلنوا تأييدهم لتوافق الكتل السياسية الشيعية، ودعمهم القوي لمصطفى الكاظمي، وإعتبروه مرشح المرحلة الذي بإمكانه معالجة الأوضاع الحالية، والتمهيد لاجراء انتخابات مبكرة حرة ونزيهة بإشراف أممي وفق قانون انتخابي جديد وعادل، وإختصار المسافات للوصول الى الأمن والأمان والأستقرار ، ومراعاة خصوصياتهم وحقوقهم المثبتة في الدستور.
إتفاق آراء الأطراف الشيعية والسنية والكوردية جاء بثماره، حيث قبل إنتهاء المهلة الدستورية، تيقن الزرفي من رفضه وفرض الكاظمي، فرفع راية الإستسلام، وأعلن إعتذاره.
رئيس الجمهورية، دعا الكاظمي الى قصر السلام لإستلام قرار التكليف، وخلافاً لمراسم تكليف الزرفي، وكرسالة مباشرة لفرض الزرفي، حضرت غالبية القوى السياسية الشيعية والسنية وممثلين عن الطرف الكوردستاني في مراسم التكليف.
بعدها تعالت الأصوات التي أشادت بالكاظمي ونضاله، وبخلفياته الثقافية والمهنية والإدارية ونزاهته وإعتداله، وشخصيته القوية الهادئة، وحرصه على حقوق عموم العراقيين، ودرايته بالأزمات الصعبة والعسيرة للعراق.
كما إرتفعت، في المقابل، أصواتاً أخرى تزعم، أن الكاظمي نال الدعم وإرتقى المجد بين ليلة وضحاها. والكتل السياسية إقتنعت به بعد زيارة فلان للعراق أو تدخل علان، ونكاية بالزرفي وإنتقاماً من برهم صالح.
للرد على تلك الأصوات نقول: لقد تداول إسم الكاظمي لتولي رئاسة الحكومة بعد إستقالة الدكتور عادل عبد المهدي مباشرة، ولكنه رفض الترشيح أكثر من مرة، وأن الكثيرين كانوا مقتنعين به منذ مدة طويلة، وكان الحزب الديمقراطي الكوردستاني من المقتنعين، لذلك أعلن الرئيس مسعود بارزاني دعمه للكاظمي بعد تكليفه مباشرةً. أما زعيم ائتلاف الوطنية الدكتور إياد علاوي فقد كشف عن اتفاقه مع الرئيس مسعود بارزاني على مفاتحة القوى السياسية لطرح اسم الكاظمي لتشكيل الحكومة المؤقتة منذ أكثر من شهرين .