2020-03-04 06:22:03

2/2

  تظل احتمالية إدراج أمريكا أو الناتو من قبل تركيا على دعم المعارضة السورية المسلحة بعيدة الاحتمال، رغم الصراع الروسي الأمريكي على شرق الفرات، فالخلافات بين الدولتين الكبريين إشكالية مغايرة للخلافات المتوقعة تفاقمها بين تركيا وروسيا، وستعالج بأساليب وأدوات مختلفة في القادم من الزمن؛ بعدما يضعف دور الدول الإقليمية وأدواتها ضمن سوريا، لهذا فعلى الأغلب روسيا لن تسمح لتركيا:

  أولاً، الاستمرار في تهديدها بشكل غير مباشر.

  ثانيا، الانتقال من استخدام أدواتها مع أدوات السلطة، إلى الدخول المباشر في الصراع معها عن طريق محاربة سلطة بشار الأسد، والتي بلغت درجة استخدامها السلاح الجوي، والطائرات المسيرة بدون طيار في سماء إدلب، والتي هي من صنع شركة صهر أردوغان بيرقدار، رغم معرفتها أنها تحت مراقبة الرادارات الروسية.

  وإذا تجاوزت تركيا الخطوط المتفقة عليها وصعدت من صراعها المباشر مع روسيا، تحت حجة الحفاظ على أمنها القومي، كتغطية لطموحاتها ومصالحها، وفرض هيبتها على دول الجوار، وحاولت تطبيق تجربة أمريكا في أفغانستان أو إيران وسوريا في العراق، فلا يستبعد أن تفكر روسيا بخطط أبعد من الجغرافية السورية، وبهذا فتركيا تكون قد رسمت بداية نهاية لذاتها كدولة محتلة لجغرافيات عدة قوميات. فهي تدرك قبل غيرها أن الهيمنة الروسية على سوريا بلغت مراحل إستراتيجية؛ حتى أمريكا لا تنافسها على كليتها، والتي همها حاليا الحفاظ فقط على وجودها في شرق الفرات، وهذه أيضا محل خلافات بينهما. مع ذلك وكخطوات استباقية لتلك المحاولة الجنونية تتجه حكومة أردوغان إلى خلق إشكاليات مختلفة:

1-    تقوية المعارضة السورية، العسكرية، وربما ترفع سقف المساعدات إلى سوية مواجهة سلطة بشار الأسد أي عمليا السلاح الروسي، ومن ضمنها الطيران، وبدأت تتدخل جزئيا بشكل مباشر؛ بقواتها العسكرية، آملة أن تجر الناتو الى المعادلة، رغم ما صرح به ممثل المنظمة الخارجي، على أن تركيا دخلت سوريا بدون مشورتنا؛ وتحاربها دون موافقتنا، ولا تنطبق عليها البند الخامس من اتفاقية الناتو، مع ذلك حصلت على تأييد إنساني من أمريكا وعلى المستوى الإعلامي فقط، ويستبعد أن ترفع سقف الإسناد إلى الدعم السياسي أو العسكري، وعلى الأغلب صدر موقف الحلف بناء على الأوامر الأمريكية المسبقة، ولعدة اعتبارات:

أولاُ، تركيا خزلتها في مواجهتها مع روسيا في قضيتي أوكرانيا ودول البلطيق.

ثانيا، خلقت مشاكل مع دول الناتو، وحاولت فرض شروطها.

ثالثاُ، أمريكا هي راعية الناتو لن تسمح لتركيا تجاوز الحدود المرسومة لها ضمنها وخارجها، بحيث تجرها إلى حروبها الإقليمية لمنافعها القومية.

2-    بدأت تستخدم ما كانت ترهب بها أوروبا، وهي فتح الباب للمهاجرين، وتتبين حتى اللحظة أن خطته لم تكن بتلك الخطورة التي كان يهدد بها، فقد تم إيقافهم رغم ما تقدمه لهم المنظمات التركية من الخدمات لبلوغ حدود اليونان وبلغاريا، وعلى الأغلب أن الدول الأوروبية تتحذر من مجموعات الإرهابيين المندسين ضمنهم وليس من المهاجرين ذاتهم فهي تحتضن ما يقارب العشرة ملايين مهاجر من كل دول العالم، خمس ملايين من تركيا ذاتها يعيشون في ألمانيا، وعلى الأغلب يستفيدون منهم بقدر ما يقدمون لهم الخدمات.

وفي حال راجعت أمريكا والناتو موقفها الحالي، وتطلبت مصالحها؛ مساندة تركيا في سوريا، ستضطر روسيا إلى دراسة: أولا، إما أنها ستتراجع عن إستراتيجيتها في سوريا، ولن تعيد تجربتها في أفغانستان، وعلى الأغلب هذه بعيدة الاحتمال. ثانيا، أو ستعيد النظر في الإشكالية التي خلقت لذاتها يوم سمحت لتركيا باحتلال عفرين، وجلبت المنظمات التكفيرية تحت أسماء مختلفة إلى المناطق التي كانت محظورة عليهم، خاصة هي وأمريكا كانا على دراية بطموحات تركيا في العالمين الإسلامي والعربي، وهذا ما تقلق مصالح أمريكا، وروسيا تشاركها هذا البعد. وبالتالي قد تفتح أبواب الحوار مع أمريكا على شرق الفرات، وقد توافق على النظام الفيدرالي للمنطقة الكردية. وستعيد النظر في الأساليب التي ستحد من تجاوزات تركيا في المناطق الكردية وإدلب معا، كما وستنبهها إلى ثقلها السياسي والعسكري الحقيقي، والكل يدرك أن تركيا بلغت ما هي عليه، من المساعدات الدولية المادية والعسكري، على خلفية الخلاف الأيديولوجي مع طرفين:

  الأول، مع المعارضة الكمالية في الداخل، والتي على أثرها أضعفت حزب العدالة والتنمية منظمة أرغنكون، والدولة العميقة الكمالية، وبها استفادت روسيا من المعارضة الدائمة لها ضمن تركيا.

  والثاني، أنها تمكنت قبل الثورة السورية الحد من المنظمات الإسلامية الراديكالية التكفيرية، قبل أن تلتقي مع قطر وتواجه السعودية على رئاسة العالم الإسلامي، ولكنها تحولت مع المنظمات السورية المسلحة المعارضة، ومنظمة داعش إلى دولة راعية للإرهاب، وأصبحت عراب المنهج الراديكالي، وبدأت تدعم المنظمات الإسلامية المتطرفة المسلحة في أفغانستان عن طريق باكستان، وليبيا وسوريا، وغيرها من المناطق، وهذا ما لا تستسيغه أمريكا والدول الحليفة لها في منطقة الشرق الأوسط.

  فما يجري اليوم بين القوات التركية وسلطة بشار الأسد في منطقة إدلب، بعد التصعيد العسكري، ومحاولة التوازن بين المعارضة والسلطة، تقلق روسيا، على قدر ما تقف خلفها، وما تقدمه من مساعدات، وقد تصعدها كعملية استباقية لإخراج تركيا من المعادلة السورية، أو تحذيرها في حال الإقدام على إشكالية مشابهة لمسيرة أفغانستان. مع ذلك فعملية استعادة المعارضة مدينتي سراقب والنيرب وإسقاط الطائرات من الطرفين، وغيرها من عمليات الكر والفر، وعدم اتفاق لجانهما، تعكس واحدة من الحالات الثلاث:

1-    إما أن هناك مؤامرة من بوتين للتخلص من الطرفين: المعارضة السورية المسلحة، والمتوقعة، كما ذكرنا سابقاً، أنا ستهرب إلى الداخل التركي في حال خسارتها الكلية وبهذه السرعة، والميليشيات الإيرانية الداعمة للسلطة السورية والتي تقلق روسيا كقوة منافسة ضمن سوريا المستقبل، وعليه لا بد من خلق التوازان العسكري بينهما إلى فترة زمنية كافية للقضاء على بعضهما البعض، وما يجرى اليوم في الأروقة الدبلوماسية وعلى الإعلام الموجه، وعلى مستوى القوى الدولية، مسرحية للتغطية على ما تم الاتفاق عليه بشكل غير مباشر.

2-    أو أن أردوغان لطموحه وأحلامه، يغوص في المستنقع السوري والليبي، وعلى أثرها قد يخسر أبعاده الإستراتيجية مع روسيا، ولإنقاذ ذاته سيستخدم كل أدواته، منها: دعم المعارضات التكفيرية الإسلامية في كل الأمكنة الممكنة ومنها ضمن سوريا. دعم المهاجرين لدخول الأراضي الأوروبية بعد تطعيمهم بمجموعات من الإرهابيين. تقليص المساعدات للمخيمات، أو حجب المساعدات الدولية عنهم لإجبارهم على الهجرة. وهنا ستكون خسارة روسيا على المستويات العسكرية، أما التركية قد تكون مصيرية، اقتصادية وسياسية؛ ولربما على مستوى وحدة جغرافيتها.

3-    أو أن بوتين، واثق من قدراته في سوريا، وتركيا مع عدمية احتمالية التدخل الأمريكي، وبعدما حصل على ما كان يريده منها خلال السنوات الماضية، لم يعد بحاجة لها كقوة مساندة لمواجهة التحالف الدولي في سوريا، وعلاقاتهما الاستراتيجية، إن استمرت، ستحصر في الأبعاد التي تلبي مصالح روسيا في المنطقة. وبالتالي روسيا مدركة لكل المعادلات والاحتمالات المتوقعة، وهي أنها لن تتخلى عن مصالحها الإستراتيجية في سوريا أمام التهديدات التركية. رغم أن إستراتيجييها السياسيين، لا يستبعدون، وأنا أستبعدها، تكرار تجربة ما تم في العراق مع الأمريكيين والجماعات الإرهابية المجندة في إيران وسوريا والتي أدت إلى ما مقتل ما يقارب 3500 جندي أمريكي والألاف من الجرحى.

وتبقى الأسئلة المرة والمؤلمة بدون أجوبة شفافة في حضرة مآسي الملايين من المهاجرين السوريين، والألاف من الشهداء، والجرحى، والذين تستغلهم كل هذه القوى المارقة والمجرمة كمرتزقة بعدما تم تجويعهم وتشريدهم وإجبارهم على تنفيذ ما يرغبون.