عرّفت منظمة الصحة العالمية الوباء بانه حالة انتشار لمرض معين، حيث يكون عدد حالات الاصابة اكبر مما هو متوقع في مجتمع محدد او مساحة جغرافية معينة، وذلك في زمن او موسم او حتى مدة زمنية محددة، وليس هناك حدود توقف الوباء، لانه قد يحدث في منطقة جغرافية محصورة او يمتد في عدة دول، وكذلك لاحصر للزمن الذي يتفشى فيه الوباء فقد يستمر عدة ايام او اسابيع وربما يستمر لسنوات، وعند البحث في التلازميات الوبائية سيجد الباحث مصطلحين شائعين مترافقين وهما وباء وتفش، ويرى بعض علماء الوبائيات ان المصطلحين متطابقان ، بينما يرى اخرين ان مصطلح وباء يصف حالة تشمل منطقة واسعة وترتبط بازمة كبيرة، اما التفشي فيعبر عن حالة انتشار مرضية في منطقة او مناطق محددة اصغر من الوباء.
وتقنياً يمكن تحديد اهم الاوبئة التي عصفت بالعالم منذ عام 1918-1919 لاسيما بعد نهاية الحرب العالمية الاولى، حيث حصلت 40 مليون حالة وفاة بالانفلونزا الاسبانية، تبعها بعد سنوات حالات وفاة اخرى قدرت بين مليون الى اربعة ملايين بسبب الاصابة بالانفلونزا الاسيوية التي كانت الصين بؤرة ذلك الوباء بين عامي 1957-1958، ثم بعد ما يقارب العشر سنوات ظهر انفلونزا هونغ كونغ وحصدت ايضا ما بين مليون الى مليوني شخص، اما الايدز والذي يعد الاكثر فتكاً فقد ظهرت انيابه في 1981 واصيب مايقارب 78 مليون شخص به وبحسب الاحصائيات توفي منهم 39 مليون، ولم تكتفي الاوبئة بذلك وانما استمرت في ظهورها وكأن الصين تأبى الابتعاد كثيراً عن دائرة الاضواء فقد ظهر في اقليم غوانغدونغ في جنوب الصين متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد (سارس) في عام 2002-2003 واصيب ما يقارب 8000 شخص توفي منهم حوالي 800 ، وفي 2003 ايضا وفي هونغ كونغ ظهرت انفلونزا الطيور " اتش 5ان 1" ، وحصدت حوالي 400 حالة وفاة، وبعدها اعطت الاوبئة استراحة قصيرة للصين وتوجهت الانظار هذه المرة الى المكسيك ففي عام 2009 -2010، ظهرت انفلونزا الخنازير " اتش1 ان 1" قدرت منظمة الصحة العالمية عدد الوفيات بحوالي 18500، لكنها سرعان ما رفعتها الى بين 151 الفاً و 575 الفاً، ولتأخذ افريقيا حصتها فقد ظهر فيروس ايبولا في غنينا وامتد الى سيراليون وليبيريا بين اعوام 2014-2016، الذي يبدو بانه استمر اكثر من غيره، وأدى الوباء الى وفاة ما يقارب 113325 شخص، وفي عام 2015- 2016 ظهر فيروس زيكا وكان رهيباً وذلك لانه ادى الى حدوث تشوهات خلقية لدى المواليد في امريكا الجنوبية، وقد تم ربط الفيروس بالاف حالات الاصابة بمرض الصعل لدى المواليد، وهو تشوه خلقي يكون فيه رأس الطفل اصغر من الطبيعي.
لقد اثارت هذه الاوبئة مخاوف كثيرة لدى البشر، لاسيما ان بين فترة واخرى وخلال فترة انتشار تلك الفيروسات كانت تظهر ملامح تفشي لفيروسات اخرى قد لاتكون بقوة وحجم دمار السابقة الذكر الا انها كانت تثير المخاوف والقلاقل لدى العالم وربما في مجتمعات وضمن جغرافيات محددة ولفترات زمنية محددة الا انها اجمالا كانت مفجعة كتفشي بكتيريا السالمونيلا في اميركا، وفيروس ماربورغ الذي يعد اكثر الفيروسات فتكاً لانه لايوجد علاج لها منذ اكتشافه في افريقيا، وفيروس هانتا في امريكا، وفيروس التهاب الكبد الوبائي، وفيروس حمى الضنك ،وحمى لاسا، والحمى الصفراء، وحمى القرم – الكونغو، والعديد من الفيروسات الاخرى التي اصبح الانسان مستهدفاً رئيسياً لها، والغريب ان غالبية تلك الفيروسات والاوبئة تنتقل من الحيوانات بكل تصنيفاتها واحجامها من البعوض الى القردة الى الدجاج والخفافيش وغيرها من الحيوانات الى الانسان، والاغرب ان الانسان قديما وحديثا لا يتعظ ولايتخذ الاجراءات اللازمة للحد من الاصابة بها، انما يمضي قدماً في همجيته تجاه شهوته في التعامل مع الحيوانات سواء شهوة الجسد او شهوة البطن "الجوع "، وذلك ما جعلنا نراجع مفاهيم قديمة وكأن تاريخ الانسان لايتعدى سوى كونه ملعوناً بدءَاً بما يسمى العاقل وهو في الاصل ليس الا قشرة غبية يكتشف الاشياء ويعيد تدويرها لتكون وباء ودمار له وتهديد دائم لوجوده، فتاريخياً الطاعون كان وباء يحصد وبحسب بعض الاحصائيات ما يقارب 5000 شخص سنوياً، والطاعون هو عدوى بكتيرية حادة تنتقل في المقام الاول عن طريق البراغيث، حيث يعيش الكائن الحي الذي سبب الطاعون والمسمى ب" يرسينيا بيستيس " في القوارض الصغيرة وينتقل الكائن الحي الى الاشخاص الذين تلدغهم البراغيث التي تتغذى على القوراض المصابة، او الذين يتعاملون مع الحيونات المصابة.
ومن يتتبع الوجود الانساني سيدرك بانه اصبح بمرور الزمن كتلك البراغيث التي تتغذى على الافكار المصابة، فيصاب بها، ومن ثم ينقلها بدوره الى من حوله وفي حالة المجتمعات الحالية فانه في ظل العلاقات الاجتماعية الواهمة بين الاندماج والاختلاط المباشر والكثيف، وبين الانعزال واللامبالاة ، ومن ثم الشذوذ الفكري المتحد بالعقل التآمري المتمثل بنظريات وافكار ناجمة عن الاضطهادات على مختلف الاصعدة، ينتج منها مجتمعات موبوءة في الاصل لذا حين يظهر فيروس فانه لن يبذل جهداً كبيراً ليصل الى مرحلة الوباء المتفشي، ولعل الواقع الحالي يثبت تلك الرؤية بشكل واضح وجلي، ففي اواخر 2019 وبداية 2020 ظهرت جائحة كورونا والتي عدت من زمرة واسعة من الفيروسات والتي تشمل فيروسات يمكن ان تتسب في مجموعة من الاعتلالات في البشر، تترواح ما بين نزلة البرد العادية وبين المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة، والغريب بل العجيب ان مصدرها يعود ايضاً الى الحيوانات على اقل تقدير، وذلك لوجود اراء عن غموض مصدر الفيروس، ولكن غالبية الاراء تذهب انه ظهر في الصين بسبب التعامل البشري المباشر مع بعض انواع الحيونات البرية كالخفافيش وغيرها، وما ساعد على تفشي الفيروس كان الاحتكاك المباشر بين المصابين وذويهم او مع من يتعاملون معهم، والشيء الاغرب انه تفشى بصورة لم يتوقعها اصحاب الاختصاص والشيء اكثر جدلاً انه لحد الان بعد مضي ما يقارب 6 اشهر، مازال البحث عن لقاح للحد من انتشاره او للحد من فتكه بالاشخاص جارياً دون اية نتائج معلنة بشكل رسمي ومعتمد من منظمة الصحة العالمية، وبغض النظر عن نظريات المؤامرة التي ترافق وجود الفيروس وسبب تفشيه وكيفية ظهوره، فان العلة الاكثر وباءاً من الوباء نفسه هو الانسان، حيث نجده يتعامل بنفس النهم الحيواني الشهواني الشرس مع الحيوانات المصدرة للفيروس، وفي الوقت نفسه لايهتم بما توصل اليه العقل البشري نفسه من تحليل الوضع والترشيد والتوجيه الذي يتصدر القنوات الاعلامية بجميع انواعها، باستثناء بعض القنوات التي دائما ما تنظر الى الفوضى من منظور الربح التجاري الاقتصادي، فان الغالبية العظمى تحذر الانسان من الوباء وتحدد معالمه وملامحه وكيفية الاصابة به، وتحذره من مغبة عدم الالتزام بالتوجيهات الصحية واخذ الاحتياطات اللازمة لتجنب اصابته واصابة من حوله ممن يدعي اهتمامه بهم، ومع كل ذلك النتائج ظاهرة للواعي واللاواعي، الفيروس في انتشار تصاعدي مهيب ومريب، والانسان يقع ضحية عقله اللاعقلاني في تحدي الوضع وتحدي الارشادات والتوجيهات، والمثير للانتباه ان الانسان يدرك بأن في الامر فاجعة كبيرة له ولمن حوله ولكنه لايتراجع، فيكرر الخطأ نفسه، وتقع الكوارث، اي وكأني به يلدغ من نفس الجُحر الف مرة دون وعي منه، فجميع الاشارات تؤكد ان الحيوانات كانت ولم تزل هي المصدر الاساسي لنقل وتفشي الفيروسات القاتلة للانسان، ولكن ذلك لم يجعل الانسان بعقله البشري ان يتوقف للحظة ويمنهج ويمنطق تعامله مع تلك الحيوانات، بل ان الانسان بكل همجيته اصبح مصاباً بالشره المرضي او اضطراب نهم الطعام، حتى اصبح يتباهى بهمجيته في اكل الحيونات بجميع اصنافها نياً "غير ناضج" ، دون اية احتياطات لازمة، وعلى الرغم من كل الصيحات التي اطلقت للحد من الانجراف المقيت وراء تلك الموجة الا ان الانسان لم يلتفت الى تلك الصيحات التي لاتصدر من جهة خاصة باوطانهم لتحولها بعض اجهزة الاعلام الى مادة عدائية وتحريضية، انما صادرة من منظمة الصحة العالمية بغض النظر كما سبق وان قلت لاصحاب نظرية المؤامرة فان المنظمة تبذل جهدها في التوعية والتوجيه وتقديم المساعدات.
من هناك نرى بان حصر الفيروس او الوباء في تعريفات علمية مسبقة ليس كافياً لأن الوباء اكبر واعمق في الواقع من تلك التعريفات، فالوباء الاكثر فتكاً بالوجود والكون كان ولم يزل الانسان نفسه، الذي لاينصاع للمنطق العقلاني الذي من المفترض انه يتميز به عن غيره من المخلوقات ، فمجموع الاصابات بجائحة كورونا تؤكد ان الانسان لايعي الا ما يشتهيه حيث بلغت الاحصائيات للحالات المصابة الى اللحظة التي اكتب بها الان هذه المقالة ( 6.993.337) حالة، وعدد الوفيات بحسب الاحصائية المعلنة من منظمة الصحة العالمية ( 402.439) ، وعلى الرغم من حالات الشفاء ايضا في تزايد الا ان حالات الاصابات ايضاً في ازدياد مستمر، وكل ذلك اوجب علينا التوقف عند حدود انسانيتنا والبحث عن انفسنا والتساؤل في نفس الوقت اذا كنا نحن البشر مستعدين لان نتحمل عاقبة افعالنا وشهواتنا وكل رغباتنا أم اننا في انحدار جذري ومستمر نحو الهاوية التي نصنعنها بانفسنا لانفسنا..؟ .