2020-03-02 14:42:07

1/2

 

عندما ننقد أطراف من المعارضة السورية، ونفضح عمالة القوى التكفيرية منها، أو انتهازية قياداتها العروبية الإسلامية، وخباثة المنافقين والمندسين، الذين حرفوا الثورة السلمية عن مسارها، لا تعني أننا نسينا الانحطاط الخلقي لسلطة بشار الأسد، وركيزتها الإجرامية، فهي وليدة سلطة والده المقبور، والتي تشهد عليها سجونها قبل بشائعها على الأرض، والتي كانت مرتعا للعنصريين والمنافقين، واليوم أصبحت حقلا للمجرمين وبائعي الوطن، مهمتهم البقاء على السلطة بأي ثمن، مع أو بدون الشعب، مكتفية بالجماهير المحاطة بها من خلال الترهيب، والانتهازيين، وثلة من العهرة السياسيين والضباط، مع شريحة تعيش على مخلفات دمار الوطن، ونحن هنا لا نتحدث عن الصراع الطائفي بين السنة والشيعة أو الطائفة العلوية، والتي تستغل من قبل الخبثاء من الطرفين لمصالحهما، والعامة من الطائفتين براء من جرائمهما، وأوبئتهما.

 كما ولا ننسى، ولن ينساها السوريون، الأبعاد التي طالتها روسيا، للحفاظ على هذه السلطة المجرمة، مثلما حافظت الدول الإقليمية على المنظمات التكفيرية، وأدت إلى ما هي عليه سوريا الحالية. فلقد جدت الدول الإقليمية وفيما بعد روسيا وأمريكا هذا الصراع مرتعاً لها، من خلال أدواتهما، باحثين عن مصالح تكتيكية، تحولت في السنوات الأخيرة إلى مقدمة لصراعات إستراتيجية، قد تشمل في المستقبل القريب كل الشرق الأوسط. ولا يستبعد أن تخسر فيها، ليس فقط الأنظمة الإقليمية مراكزها، بل روسيا وأمريكا، إن لم تكن مصالحها قد تكون جنودها.

   حدثت مثل هذه في بدايات الصراع على أفغانستان، عندما أنجرت الإتحاد السوفيتي حينها إلى مستنقعها، وخلقت أمريكا منظمة القاعدة من القوى التكفيرية الإسلامية، مستغلة الصراع الاجتماعي بين الشيوعيين والإسلاميين، وبالتالي نتجت عنها خسائر لا تعد للجيش الروسي، قبل انسحابها، كما وانقلبت المعادلة على أمريكا والدول المتحالفة معها، فأصبحت تحارب نفس المنظمات التي خلقتها وساندتها، إلى أن اضطرت اليوم التوقيع على الخطوات الأولى لاحتمالية انسحابها من أفغانستان، بعد سنة ونصف من الآن.

سوريا اليوم تسير ضمن معادلة تكاد لا تختلف عنها، لكن هنا تركيا ومعها قطر هي التي تحصر ذاتها ضمن الطرف المعادي لروسيا، وبالتالي تظهر التحليلات المستقبلية على علاقات وتحركات هذين الطرفين. ولكن السؤال هو:

1-    هل تركيا على قدرة أن تلعب في سوريا الدور الأمريكي في أفغانستان، وتقدم نفس الخدمات للمنظمات السوري التكفيرية المعارضة لمحاربة روسيا؟

2-    هل ستنجر روسيا إلى المستنقع بجنودها مثلما فعلتها في أفغانستان، فما نلاحظه حتى الآن تكتفي بالمساعدات التكنيكية، والقصف الجوي، وهذه أصبحت موضع انتباه بعدما أسقطت تركيا طائرتين للسلطة السورية وهما من صنع روسيا؟

3-    هل تركيا ستغامر بإستراتيجيتها الحديثة العهد مع روسيا، في الوقت الذي أصبحت علاقاتها على المحك مع الدول الأوروبية وأمريكا؟

  الكل يعلم، أن تركيا لا تملك الإمكانيات الاقتصادية ولا التكنلوجية ولا العسكرية لتقليد أمريكا، وبالتالي ستكون طريدة سهلة لروسيا، وخبراء الطرفين يدركونها تماما، ولربما لهذا، تركيا حتى اللحظة لا تتهم روسيا في مقتل جنودها، علما أنها تعرف تماماً، لا سلطة بشار الأسد ولا الأدوات الإيرانية تملك جرأة تجاوز الخطوط الحمر لولا الموافقة الروسية. مع ذلك لم يتراجع أردوغان، ولربما من منطق إيحاء روسيا بهذه الاحتمالية، عن مطالبه حتى اللحظة؛ من روسيا، في الحفاظ على منطقة إدلب كمنطقة محمية للمنظمات التكفيرية المصنفة عالميا ضمن قائمة الإرهاب، عارضا خلفها عدة أسباب مباشرة وغير مباشرة منها:

1-    تركيا تقلقها احتمالية التجاء المنظمات التكفيرية المسلحة في حال خسارتهم إلى أراضيها، وهذا هو أفضل وأسهل الحلول لقرابة 30 ألف مسلح من المنظمات، باستثناء الحل الإجرامي البشع، وهي احتمالية المؤامرة التركية الروسية، أي قتل قياداتهم جميعا، وإذابة الأعضاء بين الجماهير، والتي لن ترحمهم السلطة الإجرامية، فلا جغرافية أخرى ستحتضنهم أو تحميهم. قبلها تم نقلهم من حلب والغوطة الشرقية والزبداني إلى إدلب، ولم تحاول تركيا منع عمليات النقل والتهجير مثلما تحاول اليوم.

2-    في حال تم الحفاظ عليهم ضمن منطقة إدلب، فلا بد من تطبيق نظام شبه كونفدرالي أو فيدرالية واسعة، تابعة شكليا لدمشق كسلطة لامركزية، قد تأمل تركيا بإدارتها مثلما تفعلها مع قبرص الشمالية، لكنها تدرك من جهة أخرى أن هذه العملية ستفتح الباب للمنطقة الكردية بنظام مشابه، وهذا ما ترفضه تركيا، بل أن روسيا أول المعارضين لتكوين منطقة تحت حماية المنظمات التكفيرية السنية، وهي التي قضت عليها في شيشانيا بدون رحمة، ولن تسمح بمثلها في سوريا والتي تراها شبه محمية لها.

3-    روسيا وأمريكا والعالم يدركون أن تركيا لا تريد الحلول الملائمة للشعب السوري، وهي تكاد لا تختلف في هذا عن سلطة بشار الأسد وأئمة ولاية الفقيه، فكلما ضاقت عليها الأروقة تلوح بإشكاليات المنطقة الكردية، والتي على أثرها تمكنت من الاستيلاء على معظم غرب الفرات ومنها عفرين، وجزء من شرقها، وتطمح دائما بالتمدد، مع أو دون إدلب، وفي حال استمرت تركيا على عنادها مع روسيا تدرك أنا ستخسر عاجلا أم أجلا هذه المناطق، لهذا ستبحث عن أساليب للحفاظ عليها وهذه قد تجبرها على مواجهة روسيا.

ضمن هذه المعادلات المتضاربة تبحث روسيا عن مخارج للأزمة التي تغوص فيها يوما بعد أخر، ولم تعد تهمها ما تلوح به تركيا حول مصلحتها القومية وأمنها ضمن الساحات السياسية كسبب لتداخلاتها. علما أنها تستطيع الحفاظ على هذه بأساليب صادقة وأقصر، كإجبار تركيا التخلي عن المعارضة المسلحة والتركيز على السياسية السلمية الوطنية، ومسيرة تغيير الدستور وتطبيق النظام الفيدرالي في سوريا، وعليها أن تعرضها على تركيا وحيث القضية الكردية العالقة منذ قرن وأكثر، والذي يعتبر مفتاح الحل الأمثل للجمها.

  لكنها بالعكس بدأت توسع من واحات صراعها مع تركيا، في الوقت الذي بإمكانها الحد منها بالطرق السياسية والدبلوماسية، وعزلها عن الساحة، خاصة بعدما أوصلت ما رغبته من رسائل ومهمات لأمريكا في سوريا، وضمن الناتو أيضا، وبالتالي تدرك أن مصيرها في سوريا مع أمريكا وليست مع تركيا على المحك، في حال استخدمت الأخيرة تركيا في مسيرة مشابهة للعملية التي استخدمتها روسيا. ولكن ...

يتبع...