في آذار ١٩٧٠، عندما كانت حكومة البعث في أشد حالات الضعف العسكري، وتقترب من الإنهيار الكلي أمام ضربات وتقدم البيشمركه، وقعت على إتفاقية مع البارزاني الخالد، قائد ثورة أيلول، عرفت فيما بعد بإتفاقية آذار التاريخية، أقرت بموجبها بشكل رسمي بعض الحقوق الأساسية للكوردستانيين، ولكن بعد مرور فترة قصيرة تخلت عنها وتنصلت من بنودها. في المقابل إلتزمت القيادة الكوردية بها وحاولت جاهدة أن تلتزم الحكومة العراقية بها وبوعودها وتعهداتها، ولكن الأحداث أظهرت إصرار الحكومة البعثية على تبني سياسة المؤامرات والمخادعات المتتالية من أجل إفراغ الاتفاقية من محتواها، وتمكين الجانب العسكري، وبعد إنقضاء سنوات الهدنة الأربعة والاستقرار النسبي، بدأت القوات الحكومية بمهاجمة قوات ثورة أيلول، وفي محاور عدة إستخدمت كل ما لديها من قوة وأسلحة حديثة فتاكة، إلا أن البيشمركه تصدوا لها ولقنوها دروساً بليغة. وعندما فشلت في ميادين القتال لجأت الى أساليب الغدر والخيانة والخبث فنجحت في الوصول الى إتفاقية الجزائر الخيانية يوم 6/ آذار/1975 مع شاه إيران، والتي بموجبها تنازل العراق عن نصف شط العرب للحكومة الإيرانية مع مساحات واسعة من الأراضي الحدودية المهمة، مقابل قطع طرق الإمدادات عن ثورة أيلول وبذلك وجهت طعنة غادرة بخنجر مسموم نحو ظهر الحركة التحررية الكوردية في كوردستان. وتوقفت عجلة ثورة أيلول ودخل الشعب الكوردي في فترة مظلمة لم يشهد له تاريخ الكورد مثيلاً، وتعرض الكوردستانيين على يد السلطة الفاشية الى العنف والتعذيب والتعريب والتبعيث والترحيل القسري وسيق آلاف الشباب الكورد الى المشانق و تم تدمير الآلاف من القرى وتسويتها بالأرض، وتم تجميع سكانها العزل في مجمعات قسرية، وكنتيجة حتمية و كرد فعل لما تعرض له الكورد على يد الأعداء، وبتوجيه من البارزاني الخالد، تمكن الرئيس مسعود بارزاني مع الشهيد ادريس بازراني ومجموعة من رفاقهما، إعادة تنظيم صفوف الحزب الديمقراطي الكوردستاني والبيشمركه، لإدامة النضال والتمهيد لإندلاع ثورة كولان في (26/ أيار/ 1976).
اليوم ونحن نستذكر إنطلاق تلك الثورة، لابد أن نؤكد على أنه في المسيرة التحررية الكوردستانية وتأریخ شعبنا المكافح برزت قامات عالية لأسماء العدید من السیاسیین والمناضلین والقادة، وأسهمت بكتابة صفحات ذلك التاریخ بأحرف من نور، وصارعت أقسی الظروف وأصعبها، وأضحت رموزاً تتوهج بالإعتزاز والاستذكار الجميل. ومن بين تلك القامات نستذكر المئات من الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم الطاهرة من أجل الشعب والوطن ونستذكر الشهيد ادريس بارزاني، الذي حمل الأمانة الثقيلة بإقتدار، وكان أهلاً للمسؤولية النضالية الجسيمة في أصعب الظروف وأخطرها، حيث كان المناضل الفذ في ميادين المواجهات الساخنة، ومخطط وبطل الكثير من الملاحم، والسياسي المقتدر ورجل السلام الذي أسهم في ترسيخ أسس الانطلاق الى المستقبل عبر ركائز القيم والمبادىء التي ارسى قواعدها النضالية مع رفاق دربه المناضلين وفي طليعتهم الرئيس مسعود بارزاني.
الشهيد ادريس الذي كان يفكر دائما بقضية شعبه من منطلق الحكمة والصبر والثقة بالنفس، والذي وظف مهارته السياسية لإعادة ترتيب البيت الكوردي، إستطاع التقريب بين وجهات النظر المختلفة التي ظهرت على الساحة الكوردستانية، ويعتبر مهندساً للمصالحة الوطنية التي مهدت لإعلان الجبهة الكوردستانية التي أثبتت جدارتها في قيادة الانتفاضة الكوردستانية في آذار1991، وما تلاها من إدارة شؤون كوردستان، وإجراء الإنتخابات الديمقراطية، وتكوين المؤسسات الحكومية.
وأخيراُ نقول: ثورة كولان التقدمية إنطلقت، بأردة الشعب الكوردستاني، لتنتصر، والحمد لله إنتصرت وأسقطت كل أدوات وملحقات البعث ومرتكزاته ومؤسساته, التي كانت تقمع الكوردستانيين, وساهمت في بناء مؤسسات ديمقراطية سليمة وخلق مناخ ديمقراطي صحي ضمن رؤية وطنية شاملة.