2018-07-29 11:51:00

 

جميع الانتفاضات في العالم يكون سببها محصوراً في أحد الأمور التالية (ظلم وتعسف كبيرين من قبل الحكومة أو الفقر والجوع أو نقص الخدمات أو توريط البلد في الحروب الطويلة والتي تؤدي الى هلاك أعداد كبيرة من الشعب أو الفساد الكبير الذي يستشري في المجتمع) .

انتفاضة الشعب العراقي والتي انطلقت شرارتها في محافظة البصرة وامتدت تدريجياً الى معظم محافظات العراق وأقضيته ونواحيه فإنها جاءت كنتيجة طبيعية لكل هذه الأمور والمعاناة المذكورة مجتمعة فلقد عانى الشعب العراقي طوال عقود من الزمن من شتى ألوان الاضطهاد والظلم وعانى من أنواع الحروب وأعطى قوافل من الشهداء ناهيك عن قوافل الايتام والأرامل في كل محافظات العراق واستمرت المعاناة بعد عام 2003 عندما تصدت هذه الطبقة السياسية للحكم في العراق والتي أطلقت الشعارات الرنانة بالتغيير والبناء والعدالة الاجتماعية وانتظر المواطن العراقي أن يرى هذا التغيير المزعوم طوال خمسة عشرة عاماً ولكنه لم يحصد غير مزيد من الحروب والدمار والنقص في كل أنواع الخدمات وانتشار الفساد في جميع مؤسسات الدولة وفي المجتمع حتى أصبح ظاهرة طبيعية وانتشر الفقر والجوع والبطالة ووصلت معدلاتها حسب تقديرات المنظمات الأممية الى معدلات مخيفة ومقلقة, ولم يحصل المواطن المغلوب على أمره على أية حقوق بل ضاعت كل الحقوق وضاع معها الأمان وانتشر السلاح بيد من هبّ ودبّ وأصبحت حياة المواطن العراقي رخيصة ومهددة في أي لحظة من قبل العصابات السائبة, ولأن القوانين الطبيعية تقول بأن كل شيء له بداية ونهاية ومثلها صبر المواطن العراقي الذي لايوجد مواطن في العالم صبر مثله على كل أنواع الآلام والمعاناة وهو يعيش في بلد يطفو على بحيرات من النفط والموارد الطبيعية وتذهب وارداتها الى جيوب الفاسدين والسراق وينعمون بخيرات البلد وهو لايجد مايسد به رمق عائلته وأطفاله وهو يتفرج على السياسيين وعوائلهم يعيشون عيشة الأمراء, وهنا نفذ صبر العراقي الحرّ الأبي وقرر أن ينتفض على هذا الوضع الخاطيء ويطالب بحقوقه المشروعة والتي كفلتها  كل القوانين السماوية والدولية والانسانية وخرج يطالب بها له ولعائلته ولأطفاله ورفع صوته عالياً وبكل سلمية (كفى ظلماً ) أريد حقي وكفى فساداً وسرقة وكفى تستراً على الفاسدين والمرتشين وكفى متاجرة بدماء الأبرياء وكفى تهميشاً للشعب , وكان هذا الصوت العالي مصدر قلق لكل السياسيين فبدأوا يستخدمون وسائلهم المشروعة وغير المشروعة لاجهاض هذه الانتفاضة الشعبية السلمية فتارة يتهمون المتظاهرين بأنهم بعثيين وداعشيين وان ورائهم أجندة دولية خطيرة وتارة يدسون العصابات التابعة لهم ليخربوا ويحرقوا ويعتدوا على رجال الأمن لكي يثبتوا بأن هذه التظاهرات دوافعها مريبة ولكن الحمدلله كانت كل هذه النوايا والأفعال الدنيئة مكشوفة وتم فضحها أمام العالم واستمرت تظاهرات الحق بالاتساع وبدأت تتيقن من حجم حقوقها فاتسعت مطالبها ولم تعد تقتصر على الكهرباء والماء والخدمات والوظائف بل تعدت الى المطالبة بتعديل الدستور ومحاسبة الفاسدين وتقديمهم للقضاء والمطالبة بتقليص أعضاء مجلس النواب والمطالبة بالغاء مجالس المحافظات والأقضية والنواحي والغاء الامتيازات المالية للسياسيين ,وكان لهذا الوعي الجماهيري والموقف الشعبي الحازم الدور الكبير في اجبار الحكومة على التفاوض مع المتظاهرين وتلبية مطالبهم قدر الامكان وكانت القرارات الحكومية في هذا الشأن غير مدروسة حيث ان قيامها بتخصيص درجات وظيفية ومبالغ كبيرة الى محافظة البصرة غير صحيح بالرغم من ان البصرة من أكثر المحافظات العراقية مظلومية وكان المفروض أن تكون القرارات الحكومية عامة وتشمل جميع المحافظات العراقية مع اعطاء خصوصية للمحافظات الأكثر مظلومية مثل البصرة.

في اعتقادي بأن هذه الاجرائات الحكومية المتواضعة لن تمتص غضب الجماهير المنتفضة ولن تنزع فتيل الأزمة والمطلوب من الحكومة اتخاذ قرارات حازمة واجراءات حقيقية تقنع المواطن بأنها جادة في التغيير وعليها أن تشمل باجرائاتها جميع المحافظات العراقية وأن تضع حد للفساد بخطوات حقيقية تضرب بها الفاسدين الذين عاثوا في الأرض فساداً وأن تضع حداً للتدخلات الخارجية في سياسة العراق وتعيد حساباتها بالشكل الذي يحفظ للعراق مكانته وللمواطن العراقي كرامته وحقه الطبيعي في العيش بسلام وأمان وأن تتخذ خطوات حقيقية لحصر السلاح بيد الدولة وذلك بسن قوانين وتعليمات صارمة تمنع ذلك وعليها وضع خطط سريعة لتقليل معدلات البطالة والفقر في البلد ووضع حلول سريعة جداً لحل أزمة الكهرباء والماء والخدمات التي أنفقت عليها معظم ميزانيات الدولة وبلاحلول ولاتقدم,وعلى الحكومة والطبقة السياسية برمتها أن تدرك جيداً بأن هذه التظاهرات العفوية السلمية تختلف عن كل التظاهرات السابقة وأن المواطن العراقي وصل الى مرحلة اليأس من الأداء الحكومي وأنه لن يتراجع عن مطالبه بالاصلاح والتغيير وعليهم أن يتعاملوا مع هذه الحقائق والا ستكون النتائج كارثية.