أكتب عن دولة جديدة غير مسجلة في هيئة الأمم المتحدة وليس لها تمثيل دبلوماسي في الدول الأخرى وهي ولدت بين ليلة وضحاها في بقعة صغيرة في قلب بغداد السلام اسمها (دولة التحرير) وولادتها كان في يوم هو ليس كمثل سائر الأيام وهو الأول من تشرين الأول من عام 2019 , حيث تجمع في هذا اليوم خيرة شبابنا العراقيين الأصلاء في هذه البقعة المباركة ليسجلوا حدثاً هاماً في تأريخ العراق وليقولوا كلمتهم ويرفعوا أصواتهم ضد الظلم والطغيان وجمعتهم معاناة واحدة من الفساد والجوع والحرمان والتهميش والفقر والبطالة ونقص الخدمات, جاؤوا ليصرخوا صرخة واحدة ويسمعوا العالم كله ويقولون اننا موجودون وكفى ظلماً وكفى تهميشاً ونحن نطالب بحقوقنا المشروعة التي تكفلها كل الدساتير الكونية والدولية ونريد أن نعيش بكرامة كما يعيش الناس في كل دول العالم ونحن نريد وطناً.
كانت صرختهم مدوية في عنان السماء لأنها صرخة حق وصرخة مظلوم فوصل نداؤهم للجميع فهبّ لتأييدهم معظم أفراد الشعب في بغداد وفي كل المحافظات العراقية ووصلت صرختهم الى كل دول العالم فهبّ أخوانهم يتظاهرون في عواصم العالم المختلفة تأييداً لمطالبهم, فلما شعروا بهذا التأييد زاد حماسهم وكبر إصرارهم على الثبات وعدم التنازل عن حقوقهم فأعادوا الكرّة في يوم الخامس والعشرين من شهر تشرين الأول في نفس البقعة المباركة ولكن هذه المرّة جاؤوا بعزيمة أكبر وباصرار أعلى وعاهدوا أنفسهم أن لايخرجوا من التحرير حتى تتحقق مطالبهم, فكان ثباتهم مصدر فخر واعتزاز لكل العراقيين الشرفاء الذين هبّوا لنشدتهم ومؤازرتهم من كل حدب وصوب وهذا ماشجعهم على الصبر وتنظيم أمور دولتهم الجديدة (دولة التحرير) حيث لا حاكم ولا محكوم والكل فيها سواسية , فسارعوا بترتيب أمورهم ليكتفوا ذاتياً وكانت صورة جميلة سيذكرها التاريخ بأحرف من نور, والزائر لهذه الدولة الصغيرة يجد كل شيء متوفر فيها فالكهرباء تم توفيره في كل زواياها وأبنيتها وخاصة مبنى المطعم التركي المهجور الذي اختاروه قلعة للصمود والتحدي فألبسوه حُلّة جديدة زاهية من الأنوار واللافتات الرائعة الزاخرة بعبارات الحق ورفض الظلم والطغيان ورفعوا على جدرانه صور أخوانهم الشهداء وأطلقوا عليه مختلف التسميات مثل (جبل أحد) و (الجنائن البشرية المعلقة) وغيرها من الأسماء الجميلة, وسارعوا بايصال شبكات الأنترنت في كل زوايا الساحة لكي يتواصلوا مع كل أفراد الشعب الذي يتابعهم كل لحظة ,ونصبوا خيم صغيرة لاسعاف الجرحى سرعان ماامتلئت بالمواد الطبية والأدوية وبأبنائنا المتطوعين من الأطباء والطبيبات والكوادر التمريضية التي تعمل ليل نهار لاسعاف الجرحى, وفي زوايا أخرى منتشرة في كل الساحة تجد خيم منصوبة مليئة بكل أنواع المواد الغذائية والمياه الصالحة للشرب والعصائر والكمامات وتوزع للجميع بالمجان.
في دولة التحرير التنقل بالمجان بفضل الأبطال من أصحاب التوك توك الذين سطروا أروع المواقف ونالوا حب وتقدير كل العراقيين حيث يقومون بنقل المتظاهرين ونقل المصابين الى وحدات الاسعاف المنتشرة وكل ذلك بالمجان.
ألطعام والمأكولات العراقية بكل أصنافها والماء والشاي والعصائر المختلفة والأركيلات
متوفرة في دولة التحريربالمجان ليل نهار, والامدادات مستمرة لاتنقطع تنقل بعجلات من كل مناطق العاصمة وحتى من المحافظات الأخرى وبتنسيق عفوي عالي ورائع.
لايفوتني أن أذكر حملات التنظيف المستمرة التي يقوم بها شباب وشابات رائعون على مدار الساعة وحملات صبغ الأرصفة وتزيينها بالورود والمزروعات الجميلة, وأما الجدران فكان لها نصيب كبير من ابداعات شبابنا الرائع الذين طرزوها بأجمل اللوحات لتكون دولتهم الصغيرة متكاملة وجميلة في عيونهم وعيون الزائرين, أما المشاعر والأغاني والأهازيج الوطنية والرقص فلاتسكت ولاتهدأ لحظة واحدة وكأنهم في مهرجان فرح.
حقيقة مهما كتبت الأقلام وصدحت الحناجر لتصف دولة التحرير فانها ستعجز عن الوصف والذي يريد أن يعرف حقيقتها فما عليه سوى زيارتها ليجد بنفسه عظمتها ووحدة شعبها وقوته وروح التعاون والتفاني والتضحية التي ليس لها مثيل في الوجود ونصيحتي لكل المشككين والذين يكيلون التهم بالمؤامرة والدعم الخارجي أن يزوروا دولة التحرير مرة واحدة وأنا على يقين بأنهم سيخجلون من أنفسهم ويسارعوا بالاعتذار للجميع عندما يجدوا هذا الكم الهائل من الوطنية والوحدة والتلاحم بين أفراد الشعب العراقي وحيث لاوجود لتفرقات دينية ومذهبية وطائفية وقومية في قاموسهم وسيجدون أن الذي يوحد الجميع في هذه البقعة الطيبة من بلدي هو شيء واحد فقط وهو (( العراق)).