بعد تسعة شهور من حمل مرهق, وبعد ولادة متعسرة استمرت لأيام رأت فيها الام وجه الموت عدة مرات حتى أتيت انت الى هذه الدنيا ليعم الفرح والسرور ارجاء البيت وربما الشارع كله.
ورويدا رويدا اشتد عودك أمام ناظري والديك مع مراقبتهم اللصيقة لك وانت تخطو اولى خطواتك في المشي حتى يبلغ الفرح منتهاه وهم يأخذوك للمرة الاولى ليقيدوك في سجلات المدرسة, ويضطر احدهما او كليهما للجلوس معك في الصف حتى لا تشعر بالوحدة, وحتى يعودون بك الى البيت مجددا خوفا عليك من حوادث الطريق.
ثم تكبر لتصبح شابا يافعا, ولتكبر معك احلام والديك برؤيتك تدخل الجامعة بمعدل عالي يؤهلك لتصبح مشروعا ناجحا في المجتمع برغم كل الصعوبات التي واجهتها بدءا من معاناتك في ايام الدراسة الابتدائية من ابن الست المعّلِمة, ذلك البدين صاحب الخدود الكبيرة الذي لا يكتفي بسلب حقك في الجلوس في مسطبتك في اول الصف, بل يسطو على درجاتك العالية في مختلف الدروس ليصبح هو الاول وانت الثاني, لتستمر معاناتك مرورا بأيام القلق والرعب التي تعيشها العائلة ايام امتحانات البكالوريا والقبول المركزي, وليس انتهاء بمحنة التهجير والنزوح التي ستواجه كوارثها فيما لو كنت طالبا جامعيا وتعيش في احدى المدن المنكوبة التي تعرضت لاجتياح همجي و بربري من قبل داعش كما حصل مع طلاب وطالبات جامعة الانبار الذين كانوا يقتربون من الموت في كل مرة يتوجهون فيها الى كلياتهم حيث كانت تجري حرب شوارع في طرقات المدينة وازقتها, حتى ان داعش احتل بنايات الجامعة قبل ان يحتل مراكز الشرطة ومعسكرات الجيش في الرمادي مما استدعى اجلاء كل الطلبة والطالبات من المدينة باتجاه بغداد لإكمال مشوارهم الدراسي.
وبعد سنوات من التعب والسهر والألم والدموع في حياة الطالب تتخللها أوقاتا صعبة من القلق والخوف يخسر فيها الاباء والامهات صحتهم وشبابهم ويتخلون فيها عن كل احلامهم ومشاريعهم من اجل مستقبل ابنائهم, بل يضطر بعضهم الى بيع ممتلكاته الضرورية من اجل مشاهدة بناتهم واولادهم في ثوب التخرج في الجامعة بانتظار الوظيفة الموعودة.
ثم تأتي لحظة الصدمة غير السعيدة التي قد تتسبب بإصابة نصف عضلات وجهك بالشلل (Bell's palsy), عندما تقرأ قرارا بعدم تعيينك بسبب خزانة الدولة الفارغة, مع عرض مغري بتعيينك فيما بعد ان تعهدت بالعمل مجانا في مستشفيات الدولة ودوائرها التي اجتاحها فايروس كورونا طولا وعرضا, هذا ان تمكنت من البقاء حيا, ولم يقتلك الفايروس, ولكن الصدمة الأكبر التي ستنزل كجائحة على رأسك ورأس أهلك حينما تعلم أن ابن الست المعلمة ذاك الضخم الاكرش( عظيم البطن), الذي تحصل على معدل خمسين في البكالوريا هو من قرر مصيرك و اصدر كتابا بعدم تعينك وانت الحاصل على معدل تجاوز التسعين لأنه ببساطة أصبح مسؤولا نافذا في الدولة, فيما انت لازلت تبحث عن علاج لعضلات وجهك المشلولة !!!.