2020-05-01 12:12:54

 

نشرت وسائل التواصل الاجتماعي في فترات مختلفة مؤخرا عن قيام مجموعات مسلحة بتدمير مقابر الايزيدية وشواخص / شواهد القبور  في منطقة ( سرى كانى – راس العين ) في سوريا بأعتباره جزء من مسلسل مستمر  لما قامت بها الجماعات المسلحة  في استهداف الاقليات وخاصة الايزيدية  والمسيحيين هناك، منذ  اندلاع الصراع في سوريا قبل ثمان سنوات والى الان،  ثم لمرة اخرى تدمير قبور الكاكائية قرب كركوك كجزء من مسلسل مستمر لقيام التنظيمات الارهابية  وخاصة تنظيم داعش بتدمير قبور الايزيدية والمسيحيين  والصابئة والكاكائية والبهائية في العراق وغيرها من المناطق.

 

في الاعوام 1991 – 2003  وقفت لأول مرة على اساليب بعض الارهابيين والمتطرفين بقيامهم لتدمير شواخص / شواهد  قبور  مقبرة قريتنا في جبل خرشنة امام مزار  شيخ عنزلوت – جنوب دهوك 20 كم، وكان العمل قد قام به بعض ابناء العشائر العربية التي تم استقدامها  من قبل نظام  صدام في حملات التعريب  أنذاك ال المنطقة.

استمر مسلسل تدمير القبور في العراق وفي كل مرة اسمع بها تزداد  ثقتي بانها عملية منظمة ولها اهداف وغايات طويلة الامد   وتأتي بشكل ممنهج في كل مرة في منطقة معينة ليقلدها أرهابيون أخرون في منطقة أخرى، اذ تم توثيق العديد من هذه النوعية من التجاوزات وفقا للاخبار في السنوات 2004 – 2012  بقيام عناصر مجهولة بتدمير قبور العديد من الصابئة في الناصرية والبصرة كجزء من هذا المسلسل  المستمر .

 في عام 2013   كنت اقوم بتدريب مجموعة من الصحفيين لتطوير مهاراتهم في كيفية الكتابة عن قضايا الاقليات، أطلعت على قصة حزينة جدا كيف أن جماعات مجهولة قامت بتدمدير قبور الصابئة في البصرة والناصرية ، ثم مرة أخرى في تدريب اخر أكتشفنا من خلال نتاجات احد المشاركين كيف ان عائلة مندائية لم يسمح لها بدفن موتاها في مقبرة بالديوانية واخير شمال بغداد والمسلسل مستمر ولن يتوقف !! .

لم تتوقف التجاوزات على حرمة القبورفي العراق وخاصة تجاه قبور الاقليات الدينية ( المسيحيين – الايزيدية – الصابئة المندائية والكاكائية  والبهائية  منذ سنوات الاقتتال الطائفي 2004 و الزرادشتية مؤخرا ايضا، الى الان والمؤسسات الحكومية المعنية لم تتحرك ولا في واحدة من تلك القضايا بحسب علمي ) ، الجماعات التي قامت وتقوم بتلك الجرائم، تعرف قيمة ومكانة القبر في حياة اي مجتمع،  لذلك لم تتوانى في تدميره لقلع جذوره  وأصالته من المنطقة  التي يقطنها ، وهذا ما ذهبت اليه عناصر تنظيم داعش عندما تعمدت الى تدمير  شواخص/ شواهد  قبور الايزيدية والمسيحيين في سنجار  - بعشيقة وتلكيف وداخل الموصل ومن ثم حملة متواصلة لتدمير قبور الكاكائية خاصة في منطقة داقوق  جنوب كركوك وشرقي الموصل .

أستمر مسلسل  تدمير القبور  حتى بعد انتهاء  سيطرة تنظيم داعش – او بحسب كذبة  الحكومة أنذاك 2017 القضاء على التنظيم،  الذي  لم يكن سوى السيطرة واخراجه من المدن الرئيسية، حيث قامت عناصر  من التنظيم لاحقا والى الان ، بتدمير قبور الكاكائية في داقوق  مجددا  لأكثر من مرة. وايضا في خانقين وغيرها من المناطق ولن تتوقف  طبعا الى أن تنهي وجود هذا المكون في تلك المناطق ، بأعتبار أنه لايحق  لهؤلاء ان يكون لهم حتى قبور على تلك الاراضي  لأنها قريبة من الذين لايرحمون حتى الموتى المختلفين عنهم في قبورهم .

أن نفسية الذين يقومون بتلك الجرائم توضح بأنه لاترتاح روحه وهو يرى كل صباح شاخص  قبراَ   ليس لأتباع ديانته او مذهبه أمام أنظاره ؟ كيف سيرى شواخص قبور  عالية بهية كما هي قبور المسيحيين في تلكيف وترتفع مع الشمس  بينما هو يؤدي صلاته  ويطلب من الله أن يقضي عليهم فتهيم روحه الوحشية لينتقم من القبر .

أخبار تدمير القبور لا تأخذ تلك الاهمية  في الكثير من المناطق وهي تشمل اغلب المكونات الدينية في المنطقة اذ قامت عناصر مجهولة ( دائما مجهولة في هكذا أحوال ) بتدمير قبور البهائية في شرقي ايران – يبدو انه حيث يوجد المنتطرفين يوجد من يدمر شواهد/ شواخص القبور – يبدو انهم لايطيقون وجود حتى الموتى وعظامهم قريبين منهم فكيف  سيقبلون بالاحياء منهم .. اي عقلية قذرة هذه التي يحملونها !؟.

الامر نفسه حصل نهاية اذار 2020  في تدمير اخر  بقايا وجود الايزيدية في مدينة نصيبين التركية التي كانت معقل الايزيدية منذ مئات السنين،  وبنفس الطريقة اذ قامت جماعة غير معروفة بتدمير بقايا قبور الايزيدية ، لأنهاء وجودهم التاريخي هناك. 

في متابعاتي للاعمال التي قام بها تننظيم داعش بهذا الخصوص ألتقيت بمجموعة من الشباب في تلكيف مستفسرا عنهم، في سبب قيام تنظيم داعش بهذا الامر- تدمير قبور المسيحيين / الصورة مرفقة -  فقال احد شهود العيان لايسعني ذكر أسمه بحسب طلبه  (( كانوا يأتون مجموعات ويطلبون منا المشاهدة وهم يرفعون صيحات الله اكبر ويضربون شواخص القبور المسيحية ))  في مقبرة تلكيف العريقة التي تعد جزءا  من تاريخ المسيحيين وتاريخ المدينة – واضاف (( حقيقة لم يكن يتجرأ أحد لمنعهم وكان الرافض منا لهذه  الاعمال  ليس له سوى أن يبقى صامتا )).  لقد دمروا أهم جزء من تاريخ المدينة الذي يشير الى أصالة المسيحيين في هذه البقعة من المنطقة التي تشهد اعمال عنف  ضد الاقليات الدينية بين فترة وأخرى ، وهو الأمر نفسه ما قاموا به في سنجار حيث سووا القبور بالارض في أكثر  من موقع – صحيح ان تنظيم داعش استهدف بعض قبور المسلمين المختلفين عنهم في المذهب في بعض مناطق الموصل المتفرقة ولكن ليس بالطريقة المنظمة التي قام بها في استهداف وتدمير قبور الايزيدية والمسيحيين والكاكائية .

في التشريع العراقي يشير  قانون العقوبات  رقم 111 لسنه 1969 المعدل وفي باب الجرائم الاجتماعية الفصل الثاني تحت عنوان (الجرائم التي تمس الشعور الديني) وخصصت لها المادة (372) من قانون العقوبات العراقي (( 3-    من خرب او أتلف أو شوه أو دنس بناء معبد لإقامة شعائر طائفة دينية أو رمز أو شيئا آخر له حرمة دينية ))  والقبور تعد واحدا من الرموز الشاهدة لكل ديانة – كما أنه في نفس المادة (( 5-    من أهان علنا رمزا أو شخصا هو موضع تقديس أو تمجيد أو احترام لدى طائفة دينية )) والقبور  لها أكثر من أي شيء اخر  مكانة مقدسة وتدميره يعني تدنيسه.

في المقررات الدولية وفي  مشروع الإعلان الخاص بحقوق السكان الأصليين 1994 توضح (( المادتان 12 و 13: يركزا على حق السكان الأصليين في أن ترد إليهم ممتلكاتهم الدينية والروحانية التي أخذت منهم عنوة، وحقهم في إظهار وممارسة وتطوير وتعليم تقاليدهم الروحانية والدينية، وضمان حفظ واحترام أماكنهم المقدسة ومقابرهم.)) 

لكن السؤال يراودنا هنا  هل تحركت يوما قوة رسمية او المدعي العام بحسب مسؤولياته في حفظ الامن والنظام او جهة للبحث والتحقيق في جرائم التجاوز على القبور أو ألقيت القبض عليهم او قدمتهم للمحاكمة أو أعلنت عن الاسباب التي دفعتهم لقيام بتلك الأعمال ؟؟  للأسف لاتوجد أجوبة واضحة لا هنا  في العراق ولا في  تركيا ولا ايران .

خضر دوملي : كاتب وباحث مختص في حل النزاعات وبناء السلام ومدرب ومستشار أعلامي  عن قضايا الاقليات وشؤون المرأة