يعتبر قانون العقوبات العراقي من القوانين الرصينة كونه اعتمد على قواعد سلوك عامة ومجردة استطاعت ترسيخ اسس ثابتة في مجال العدالة الاجتماعية وهو قانون متطور مع الزمن ومستوعب لكافة الافعال التي تعد جرائم كونه اعتمد غاية ثابتة وهي المحافظة على السكينة العامة والسلم الاجتماعي حتى وان ادى ذلك الى اللجوء الى اساليب الردع والقهر وفقا للقانون .
وما نعيشه اليوم من تفشي احد الأمراض بسبب فايروس كورونا والذي صرحت عنه منظمة الصحة العالمية التابعة لهيئة الامم المتحدة واعتبرته من الامراض الخطيرة وسريعة الانتشار تجعل المتصدين لتطبيق القانون يدعون وبكافة السبل الى الالتزام بتعليمات الصحة والسلامة وافهام الافراد بانه سيتم اتخاذ الاجراءات القانونية ضد المخالف لتعليمات الصحة والسلامة لما لهذه المخالفة من اثر سلبي على صحة وسلامة المجتمع ككل، مما تطلب التشدد في تطبيق نصوص قانون العقوبات العراقي المتعلقة بالصحة العامة ونصوص القوانين الاخرى ذات الصلة كقانون الصحة العامة العراقي رقم ٨٩ لسنة ١٩٨١ وقانون الوقاية من الاشعاعات رقم ٩٠ لسنة ١٩٨٠ وقانون تحسين البيئة رقم ٢٧ لسنة ٢٠٠٩ وغيرها.
المشرع العراقي تناول مفهوم التجريم والعقاب للافعال التي تمس بالصحة العامة بقدر تعلق الأمر بانتشار الأوبئة المعدية في المواد ٣٦٨ و٣٦٩ منه ، فقد جاء في المادة ٣٦٨ من قانون العقوبات العراقي على عقوبة كل من ينشر مرضا خطيرا عمدا والتي جاء فيها " يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات كل من ارتكب عمدا فعلاً من شأنه نشر مرض خطير مضر بحياة الافراد ، فإذا نشأ عن الفعل موت انسان او إصابته بعاهة مستديمة عوقب الفاعل بالعقوبة المقررة لجريمة الضرب المفضي الى الموت او جريمة العاهة المستديمة حسب الأحوال "وبذلك كل من يقوم باي فعل ايجابيا او سلبيا من شانه نشر مرض معد او متفش ككورونا فايروس مثلا فيكون قد ارتكب فعلا يوجب العقاب بموجب هذه المادة حيث يكون الركن المادي للجريمة يتمثل بالقيام باي فعل من شأنه نشر المرض الخطير ويدخل في ذلك البصق في اماكن عامة والسعال في وجه الأخرين وعدم الالتزام بالاوامر والتدابير الصحية او كسر الحجر الصحي او من يقوم بالذهاب الى مدن موبؤة ومحظورة عمدا او القيام باي فعل اخر مخالف للقانون بقصد نشر المرض والاضرار بالمجتمع، كما ويتمثل الركن المعنوي بالقصد الجرمي المتمثل بعنصري العلم والارادة بان يكون من يقوم باي فعل من الافعال الخاصة بنشر المرض يعلم ان فعله يؤدي الى نشر المرض او يعلم انه مصاب بفايروس كورونا ومع ذلك لا يتخذ الاحتياطات الصحية اللازمة لمنع انتشار المرض قاصدا بذلك احداث النتيجة ومريدا لها فيسأل عما يحدثه فعله من نتيجة.
اما المادة ٣٦٩ من قانون العقوبات العراقي فقد نصت على عقوبة من يتسبب بأهماله وخطئه بنشر مرض خطير حيث جاء فيها " يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تزيد على مائة دينار كل من تسبب بخطئه في انتشار مرض خطير مضر بحياة الأفراد فاذا نشأ عن الفعل موت انسان أو اصابته بعاهة مستديمة عوقب الفاعل بالعقوبة المقررة لجريمة القتل الخطأ او الإيذاء الخطأ حسب الأحوال " وبذلك فأن كل من يتسبب بخطئه بنشر المرض وبإهمال منه وادى ذلك الى احداث النتيجة الجرمية المشار اليها في النص القانوني يعاقب بموجب قانون العقوبات العراقي، حيث يتمثل السلوك الاجرامي بسلوك الرعونة وعدم الاحتياط والاهمال وعدم اتباع القوانين والتعليمات مثال ذلك الطبيب او الجهة الصحية التي تهمل في اجراء الفحوصات الطبية للاشخاص المتعايشين مع الشخص الذي ثبت اصابته بالمرض المعدي لبيان انتقال الفايروس اليهم من عدمه خاصة وان الطبيب يعلم انه مرض خطير ومعدي الا انه اهمل في واجبه وساهم اهماله في نشر المرض ، اما الركن المعنوي هو الخطأ غير العمدي المتمثل بأخلال الجاني بواجبات الحيطة والحذر.
كما تنبغي الاشارة الى ان دستور جمهورية العراق لسنة ٢٠٠٥ كفلت مواده كل ما يتعلق بالصحة العامة وذلك في المواد ٣٠ و ٣١ و ٣٢ واوجب على الحكومات اتخاذ الاجراءات الكفيلة بالحفاظ على صحة الافراد والاطفال والنساء وذوي الاحتياجات الخاصة كون ان الحفاظ على صحة وسلامة المجتمع هو حق مكفول لكل مواطن عراقي بموجب الدستور ، وبذلك فان القانون والدستور كلاهما كفلا الصحة العامة وان القانون افرد لها مواد واعتبرها من الجرائم المهمة والتي ينبغي ان ينظر لها باهتمام بالغ والتشديد من العقوبات الخاصة بها كونها من الجرائم التي تنطوي على الخطر العام لما لها من اثر في حياة الافراد وأمن وسلامة المجتمع ككل.