2018-11-04 14:55:00

    حينما قُصِفت ناكازاكي وهيروشيما بالقنابل الذرية، لم تكُ القضية مجرد معركة أو صراع بين أمريكا واليابان بقدر ما هي اعتداء على الجنس البشري عموما، لأنها لم تستهدف مؤسسات عسكرية معادية بل مجموعات بشرية مدنية لا حول لها ولا قوة، وكذا الحال حينما استهدف أدولف هتلر اليهود كمجموعة بشرية بحجة إن ديانتهم وسلوكهم مغاير لعقيدته فأبادهم في محارقه، وفعلها نظام بغداد في 1987 - 1988 فيما عُرف بمعارك الأنفال الذي استهدف مئات الآلاف من الكُرد في حلبجة وبقية مدن وبلدات وقرى كُردستان العراق، وكذا فعل الإيرانيون حينما اصدر الإمام فتواه الشهيرة بإبادة الكُرد في إيران بذريعة انتمائهم لحزب ينادي بالحرية والاستقلال، وفي تركيا التي نهضت أبان حكم أتاتورك وكانت باكورة أعمالها حملات الإبادة ضد الأرمن والكُرد بدايات القرن الماضي، وفي كل هذه الحملات التي أحصاها المراقبون الايزيديون بأكثر من سبعين حملة أو (فرمان) كما يطلق عليها العثمانيون والايزيديون أيضا، لم تكن هذه الأنظمة والدول تستهدف عرقا أو دينا بقدر ما كانت تستهدف القيم الإنسانية والأخلاقية العليا التي ناضلت البشرية آلاف السنين من اجل تكوينها وبلورتها كسقف عالي ونبيل للمكونات والمجتمعات الإنسانية وخط احمر في التعامل الراقي بين البشر، ولذلك فإنها استدعت اهتمام العالم بأسره واعتبارها جريمة بحق البشرية جمعاء وليس بحق الكُرد أو الأرمن أو اليابانيين لوحدهم.

 

    ما حصل في شنكال أو سنجار وبعشيقة وبحزاني والقرى الايزيدية والمسيحية والكاكائية، لم يك معركة أو غزوة محلية أو إبادة بشرية فقط، بل كانت جريمة بحق الآدمية ومبادئ وقيم الأخلاق والحضارة، ومحاولة لنسف كل انجازات البشرية لمئات السنين من التحضر، فقد استهدفت جحافل ظلامية من المتوحشين الفاشيين العنصريين القوميين والدينيين قرى شنكال وبلداتها ومركز مدينتها فجر الثالث من آب 2014م بهمجية لا نظير لها في التاريخ المعاصر، إلا اللهم إذا ما قورنت مع ما نقلته لنا صفحات تاريخ المدن التي استباحها المغول والتتار أيام هولاكو وتيمورلنك، فقد اندفعت مئات من الوحوش البشرية المسلحة بالحقد والكراهية وحب القتل والتلذذ به، مع احدث الأسلحة التي غنمتها من دولتين ضعيفتين هما سوريا والعراق، لكي تستبيح بلدات آمنة وسكان توقعوا أي شيء إلا ما شهدوه من كائنات منحرفة فقدت كل ما له علاقة بالآدمية، واندفعت أفواجا جائعة للدماء والمال والجنس، والتلذذ بالقتل والذبح والنهب والسلب والاغتصاب والاستعباد باسم الدين تارة وباسم العرق تارة أخرى، وخلال اقل من شهر تم للإرهابيين احتلال قضاء سنجار البالغ أكثر من 350 ألف نسمة، حيث استباحوا مركز القضاء وكافة نواحيه وبلداته وقراه، وقتل خلال الأيام الأولى 1293 شخص خلفوا وراءه 1759 يتيما، واختطفوا 6417 شخص منهم 3548 من الإناث و2869 من الذكور غالبيتهم العظمى من الأطفال.1-2

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                

    وفي حقيقة الأمر لم تكن العملية مجرد عملية عسكرية لاحتلال مدينة أو منطقة، أو إسقاط حزب أو قوة عسكرية مهيمنة كما يقزمها البعض، بل كانت عملية منظمة ومخطط لها عبر سنوات من اجل إبادة مكون ديني بذاته، حيث استخدمت أكثر العناصر شوفينية وفاشية وبدائية في إشاعة الكراهية واستخدام النصوص الدينية بتفسيرات مزاجية متطرفة وخارجة عن المألوف عبر مئات السنين، من خلال الاعتماد على عناصر بدائية مغلقة من أشباه الأميين الذين تمت عملية غسل أدمغتهم وبرمجتها لاقتراف تلك الجرائم، وهذا ما حصل فعلا في سنجار التي تضم الأغلبية الايزيدية في العراق، والتي تعرضت معظم قرى هذا المكون إلى الإبادة الجماعية الوحشية سواء بالقتل أو القلع، حيث أرغمت وحشية المهاجمين وهمجيتهم السكان على اقتلاعهم من أراضيهم وتركهم لكل شيء حفاظا على النساء والأطفال، بعد مقاومة شرسة من الأهالي والمدافعين عن المدينة وقراها بأسلحة وذخيرة متواضعة أمام عناصر سيطرت على مخازن الأسلحة في الموصل والتي كانت تضم مئات الدبابات والدروع والمدفعية الأمريكية الحديثة وآلاف القطع من الأسلحة المتوسطة والخفيفة بكامل ذخيرتها التي استخدمت في غزوة سنجار وتسببت في مقتل وإبادة آلاف الأسر بأيدي هؤلاء الهمجيين الذين اعتبروهم غنائم حرب وسبايا وفرضوا عليهم عقيدتهم، بل ووزعوا الفتيات على أفرادهم وعرضوا الآلاف منهم للبيع في أسواق النخاسة التي استحدثوها في المدن والبلدات التي استباحوها.

 

    إنها عملية يندى لها جبين البشرية والحضارة الإنسانية وتستدعي حقا أن تكون قضية عالمية يتداعى لها المجتمع الدولي لوضع آليات وضمانات ليس لهذا المكون فحسب بل لكل المكونات الدينية والعرقية الصغيرة في العالم وخاصة في المجتمعات العربية والإسلامية والشرقية عموما، لأنها تتعرض لعمليات إبادة على خلفيات عقائدية أو عرقية شوفينية منذ مئات السنين دون أي رادع يردعها عن ارتكاب هذه الجرائم، وقد آن الأوان للعالم المتحضر بعد أن منح نادية مراد جائزة نوبل، وهي ابنة قرية كوجو التي أبيدت بقتل كل رجالها وسبي نسائها وأطفالها، نادية مراد كانت واحدة من تلك النساء اللاتي وقعن بأيدي أولئك المتوحشين الذين اغتصبوها وأبادوا أسرتها وعشيرتها، آن الأوان أن يتخذ العالم وبرمته والدول العظمى خاصة قرارات واليات لحماية هؤلاء السكان في كل أنحاء العالم، لكي لا تتكرر ثانية سنجار أخرى!

 

مصادر وتوضيحات:

1- شنكال هو الاسم الكُردي الذي يتداوله السكان ويتكون من مقطعين شنك ومعناه الذهبي أو الجميل جدا، وآل بمعنى الجانب أو الطرف، و سنجار هو الاسم الرسمي للمدينة وهو اسم آشوري أصله سنجاره أو شنخار.

2- هذه الأرقام رسمية صادرة من المديرية العامة لشؤون الايزيدية في وزارة الأوقاف بإقليم كُردستان العراق، وهي معتمدة لدى الأمم المتحدة.