اتاحت لنا نتائج الانتخابات التوصل الى استنتاجين اساسيين واضحين لا لبس فيهما. الاستنتاج الاول أن هناك ازمة ثقة عميقة في الطبقة السياسية التي تبوأت الحكم في البلاد بعد التغيير. اما الاستنتاج الثاني فهو رفض الطريقة التي ادير بها الحكم والبلد حتى الآن، سيما منهج المحاصصة الذي اثبتت التجربة فشله، والذي لا يمكن الرهان على العودة اليه كمحرك للنظام السياسي.
هذا وغيره دفعا تحالف (سائرون) الى اختيار منهج جديد للحوار مع الكتل الفائرة، مغاير للمنهج الذي درجت عليه الكتل بعد كل انتخابات سابقة. حيث كان المنهج ينطلق من مشروع المحاصصة، فكانت المفاوضات تركز على منصب رئيس الوزراء ثم توزيع بقية الرئاسات والوزراء على الكتل، بما يرسخ التحاصص من دون الحديث عن برنامج الحكومة. فهذا ليس الجوهري بالنسبة الى الاطراف المعنية. ولقد درج المتنفذون على اعادة طرح البرنامج السابق، الذي يعاد استنساخه عند الاعلان عن تشكيل حكومة جديدة، مع تعديلات طفيفة في الصياغات لا غير.
اما (سائرون) فقد باشروا مشاوراتهم وتفاهماتهم مع الكتل الفائزة، انطلاقا من رؤية تشكلت على اساس محاور برنامجية لا تنازل عنها، تهدف في نهاية المطاف الى حفظ كرامة العراق والعراقيين. لذلك وبغية الوصول الى هذا الهدف، تم تحديد اسس التفاوض ومعاييره الجديدة، ومنها:
- ان الفريق التفاوضي لتحالف (سائرون) لا ينظر الى حجوم الكتل السياسية عند التفاوض معها، وبذلك يعطى إشارة المبادرة والانفتاح على الآخرين.
- ان برنامج الإصلاح هو أساس الاتفاق، ويشكل الجانب الخدمي منه حجر الزاوية وعماد التفاهم. فما يهمنا ويشكل اولوية بالنسبة الينا هو تبني احتياجات الناس وتلبيتها، وليس المناصب وتوزيعها.
- بناء تحالف وطني عابر للطائفية ومناهض لها، وعدم الرجوع الى التخندق الطائفي، وتهيئة فضاء وطني للعمل المشترك.
- رغم ان الدستور يعطي الكتلة الأكبر حق تسمية رئيس الوزراء، فان (سائرون) لا تحتكر هذا الامتياز، بل تسعى لإشراك حلفائها من الكتل الأخرى في ذلك.
- عند الحديث عن تسمية رئيس الوزراء، لا تضع (سائرون) فيتو على أحد، كما انها لا تتمسك بمرشح معين.
- وضع معايير محددة لاختيار رئيس الوزراء، أهمها اقتناع من يتم اختياره بالبرنامج، واستعداده لتنفيذه ولقيادة الفريق الوزاري.
- تحديد معايير اختيار الوزراء والطاقم الإداري للدولة، ومنها عناصر الكفاءة والخبرة والنزاهة، كذلك السيرة والسلوك الحسنين والقدرة على إدارة العمل.
- تسعى (سائرون) الى كسر تقليد توزيع المناصب السيادية المتبع حتى الآن، حيث كان كل مكون يحتفظ بمنصب سيادي لا يتغير. فالمطروح الآن هو تجاوز الانتماء المذهبي والعرقي في تحديد المناصب السيادية، وكذا الامر بالنسبة للوزارات والمناصب الهامة الاخرى.
- المناصب بالنسبة الينا هي مراكز لإدارة مشروع الإصلاح، وليست مرتعا للمكاسب والامتيازات الشخصية والحزبية الضيقة. وارتباطا بهذه الوجهة، نعمل على ترشيق مناصب نواب رئيس الجمهورية ونواب رئيس الوزراء، كذلك المناصب التي لا قيمة تنفيذية لها.
- ابعاد التأثير السلبي للأحزاب عن العمل الحكومي. فالحكومة ملزمة بتنفيذ برنامجها بعيدا عن الخضوع لأمزجة ومصالح قادة الأحزاب ومتطلباتهم.