حزمة جديدة من العقوبات الإقتصادية أطلقتها واشنطن بإتجاه طهران بغية تغيير موقفها من القضايا المتنازع عليها، وفي مقدمتها الملف النووي الإيراني، وعلاقة طهران بقوى وحركات في المنطقة تهدد المصالح الأمريكية، ومصالح بعض حلفائها التقليديين كإسرائيل والمملكة العربية السعودية والإمارات، وجاءت هذه الحزمة كمقدمة لعقوبات تتعلق بقطاع النفط والغاز والموانيء من المؤمل أن تشرع واشنطن بتنفيذها في الأول من نوفمبر المقبل، واللافت إن جون بولتون مستشار الأمن القومي الأمريكي صرح بعد ساعات من إطلاق الرئيس ترامب لقراراته قائلا: إن الثورة الإسلامية لن تحتفل بذكراها الأربعين في فبراير المقبل، ويعني ذكرى الثورة ضد الشاه التي يجري الإحتفال بها مطلع كل عام !
ظلت واشنطن تغض الطرف خلال سنوات طويلة عن علاقات بغداد بطهران وهي تدرك حساسية الموقف العراقي في ظروف صعبة ومعقدة، وطالما أظهر سياسيون عراقيون تأييدهم لبعض السياسات الإيرانية في المنطقة، ورفضهم لأي مساس بها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، وكانت بعض الإجراءات الأمريكية تتخذ في ظل تفهم لواقع العلاقة بين البلدين الجارين، وتماشيا مع نهج سياسي حاول إحداث حالة من التوازن في المواقف، وعدم الذهاب بعيدا في موقف مع، أو ضد، وهو ماتعودناه من حكومات عدة مرت.
رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الذي يسعى لولاية ثانية، ويواجه تحديات صعبة، وأزمات بعضها بتهييج من خصومه المحليين قد يجد موقفا عدائيا من قوى تريده منحازا خاصة وإنه عبر عن موقف رافض للعقوبات الأمريكية الجديدة، وعدها تجربة غير مفيدة، وسببت الأذى للعراق في التسعينيات، لكنه ملزم أيضا بإتخاذ تدابير تحمي بلاده، وهو موقف عبرت عنه دول ومنظمات عالمية كروسيا والصين والإتحاد الأوربي، وكما ظهر من حديثه الأخير عقب إعلان الرئيس دونالد ترامب عن حزمة العقوبات التي ستفرض على إيران، والتي بدا إنه مصر عليها بشدة، وتوعد فيها الدول والشركات التي تنتهك تلك العقوبات بموقف أمريكي غير مسبوق يصل الى قطع العلاقات وفرض إجراءات بحقها.
قدم العبادي في تصريحه الأخير المصلحة العراقية التي لايمكن أن يعبر عنها بمواقف وتصريحات إنفعالية، فالمشكلة ليست سياسية عابرة، وليست زوبعة إعلامية وتمر، بل هي جزء من صراع شاق وطويل إستنزف قدرات، وأدخل المنطقة والعالم في توترات متتالية طيلة أربعة عقود كاملة بدأت منذ العام 1980 وماتزال، وتأخذ أشكالا متعددة، وكانت تتصاعد، أو تخف بحسب الظروف المحيطة بالعلاقات الدولية وضروراتها، والمشاكل التي تواجه العالم، وأي موقف سياسي رسمي من بغداد لايمكن أن يكون عبر التصريحات النارية لأنها لن تكون ذات قيمة، بل لابد من رؤية تضع المصلحة العراقية أولا فالحكومة يجب أن تفكر بمصلحة الشعب، وأن تمنع طغيان مصالح الآخرين..