2019-11-17 13:36:28

الجزء الخامس

من الغزو الإسلامي العربي، إلى توطين الغمريين، إلى خطة أردوغان في نقل 3 مليون مهاجر ولاجئ سوري إلى المنطقة الكردية.

 

  تم تكليف كل كاتب من الشريحة الموظفة من قبل البلاط العروبي، لإثارة قضية كردية معينة أو الطعن فيها، منهم من ركز على تحريف تاريخ الجزيرة، وقد شاهدنا الكثير من المنشور حولها خلال العقدين الأخيرين، ومنهم من تخصص في عرض إحصائيات مطعونة في مصداقيتها، عن ديمغرافية الكرد والعرب في المنطقة، كالذين: نشروا خريطة توزع القرى الكردية والعربية (والتي من السهل جدا وفي عصر النت تغيير الألوان على الخريطة حسب الرغبة) والنسب السكانية (أكتب باسم الجمع لأن العملية تقف ورائها مؤسسة كلفت بها مجموعة من الكتاب العروبيين حتى ولو أنها نشرت تحت أسم واحد، والكل يحصلون على رواتبهم من دولة قطر) وحرفوا خريطة مسيرة الليدي آن بلنت (1837-1917)، ابنة إيرل لافليس وحفيدة اللورد بايرون؟؟ البريطانية، مؤلفة كتاب (قبائل بدو الفرات) وكتبوا أسماء عشائر عربية على خريطتها في مناطق غير مناطقها ضمن الجزيرة، في الفترة الزمنية التي لم تكن تلك العشائر تملك الإمكانيات التقنية لاجتياز الفرات حينها، مع الأعداد الكبيرة من المواشي والجمال، ولا بعد مرحلة رحلة اللوردة بأكثر من ثلاثة عقود وأكثر.

 هؤلاء المتناسين أن الوجود العربي في المنطقة ظهر على المرحلتين اللتين ذكرناهما في الحلقات السابقة ولن نكررها هنا، وهي حقيقة تاريخية أصبحت أكثر من معروفة لكل باحث نزيه. وهنا وفي هذه المسيرة لا بد أن ننبه الشرفاء الوطنيين من الإخوة العرب، للحذر من البعض الذين نشروا بعض التصريحات المبتذلة على الإعلام أو على مواقع التواصل الاجتماعي بحق الكرد، بعدما وجدوا أنهم أضعف من أن يتمكنوا من مواجهة الحراك الكردي بالأبعاد الوطنية (وجلهم من الذين يعرضون ذاتهم قادة المعارضة السورية وأسمائهم أصبحت أكثر من معروفة بدونيتها والطعن في العلاقات الوطنية).  

  كل من نوهنا إليهم من مخلفات البعث والمربعات الأمنية، الحزب المتنبه للقادم منذ بدايات القرن، والمدرك لما قد تؤول إليه الواقع الكردي، والمتوقع أن المارد الكردي سيستيقظ يوما ما، خاصة بعد المواجهة الحادة لإحصاء 1962م والمخطط المنشور في كراس محمد طلب هلال، أصبحوا ينشرون بأمر الحزب من حينها، أي في مرحلة تنفيذ مخططات الإحصاء وبناء المستوطنات، العديد من الأرقام والنسب والإحصائيات المفبركة عن الديمغرافية الكردية، ودعمت بدراسات مبطنة، تحت عنوانين المشاريع الاقتصادية الوطنية، مثلما يفعلونها الآن على خلفية الارتزاق من دولة كقطر وتركيا، للتغطية على الهدف الرئيس أمام الهيئات الدولية والمنظمات الإنسانية في حال تم إحالة هذه القضايا إلى المحاكم الدولية تحت بند التمييز العنصري ضد المكون الكردي.

  وفي الواقع، تلك الإحصائيات والدراسات إلى جانب أخرى تاريخية مماثلة، لم تكن سوى بحوث استباقية خصصت لها سلطة البعث مراكز أبحاث اقتصادية تاريخية وقانونية على مدى عقدين من الزمن، وبين فترة وأخرى كانت تنشر دراسات جديدة وإحصائيات ونسب مختلفة تتلاءم والمرحلة الزمنية، ولذلك فعلى سبيل المثال، الأرقام الواردة في كتاب محمد جمال باروت عن تاريخ الجزيرة، تختلف في بعضه عما أورده الكاتب العروبي-الوطني الحديث أبن الجزيرة، وما نشره البعض من الكتاب البعثيين السابقين، علما أن المصادر هي ذاتها، وما قاله بشار الأسد قبل أيام عن أن نسبة العرب في الجزيرة تقارب الـ 70 % وليس العكس، يستند على المدرسة الفكرية ذاتها ويتبع المنهجية نفسها، التي أستقى منها كتبة البعث ثقافتهم، ومثلهم يتناسى تاريخ السلطات العروبية الحافلة بالأوبئة، فلا عتب على العدو، ولا عجب من بشائعه، ففي الصراعات تستخدم كل الأساليب والأسلحة.

  وعلى الأغلب، وبغض النظر على تناسي الكاتب المنوه إليه مسيرة التعريب والتهجير الممنهج ضد الكرد والممتدة على مدى عقود إن لم تكن قرون، يستند الكاتب المنوه إليه، في أرقامه ونسبه، إلى ما تم نشره في منشور بعثي غير الذي استند عليه سابقوه، أو لربما يستند على إحصائية عدد القرى التي هي بالأصل من ضمن منطقة سد الفرات ولم تغمر أراضيها، أو لم تكن ضمن مخطط النقل والاستيطان، كما وعلى الأغلب يستند على أسماء القرى الكردية التي تمت تعريبها، وبدلت أسماؤها إلى أسماء عربية، وبالتالي فرزت كقرى عربية، وهنا وفي البعد التحليلي يقلد دراسة محمد جمال باروت، ويستشهد به وبأفكاره، إلى أن أصبح مرجعا له ولربما لبشار الأسد، وللعديد من الكتاب العروبيين، ومنها حول الوجود الكردي وليس فقط نسبتهم السكانية ضمن الوطن الواحد الذي أشركوا فيه مع الغمريين، مثلما فعلها باروت بعملية خلقه لمسألة الهجرة، مع تناسيه والأخرين مثله وعلى رأسهم مجرم سوريا الأول لهجرة القبائل العربية الحديثة أو القادمة مع الغزوات.

  وبالتالي أصبحنا أمام شريحة من الكتاب العروبيين يقلدون بعضهم البعض في الأفكار والتحليلات ويختلفون في تقديم الأرقام للتمويه ليس إلا، ويدعمون دراسات بعضهم لتوسيع التحريف وتزوير التاريخ، والتعتيم على المخططات العنصرية. فيصبح القارئ وكأنه أمام مسرحية مماثلة لتناسى الفقهاء الإسلاميون العرب عند ذكرهم الإشكاليات الكارثية للغزوات الأولى، والتعتيم على الاحتلال الجغرافي المتمدد عقد بعد عقد، وقرن بعد قرن، أو بلغة أخرى مراحل القضاء على كردستان.

  دخلت الدولة التركية (والتي تتقاطع مفاهيمها ودولة قطر في البعدين العنصري والإسلام التكفيري) على محور التغيير الديمغرافي الكردي في جنوب غربي كردستان، بكل ثقلها السياسي والعسكري، ليس فقط في عمليات تهجير المكون الكردي، والتي بدأتها من مدينتي جرابلس والباب وفيما بعد في منطقة عفرين قبل عامين المرافقة لعمليات الخطف والاغتيالات، والتهجير القسري من البيوت، بل إلى دعم مرتزقتها من القوى التكفيرية الإسلامية لتدمير المنطقة والنهب الممنهج للمكون الكردي، وجلها لإفراغ المنطقة وإنجاح مخطط التوطين ما بين مليونين إلى ثلاثة ملايين سوري معظمهم من أبناء الداخل، الفارين من مآسي الحرب والمهاجرين الرافضين للعملية، لكنها مع ذلك تحاول الضغط عليهم من خلال القوات المسماة بالجيش الوطني السوري، ومحاولة نقلهم تحت حجة العودة برغبتهم، كما وتعمل تركيا على إقناع قرابة مليون لاجئ مستوطن في المدن الكردية بعدم العودة إلى مدنهم ومناطقهم.

  لا شك للسلطات التركية وقبلها العثمانية خبرة واسعة في هذا المجال، فقد نفذت خطط عديدة في شمال كردستان وعلى مدى سنوات القرن الماضي، بل وبعضها تعود إلى نهايات القرن الثامن عشر، والمتأرجحة بين التصعيد والهدوء. وللتعمق في هذا الموضوع يمكن الاطلاع على دراسات الباحث (محمد علي أحمد) وخاصة العدد الثاني (الكرد والعشائر الكردية في الأرشيف العثماني) والمسنودة بوثائق الأرشيف العثماني. لا شك بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية في 3 مارس 1924 تولى أتاتورك المهمة بأساليب أحدث، وبدأها بإصدار قانون حظر فيه استخدام اللغة الكردية، وبعدها تتالت التشريعات في هذا المجال، ومن بينها القانون رقم 2501 عام 1934 المستهدف للقضاء على الهوية الكردية، عن طريق تغيير أماكن التوطين لمواطني المنطقة الثالثة، ضمن الدولة التركية الحديثة بعد تقسيمها ديمغرافيا واجتماعيا واثنيا إلى ثلاث مناطق في عام 1932م، والمنطقة الثالثة كانت المناطق الكردية.

  وتركيا الأردوغانية اليوم تحاول تكملة المسيرة العثمانية ذاتها، فمنذ موجات هجرة السوريين الأولى، وبدايات علاقاتها مع روسيا، تركز على وضع الأوربيين والعالم الحضاري أمام خيارين، لبلوغ مأربها، كما وضعت في الكفة صراعها الدامي مع القوات الكردية الـ ب ك ك، على المحور، وحاورت أمريكا وروسيا عليها مراراً ولا تزال، وهما:

 

يتبع...