مهما حصلنا على المكتسبات، وحافظنا على لغتنا وديمغرافيتنا، وتصاعدت اسم كردستان، سنظل من الخاسرين، ما دمنا بلا دولة تجمعنا بحدود سياسية واضحة، وسلطة كردستانية الانتماء، تحتضن كل الأديان الكردية، والشعوب المتواجدة على الجغرافية ذاتها، وبلغة مشتركة تتجاوز اللهجات.
فلماذا لم نستطع نحن الكرد، تكوين الدولة المأمولة، أو نعرف كيف نستقل بجغرافيتنا الكردستانية على عتبات انهيار الإمبراطورية العثمانية؟
ولماذا لم نكن مهيئين عند مجيء الدول الاستعمارية الغربية إلى المنطقة، التي حاولت فرز جغرافية الإمبراطورية حسب الشعوب، ومن بينها جغرافيتنا التي كان لها حضور على طاولاتهم السياسية والعسكرية، وحاولوا تكوينها، مثلما كونوا أو تكونت الدول الأخرى من العدم؟
فهل الدول الاستعمارية فرنسا وبريطانيا، ولاحقا أمريكا وروسيا، تخاذلت وتتخاذل عن قضيتنا، ولم تدعمنا لتحرير دولتنا، وتكوين سلطة كردية مستقلة بين شعوب العالم؟
أم أننا نحن الكرد لم نكن على سوية امتلاك دولة وإدارتها، وقدمنا عوامل أخرى كالعامل الإسلامي على العامل القومي، وتماهينا مع السلطات التي استغلت بساطتنا؟
وهل لهذا تخلّفنا عن بناء الوطن؟
أم أننا لم نعرف كيف نستفيد من العامل الإسلامي، ونسخره لغاياتنا القومية، مثلما لم ندرك أن الأممية بإمكانها أن تكون لمصلحتنا، علما أن الشعوب المجاورة عرفت كيف تستقل، وتشكل دولها وعلى مساحات تتجاوز كثيرا جغرافيتها وديمغرافيتها، تحت هذين الغطاءين، كالفرس، والترك، وغيرهما، وكان هو الحق الطبيعي والمشروع لكل الشعوب التي كانت تحت هيمنة الإمبراطورية العثمانية، ونحن هنا لا ندرج كل الدول المسماة بالعربية، مثلها مثل إيران وتركيا بجغرافياتها الحاضرة، لأن الإسلام، في لغته وأبعاده الفقيهة والتأويلية، ساعدت وبشكل مباشر وعفوي وبقليل من العمل على تشكيل دول وسلطات صنفت عربية، أو تحدثت العربية، وأصبحت عروبية مع مرور الزمن، وبالتالي أدت إلى تشكل الوطن العربي الافتراضي، تحت خيمة الأمة الإسلامية.
هذه الأسئلة وأخرى مشابهة، يكررها المثقفون الكرد وغير الكرد وبصيغ متنوعة، والكثير يعرضونها كناقصة، حتى أن البعض يطعنون في الدراية الكردية، علما أن الكل يكاد يتفقون على إشكاليتين، أو يحصرون أجوبتهم حول خلفيات النقص هذه ضمن عاملين، موضوعي وذاتي، وفي التحليل تتشعب الرؤى والتفسيرات، والنتيجة تظل واحدة، كردستان لا زالت مستعمرة أو محتلة، ولم نتعلم ونستفيد بعد من تجاربنا الماضية، بل الأدهى أننا نكررها، وقد نكررها في قادمنا، فتناسينا ونتناسى أن هناك علاقة جدلية بين العاملين، حيث مدى تأثير الدول الكبرى ورغبتهم في مساعدة الكرد أو عدمه، وعدم حضور الكرد سياسيا وثقافيا لإقناعهم على مساعدتنا.
فماذا يجب أن نعمل لئلا نعيد النقمة ذاتها؟
هل كافية دراسة الماضي بصيغ أخرى ومدارك أوسع من المفاهيم السابقة؟ وهل على أثرها سنتمكن: من العمل الجمعي كرديا، داخليا وخارجيا، وإقناع القوى المأمولة بالوقوف مع قضيتنا، وحثها على دعمنا، وتعويض ما خسرناه، أو ما لم نتمكن من تحقيقه أثناء انهيار الإمبراطورية العثمانية، أو قبلها منذ الفترات التي تكونت فيها السلطات الصفوية والعثمانية على أعتاب زوال الخلافة العباسية؟ أم هناك شروط أخرى؟
ومنها: الاعتراف بنواقصنا، ودراستها بموضوعية، والكف عن إلقاء العتب على الدول الكبرى، ومعرفة أسباب تناسي تقاعسهم معنا؟ مع العلم أن لهم القدرة على تحقيق ما نطمح إليه فيما إذا اقتضت مصالحهم، وعرفنا كيف نتعامل معها على كردستاننا، ولهذا علينا أن نعمل على تكوين قدرات ذاتية، كردستانية وليست حزبية، نستطيع الارتقاء بمصالحنا للالتقاء بمصالحهم، وبالتالي التحرر من أجندات القوى الإقليمية، والإملاءات الخارجية.
لربما حان الوقت مواجهة الواقع، والتخلي عن تبريراتنا لسلبياتنا المذكورة تحت صيغ العلاقات التكتيكية، ومحاولة التعامل مع الأخر كطرفين متعادلين لا كسيد وموالي.
فالطموحات الكردية تتلكأ ما دامنا سنظل نلوم الأعداء، ونتناسى أنه من حقها الطبيعي، كعدو، خلق الشرخ بيننا وتوسيع خلافاتنا والتخطيط لإضعاف إرادة حراكنا، واستمراريتنا على هذا النهج، وملامة العدو كصديق يغدر بنا، وعدم معالجتها بمنطق، دلالة على انهزامنا الداخلي. كما ولا ندرك أن كراهيتنا السياسية لبعضنا، بالإمكان تجاوزها، إذا تحقق لدينا عدد من العوامل، فإلقاء كل العتب على القوى الإقليمية، وتبرأة الذات، ناتجة من ضعفنا، وهذه تدفعنا أن نحتمي بالأخرين، لنتقوى على الكردي الأخر، وبالتالي خسارتنا على مدى القرن الماضي، وبلوغنا حاضرنا المأزوم، على الأقل مقارنة مع الشعوب التي لها كياناتها، هي نتيجة عدم معرفتنا معالجة الأمور بشكل منطقي، ولا أخالكم أن خسارتنا لعفرين وكركوك هي حصيلة عدم تقدير جماعة الإدارة الذاتية للقوى التي تواجهها، كتركيا والتي هي ثاني أكبر دولة في الناتو ومصالحنا تنعدم مقارنة بمصالحها مع أمريكا وروسيا وأوروبا، وكذلك التقييم الخاطئ لحكومة كردستان الفيدرالية لإيران ولحكومة العراق العربية المركزية والمدعومة من القوى الإقليمية.
التيه بين الجدلية المذكورة والتي تعيد ذاتها بمواصفات عصرية، حيث مصالح أمريكا وروسيا، وتشتتنا بين أحلاف القوى الإقليمية، إلى الدمج بين الأممية والقومية، والتبعية الملبسة بالعلاقات الدبلوماسية، والخلط بين الوطنية وتقبل هيمنة الأخر القومية، والخلافات على المطامح الكردية حسب القوى التي تستخدمنا كأدوات، هذه وغيرها، وبساطتنا في معالجتها بنفس الأساليب الماضية، تؤدي إلى تكرار الأخطاء ذاتها وبأوجه حديثة، وتسهل للأعداء تمرير مخططاتهم، وبالتالي بقاء كردستان محتلة والكرد بدون سلطة قومية أو وطنية.