علي حسين فيلي/ المشهد الاول- كبداية، قصد الكورد صحاري جنوب ووسط العراق في حالتين! الاولى نتيجة الابعاد القسري او السجن في المعتقلات سيئة الصيت. والثانية عندما تم دفنهم احياء بشكل جماعي.
بمعايير المقابر الجماعية، فقد اثبتت السلطة ببغداد عملياً انها لا ترغب بالحياة مع القومية الكوردية بل حتى القوميات الاخرى غير العربية. وللنجاح في مشروعها فإنها ترى في الابادة الجماعية (الجينوسايد) فرصة واداة للتخلص من هذه القومية. ومن المؤكد عملية قتل الكورد سابقة لعهد النظام البعثي بفترة طويلة، ومراحل (جينوسايد) الكورد بمعنى الموت المبرمج كانت مستمرة لشعب في عهد الاحتلال العثماني وبعد تأسيس الدولة العراقية، فأينما وجد الكورد حدثت عمليات الابادة الجماعية بحيث كانت في مناطق ومساحات اكبر بكثير من مساحة اقليم كوردستان الحالية.
وواضح انه بذريعة عدم انضمام العراق لمحكمة الجنايات الدولية لحد الان، فان الحكومة لا تعترف رسميا بالعدد الحقيقي لضحايا الابادة الجماعية، والقصف الكيمياوي والانفال. ولا تتبنى الاحصاءات وقواعد البيانات واعداد المقابر الجماعية. وغير مرتاحة لسماع انباء وجود عشرات ومئات الالاف من النازحين والمشردين، وغير راضية عن تحديد مساحات وحدود المناطق المدمرة والمنكوبة. وهي ليست موافقة ابدا على تحديد مراحل الجرائم واعداد المقابر الجماعية والمخيمات القسرية.
وهي تدعي دائما ان الجرائم اقترفت من قبل اعلى رأس هرم السلطة وتم توكيل تنفيذها الى القوات المسلحة الرسمية وغير الرسمية. وجلّ ما فعلته حكومات ما بعد البعث انها قامت بتقديم عدد من المجرمين الى المحاكم، ولكن اعداد المجرمين المدانين المعاقبين اقل بكثير جدا من اعداد المقابر الجماعية.
المشهد الثاني – للكورد مشكلة مع العدالة التي ترى حجم الجرائم ضدهم صغيرة، في وقت ان التحريم والعقوبات الخارجية لم تكن لها اهمية تذكر في معاقبة وتراجع المجرمين، والى الان لا يعلم المواطنون العراقيون شيئا صحيحا عن عملية التطهير العرقي التي مازالت في منتصف الطريق في نظر الشوفينيين.
وعلى الرغم من ان اعداد الايتام الكورد وضحايا الجينوسايد ليست واضحة للرأي العام، ولكن سياسات السلطة تجاه الكورد واضحة جدا وتهز الاعماق. ان النقطة المشتركة للناجين من القتل الجماعي داخل وخارج الاقليم هو ان الجميع من ابناء قومية واحدة معينة. ومن جهة اخرى فان جميع اصحاب القرار ومقترفي الجريمة هم من قومية واحدة مختلفة وغريبة عن ارض كوردستان. لذا يتوجب ان نحصل على جواب لسؤال ينص على انه كيف يمكن للقومية العربية ان تنأى بنفسها عن مقترفي تلك الجرائم؟ هل انها ستعترف انهم مجموعة من المجرمين المتهمين بتقديس القومية قاموا بتلك الجرائم من اجل السيطرة على هوية وتاريخ وارض قومية اخرى؟!
في ظل هذه الاوضاع ، يطلب الكورد من الشعب العربي من الان فصاعدا، الا تبقى اية مقبرة جماعية او اي مجمع قسري، ولا يتم احتلال اي ارض، ولا يتم تغيير اي اسم وعنوان تاريخي واصيل للشعوب الاخرى وان يتم قطع دابر سياسة التطهير العرقي التي تم العمل بها منذ ايام السلطة العثمانية ومن ثم تأسيس الدولة العراقية.
المشهد الثالث – من الصعب على الشعب الكوردي، مع تزامن هذه الايام مع استذكار انفال البارزانيين، والقتل الجماعي للايزيديين واستخراج رفات شهداء انفال كرميان، ان ينسى تصرف ضابط شاب في صحاري السماوة مع ذوي الضحايا.
ان ذلك الضابط الشاب لا يدل عمره ورتبته العسكرية على انه خريج للمدارس العسكرية البعثية، وجغرافية حياته لا يمكن ان تجعل منه يحمل كل ذلك الحقد والضغينة ضد هذه القومية، الا ان يكون قد نفذ اوامر من هم اعلى منه رتبة! ان يستخف بمقدسات شعب وينفذها حتى في الصحراء والذي يجب ان يثير فينا الشك في هؤلاء المسؤولين والسياسيين من ذوي العمر الطويل الحاليين في العراق والذين من اجل الاستخفاف بالناجين من الانفال وعدم اظهار الاحترام لرفات النساء والاطفال الابرياء الكورد، جلبوا ماضيهم الى صحراء السماوة. ان الاغلبية صاحبة السلطة لم تكن على استعداد للابتعاد عن سياسة قتل الكورد والتعهد بان تلك الجرائم لن تتكرر .