بغض النظر عما قدمه الرئيس ترمب للاقتصاد الأمريكي وللشعب من خدمات، كتخفيض معدل البطالة إلى أدنى مستوياتها ومنذ عقود طويلة، وتقليل نسبة الضرائب لشرائح معينة، ومساعدة الشركات، والمزارعين، وتعديل العلاقات الجمركية لصالح أمريكا مع كل من الصين ودول أمريكا اللاتينية والأوروبية، وإجباره للعديد من دول العالم على دفع مصروفات جيوش أمريكا المتواجدة على أراضيها، كالسعودية واليابان، وما فرضه على دول الناتو الكبرى في دفع ما يترتب عليهم من الحصص ورفع سقف حصص البعض منهم، إلى أن بلغت ميزانية الناتو قرابة 130مليار دولار، وستصل بعد سنوات إلى 400 مليار، مركزاً على إضعاف قرارات الدول الكبرى فيها، دون أن يبالي كثيرا بالخلافات المتصاعدة ضمنها، وجلها، وخاصة من قبل الدول الأوروبية، تحسبا لقادم السنوات حيث نهوض الصين وتصاعد السلاح الروسي، بخلاف نهج ترمب وما يراه من الإيجابيات في قوة الناتو لصالح الاقتصاد الأمريكي مثلما يفعلها مع الجيش الأمريكي كإمبراطورية خدمات.
خلق مشاكل عديدة، ليس فقط في علاقات أمريكا مع العالم، ولا في القضايا الداخلية، بل داخل إدارة البيت الأبيض، فقد سرح حتى الآن قرابة 70 من موظفيه الكبار بينهم وزراء الخارجية والدفاع، ومستشاريه، ويقال إنه تلوث بهذه الخاصية منذ أن كان يقدم برنامجا تلفزيونيا مع أبنته إيفانكا كان يسمى (أنت مسرح، أو أنت مطرود من الوظيفة).
ويكاد أن يخلق شرخا داخل الحزب الجمهوري، ما بين المحافظين فيهم والمتعصبين، كما حدث في زمن بوش الأبن، وتشكل منهم شريحة سميت، أحيانا، بحزب الشاي، تيمننا بمسيرة الثوار المناهضين للاستعمار البريطاني بقيادة جورج واشنطن.
وبغض النظر على تصنيفه الجيش الأمريكي ضمن الجيوش الجاهزة للقتال مقابل المال، أي جيش مرتزقة، وذلك بتصريحه الواضح والمباشر، أن القوات الأمريكية لن تقاتل ولن تدافع عن أي حليف كان إذا لم يتكفلوا بدفع مصاريف قواتنا أو بشكل أوضح، قالها قبل أيام يجب أن يدفعوا لنا، وذكر أن السعودية دفعت لأمريكا ما وقعت عليها من حصة، كما وتتكفل بتقديم مصاريف 3000 ألاف جندي المرسلين إلى أراضيهم، وهذه المعاملة ستطبق حتى على حلفائنا في الناتو أو غيرهم.
فإنه عندما ذكر أن أمريكا دفعت للقوات الكردية التي قاتلت معهم أو عنهم منظمة داعش الإرهابية، أو كما يقولها عادة دولة الخلافة، كان منطلقاً من هذه المنهجية، أي أنه لا خدمات عسكرية بدون مقابل، وعلى هذا المنطق ذكر أنه سيحمي نفظ شرق الفرات ليدفع بها مصاريف قوات سوريا الديمقراطية، ولا يجدها ناقصة مثلما نراها، وندرجها كجيوش مرتزقة أو أدوات عند الطلب، علماً أنه نقل بهذا المنطق الجيش الأمريكي من قوات إمبراطورية تحكم العالم، إلى قوات مرتزقة للإمبراطورية الأمريكية حسب منطقنا، وهو بهذا لا يجد خطأ فيما إذا كانت القوات العسكرية أينما كان تقاتل كقوات مرتزقة، تضحي من أجل المال قبل المبدأ والقيم والتحالفات، فالمصالح الاقتصادية لديه تسبق المبادئ والتحالفات السياسية، لقد تربى على هذا المنطق منذ بناء شركته العقارية العملاقة، يؤمن بالمال كمحرك للسياسية وكقوة لإرضاخ الكل، الصديق قبل العدو.
وعلى هذا المنطق يتعامل مع إيران، وتهديداته الاقتصادية لأردوغان نابع من هذه المنهجية الفكرية، وبهذه المفاهيم تعامل مع اليابان والمكسيك والدول الأوروبية. وفي الواقع كان هذا النهج موجود في السابق عند أمريكا بل وعند معظم الدول الكبرى ومن بينها سابقا الإتحاد السوفيتي، فقط نوعية الدفع كان مختلفا، ما بين التبعية المنهجية وبالتالي ربط العلاقات الاقتصادية والسياسية ومن ثم الحصول على الأرباح، وما أقدم عليه ترمب، ليست خطوة نوعية بقدر ما هو اختصار في مراحل الدفع أو تبادل الأرباح، علما أن بعض الإستراتيجيين العسكريين قبل السياسيين، وضحوا أنها سياسية تكاد تكون جديدة على الساحة الأمريكية، علماً أنها الدولة الإمبريالية المبنية على إستراتيجية التنافس الاقتصادي، وصراع الشركات الصغيرة قبل الشركات الرأسمالية العالمية.
وبغض النظر عما قدمته أبنته الجميلة إيفانكا من مساعدة إضافية مادية للعائلات الأمريكية بمضاعفة سقف دخل الأطفال من الضرائب السنوية، وسنستفيد منها هنا عند دفع الضرائب، وما فعله صهره لإسرائيل من خدمات كان يحلم بها نتنياهو، رغم ما له علاقات مع صهر أردوغان ولربما ستؤثر على مواقفه من قضيتنا، رغم أن الأولى قد تؤثر على الثانية سلباُ.
إلا أن بعض من تصريحات والدها كانت متضاربة ما بين السلبية والإيجابية حول الكرد في روج أفا، ولم تتجاوز الفتات مقارنة بقضية الشعب الكردي، وبما قدمه لأردوغان في هذا المجال وكدعم مطالبه في مؤتمر الناتو، من خلال ضغطه على ماكرون وميركل، بحيث تم تمرير البند العام، ضمن بيان الناتو الختامي، على صيغة، أنه هناك منظمات تهدد بعض دول الناتو ويمكن أن تصنف ضمن الإرهاب، وسيتم النقاش عليها لاحقا.
وبغض النظر عن تخبصه في مواقف إدارة البيت الأبيض، والخلافات الناتجة بسببها بينها وبين البنتاغون والخارجية، حول العديد من القضايا، ومن ضمنها قضية الشعب الكردي، كقضية دعمه للحكومة العراقية أملا بالتقارب من الحكومة الإيرانية أو الضغط عليها بإبعاد الحكومة العراقية عنها، وذلك بالوقوف السلبي ضد الاستفتاء في جنوب كردستان، واتفاقية نائبه مع أردوغان حول اجتياح الجيش التركي لشرق الفرات ومعها القوات المعارضة السورية المصنفة ضمن المنظمات الإرهابية.
يظل مواقف دونالد ترمب ومن ذكرناهم من عائلته، إيجابية ويتوقع الأفضل، خاصة بعد تعرفهم على الكرد وقضيتهم، وقد لاحظناها من خلال كلماته وتصريحاته وتويتراته المتتالية، وحديثه مع وعن الجنرال مظلوم كوباني، وقد تبينت، رغم ضعفنا، وقراره المصيري بسحب القوات الأمريكية والذي يعد خيانة بالحليف كما نشر في الإعلام الأمريكي، إلى جانب إمكانياتنا الاقتصادية والعسكرية الهزيلة مقابل أعدائنا، كتركيا والدول العربية، وغيرهم الذين يتعاملون معهم وأقصد ترمب وعائلته، مواقفه العامة لا تزال إيجابية مقارنة بمواقف الإدارات السابقة، لربما لا تقل عن مواقف حكومة بوتين بالنسبة لقضيتنا أو حول مستقبل الشعب الكردي في سوريا القادمة.
مع ذلك تبقى المصالح سيدة المواقف، وترمب ربه الاقتصاد والأرباح، وفي السياسة لا يوجد شيء أسمه الأخلاق والقيم وديمومة العلاقات، وأوروبا سيدة السياسة، وبوتين يقف على كل الأبعاد مصالح روسيا فوق كل شيء. ويظل العامل الداخلي من أهم عوامل نجاح الشعوب.
==========
تركيا والناتو والقضية الكردية تحديداً.
أردوغان حاول عرض قضية روج أفا كبند رئيس على طاولة حوارات دول الناتو، مدركاً أن العملية، فيها جانب سلبي مقابل أبعاد إيجابية لتركيا ومستقبلها:
1- عرض قضية شرق الفرات، أو قوات الـ ي ب ك أو قسد على هذا المحفل، سترفع من سقف القضية الكردية بشكل عام إلى أعلى المستويات الدولية، بعدما كانت حتى السنوات القليلة الماضية محصورة ضمن أروقة دبلوماسية مغلقة.
2- مقابلها تعمل تركيا على أن يسمح لها بعرض القوات الكردية في روج أفا، كقوات إرهابية، ويجب محاربتها من قبل دول الناتو، وذلك حسب البند الخامس من دستوره، أو على الأقل السكوت على محاربة تركيا لهم.
والأخيرة بإمكان تركيا أن تحصل عليه، ولعدة اعتبارات:
1- تركيا ثاني أكبر دولة في الناتو عسكريا.
2- والدولة الإسلامية الوحيدة في الحلف، ولها تأثير على جزء واسع من العالم الإسلامي.
3- توجد على أراضيها قرابة 12 قاعدة عسكرية أمريكية وللناتو، أكبرها قاعدة إنجرليك، توجد فيها صواريخ نووية، وهذه ذات أبعاد إستراتيجية بالنسبة للحلف.
4- تزايد علاقاتها مع روسيا، والتي ترافقها صفقات أسلحة، أبعد من مجرد شراء الصواريخ س-400، وتصعيد الخلاف معها قد تدفعها أكثر نحو روسيا والصين، علما أن جدلية المهادنة مع تجاوزاتها قد تزيدها عنجهية وبالتالي تصعد من سقف مطالبها من الدول الأوروبية ومن الناتو، كما فعلتها في قضية المهاجرين السوريين.
5- لتركيا تأثير مباشر على المنظمات الإسلامية، ومن بينها الإرهابية، إلى درجة أن ماكرون شكك في سوية علاقة تركيا مع داعش، وبإمكانها أن تقويهم أو تضعفهم، وهذه تضع أوروبا وأمريكا أمام كل الاحتمالات المرعبة.
ولهذا فمن المتوقع أن يكون لتركيا تأثير على مجريات الحوار بينها وبين الدول المخالفة لها، وعلى مقدمتهم فرنسا وألمانيا، ولربما ستتغاضى أمريكا عنها خاصة وهي ترسخ اهتمامها على زيادة حصة الدول في دفع مصاريف الناتو. وبالتالي سترضخهم تركيا لقبول طلباتها. وهنا يظل الكرد في روج أفا تحت رحمة شخصية كماكرون أو إنجيلا ميركل، وهل سيستمرون في مواجهة أردوغان، أم لا؟